السیدة زینب(س)، بطلة کربلاء قدوة المرأة الرسالیة
۱۳۹۵/۰۲/۲۰

تحتل المرأة فی التاریخ الإسلامی موقعاً رفیعاً وعالیاً، رفع الإسلام شأنها ومنحها العزة والکرامة، بعد أن سحقتها الجاهلیة العربیة وحطت من مکانتها العادات والتقالید البالیة إلى یومنا هذا.

وفی تاریخنا الإسلامی نماذج شامخة وصور مشرقة للمرأة ودورها السیاسی والاجتماعی فی الأمة، ومن أبرز هذه النماذج التی نحتفی بذکراها فی أیام عاشوراء والتی مثلت الدور المکمل والقیادی لرکب الإمام الحسین، هی بطلة کربلاء السیدة زینب بنت الإمام علی (ع).

ولدت السیدة زینب بنت علی بن أبی طالب(علیهما السلام) فی الخامس من جمادى الأولى فی السنة الخامسة للهجرة، وهی أکبر بنات السیدة فاطمة الزهراء (ع) وتلقب بالحوراء وعقیلة الهاشمیین وتکنى بأم کلثوم. 

وولدت فی حضن النبوة، ونشأت فی بیت الرسالة، ورضعت لبان الوحی من الزهراء، وتغذت بغذاء الکرامة والسمو من سفرة الامام علی (ع)، فتربت فی بیئة قدسیة جدها الرسول وأمها الزهراء وأبوها الإمام علی وأخواها سیدا شباب أهل الجنة.

وتعرضت الحوراء زینب(س) منذ نعومة أظفارها إلى المحن والمآسی، حالها حال آل بیت النبوة. فمات جدها الرسول الأکرم(ص) وهی فی سن الخامسة، وبعد ٧٥ یوماً من وفاة النبی فقدت والدتها الزهراء، تزوجت من عبدالله بن جعفر بن أبی طالب. ولدت زینب(س) من عبدالله بن جعفر أربعة ذکور وأنثى وهم علی ومحمد وعباس وعون وأم کلثوم، واستشهد محمد وعون مع الحسین فی کربلاء.

وتمیزت السیدة زینب(س) بالبلاغة والجرأة والفصاحة فی الحدیث، وتجلى ذلک فی موقفها بعد مقتل أخیها الحسین(ع) فی مجزرة کربلاء فی مجلس عبیدالله بن زیاد فی الکوفة ومجلس یزید بن معاویة فی الشام.فهی ولیدة بیت الفضیلة والشجاعة والمروءة والزهد والورع. شاطرت الحسین(ع) منذ بدایة حیاتها ولازمته فی نصرة الدین والرسالة الاسلامیة من أی اعوجاج، وواصلت المسیرة مع الحسین(ع) إلى کربلاء. فکانت معینة له فی نصرة موقفه، وتحملت وحدها مسؤولیة رعایة السبایا والأسرى الذین تشرذموا على ید جیش الشام فی عصر عاشوراء، فما کان من السیدة زینب(س) إلا أن تحملت مسؤولیة الثکالى والجرحى وحمایة الأطفال والنساء من أی اعتداء للجیش الأموی بعد أن فقدت کل الرجال عدا الإمام زین العابدین(ع) الذی کان مصاباً بمرض شدید لا یستطیع تحمل أعباء رعایة الأسرى.

وصل الأسرى والجرحى من معسکر الحسین(ع) إلى الکوفة، وجاء بهم عبیدالله بن زیاد إلى قصر الإمارة، وجیء برأس الحسین(ع) فوضع بین یدیه، فأقبل ابن زیاد على زینب(س) قائلاً: الحمد لله الذی فضحکم وأکذب أحدوثتکم. فردت زینب بکل جرأة: «إنما یفتضح الفاجر ویکذب الفاسق وهو غیرنا». 

فقال ابن زیاد: کیف رأیت صنع الله بأخیک وأهل بیتک؟ فقالت زینب: ما رأیت إلا خیراً، هؤلاء قوم کتب الله علیهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسیجمع الله بینک وبینهم فتحاج وتخاصم». وخطبت السیدة زینب(س) بأهل الکوفة الذین خذلوا الحسین خطبة أبکتهم وحملتهم المسؤولیة قائلة: «یا أهل الکوفة یا أهل الختل والغدر والخذل، أتبکون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة - إنما مثلکم کمثل التی نقضت غزلها من بعد قوة أنکاثاً، تتخذون إیمانکم دخلاً بینکم. أتبکون أخی وتنتحبون، والله فابکوا، فإنکم أحرى بالبکاء، فابکوا کثیراً واضحکوا قلیلاً، وأنى ترحضون، قتل سلیل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسید شباب أهل الجنة وملاذ خیرتکم ومنار حجتکم، ألا ساء ما قدمتم لأنفسکم، فبعداً لکم وتعساً تعساً ونکساً نکساً وسحقاً سحقاً، ویلکم یا أهل الکوفة أتدرون أی کبد لرسول الله(ص) فریتم، وأی دم سفکتم وأی حرمة له انتهکتم، لقد جئتم بها صلعاء عنقاء فقماء خرقاء، کطلاع الأرض، وملاء السماء فعجبتم أن تمطر السماء دماً! ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا یستخفنکم المهل فإنه لا یحفزه البدار، ولا یخاف فوت الثأر، کلا وإن ربکم لبالمرصاد».

وعانت السیدة زینب ما عانت فی جمع الأسرى وحراستهم وحمایتهم من أی سوء، ولکنها کانت صامدة وصابرة على فقد الأحبة من أبنائها وإخوانها وعشیرتها من الظلم الذی وقع علیهم منذ مقتل الحسین حتى وصلوا إلى الشام، حیث الأجواء ملبدة بإعلام مضلل ضد آل بیت رسول الله(ص) على أنهم خوارج، إلى درجة أن أهل الشام نشروا الأعلام وزینوا المدینة بزینة النصر لیزید، فلما وصل الأسرى إلى قصر الإمارة وبحضور یزید، أراد رجل من أهل الشام التعرض لفاطمة بنت الحسین(ع) فردت علیه زینب بغضب مما أغضب یزید وسب السیدة زینب وأخاها وأباها، فوقفت زینب مخاطبة یزید وحاشیته فی مجلس الإمارة، فحمدت الله وصلت على النبی وآله قائلة: أظننت یا یزید حیث أخذت علینا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق کما تساق الأسارى، أمن العدل یا ابن الطلقاء تخدیرک حرائرک وإماءک وسوقک بنات رسول الله سبایا قد هتکت ستورهن وأبدیت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ویتصفح وجوههن القریب والبعید والدنی والشریف، لیس معهن من رجالهن ولی ولا من حماتهن حمی، فوالله ما فریت إلا جلدک ولا حززت إلا لحمک، ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفک دماء ذریته وانتهکت من حرمته فی عترته ولحمته، وحسبک بالله حاکما وبمحمد خصیماً وبجبریل ظهیراً وسیعلم من رسول لک ومکنک من رقاب المسلمین «بئس للظالمین بدلاً» وأیکم شر مکاناً وأضعف جنداً ولئن جرت علی الدواهی مخاطبتک فإنی لأستصغر قدرک وأستعظم تقریعک وأستکثر توبیخک، ولکن العین عبرا والصدر حرى. فالحمد لله الذی ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن یکمل لهم الثواب ویوجب لهم المزید ویحسن علینا الخلافة، انه رحیم ودود وحسبنا الله ونعم الوکیل.

وتوفیت السیدة زینب(س) بعد احد عشر شهراً وخمسة عشر یوماً من واقعة عاشوراء أی فی ١٥ رجب سنة ٦٢ للهجرة.

وهذه وقفات بسیطة جداً من حیاة بطلة کربلاء التی ضربت للأمة مثلاً رائعاً فی الوقوف مع الحق والدفاع عن القیم والمبادئ الإسلامیة أمام الجبابرة والظلمة، لکی تعطینا دروساً فی دور المرأة الرسالیة، وواجبها تجاه أمتها ودورها فی الدفاع عن المظلومین ومواجهة أی انحراف فی الأمة، فمسؤولیة المرأة لا تقل عن مسؤولیة الرجل تجاه مجتمعه وأمته. ولنا فی الحوراء زینب قدوة وأسوة فی مسیرة حیاتها البطولیة.

بقلم الباحث عبدالحسین السلطان

تلفن مرکز رسیدگی به امور مساجد: 30-02166497027

 

تلفن سامانه ارتباط مردمی : 61943

info@masjed.ir