الإمام الحسین علیه السلام سرّ انتصاراتنا
۱۳۹۴/۱۰/۰۸
د. طراد حمادة
فی کتابنا "میتافیزیقا عاشوراء" أثبتنا فی مقالة فلسفیّة أن النفاذ إلى حقیقة عاشوراء لا یحصل على الیقین إلى معرفة الشیء فی ذاته إلاّ بالنظر المیتافیزیقی. لأن الحقیقة الذاتیة لثورة الإمام الحسین (ع) تقوم على اعتبارها، ثورة ذات أبعاد إلهیّة، من ناحیة فعل الإمام وتقریره وقوله وسیرته وأخلاقه، ومن ناحیة أسبابها والغایات المرتبطة بالدور الإلهی المنوط بالإمامة والولایة للنبوة المحمدیة الخاتمة.
لا یعنی هذا القول أن مقاربة ثورة الإمام الحسین (ع) من النواحی التاریخیّة المرتبطة بالزمان والمکان، والظروف السیاسیة والاجتماعیة والمعرفیة المرتبطة بدورها بحرکة الأحداث والوقائع فی النصف الأول من القرن الأول للهجرة؛ وما تشکله هذه الوقائع والأحداث من موقع تاریخی مرتبط بزمن النبوّة وتنزل الوحی واکتمال الدین، بالولایة المحمدیة – العلویّة، وما ارتضاه الله من دروس وعبر وتجربة ومواقف، وسیرة وسلوک، یکون مرجعاً للناس، فی عبادة الله سبحانه حق عبادته فی کل زمان ومکان..
وعلیه، تکون ثورة الإمام الحسین(ع) الرمز والقدوة والمثال والنموذج لکل ثورة بعدها والمعیار فی تقییم کل ثورة قبلها. إنها الدرس الأکثر بلاغة الذی قدّم للإنسان فی دورته الآدمیة الراهنة، للاستفادة منها واعتبارها مرجعاً ونموذجاً وقوة تحتذى. ویسمح هذا الدور بإجراء مقاربات متعددة لثورة الإمام الحسین(ع) من الناحیة التاریخیة والسیاسیة والاجتماعیة والأخلاقیة والمعرفیة، للتجارب الإنسانیة حتى اکتمال الدورة الآدمیة، فی العنایة الإلهیة المستمرة بعد ختم نبوّة التشریع بالولایة المستمرة ما استدام هذا الزمان.
إن الشرط الذی نضعه أمام هذه المقاربات هو ارتباطها بالبعد المیتافیزیقی – الإلهی لثورة الإمام الحسین، ویکون فیه المؤرخ الناظر وفق منطق الرؤیة التاریخیة، مدرکاً أنه أمام تجربة ذات بعد میتافیزیقی غالب، لا یدرک إلاّ وفق المیتافیزیقا التاریخیة، أو السیاسیة أی على ضوء الأسئلة الکلیة التی تحیط بالنظر المیتافیزیقی...
کل یوم عاشوراء وکل أرض کربلاء، صورة عن البعد والمثال والنموذج والاقتداء والمحاکاة التی تجعل من النظر المیتافیزیقی لعاشوراء، قادرا على الإحاطة بأحداث ووقائع راهنة، یمکن تفسیرها على ضوء المنهج والدرس العاشورائی. الإمام الحسین(ع) هو المعلم؛ فی دائرة النبوّة المحمدیة، والولایة العلویة، فی حوار الدور الحسینی فی الرسالة المحمدیة، أو الحرف الحسینی فی الکلمة المحمدیَّة...
اختار حزب الله لإحیاء ذکرى عاشوراء للعام المیلادی 2015، شعار "الحسین سر انتصاراتنا" ماذا یعنیها من الناحیة السیاسیة، المرتبطة بالرؤیة المیتافیزیقیة لعاشوراء هذا الشعار، فی الزمان والمکان المقصودین، وهی وقائع أحداث العالم ومشکلاته فی الزمن الحاضر عام 2015 للمیلاد.
الناظر فیما یدور فی هذا العالم من أحداث یجد أن ثمة مصادیق فیها یمکن تفسیرها على ضوء المنهج العاشورائی، والحرف الحسینی فی الکلمة المحمدیة. لقد قام الإمام الحسین(ع) فی ثورته من أجل الإصلاح فی أمة جده، یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر، ویقاوم الشر وسلطة الاستبداد والانحراف التی مثلها حکم یزید بن معاویة ومن قبله حکم أبیه والتی وضعت الإسلام فی دائرة الخطر الوجودی ترید محق هذا الدین وإطفاء الثورة، والعودة إلى الجاهلیة العمیاء، ونکران الدعوة، وتبدید قوى الإسلام، ونشر الضلالة والجهل وبسط الطغیان الأعمى، وفرض السلطان الجائر، ونیل البیعة له بقوة العصبیّة الجاهلیة وقتل الناس وإرهابهم، وشراء الضمائر، ونشر الفساد والباطل.
یواجه عالمنا المعاصر، دول وأنظمة سیاسیة طاغیة فاسدة ظالمة تنشر الحروب والفوضى وتعیث فی الأرض فساداً، وتستند إلى الإرهاب والتکفیر، والقتل والتهجیر وإشاعة الدمار والخراب.
هذه الظواهر وفیها مصداق حکم یزید بن معاویة تهدد العالم المعاصر فی وجوده، ولا بد لهذا العالم من أجل الحفاظ على بقائه من مقاومتها...
إن مقاومة الإرهاب والاستبداد والاستعمار والاستغلال ونشر الرعب والفوضى والقتل یستلزم التحلی بکل خصائص الثورة الحسینیة، من الحکمة والشجاعة والتضحیة والإیثار والمقاومة والشهادة وانتصار الدم على السیف، والحق على الباطل والتحلی بأخلاق الله، والتخلی عن کل ما یغضب الله، والعمل فی سبیل الله، وعبادة الله حق عبادته، والدعوة إلى حقائق دینه، وصلاح خلقه؛ ونشر الأخلاق والمثل الإلهیة بین الناس وهی خصائص وصفات إذا تحلى بها المقاومون حققوا وعد الله لهم بالنصر.
تکشف هذه البارقة عن السرّ الإلهی الذی یجعل الحسین(ع) فی سیرته وعلمه وتقواه حکمته وشجاعته ومقاومته واستشهاده مع أهل بیته والخلّص من أصحابه سر انتصاراتنا، لأننا نحقق النصر بأخذنا ثورة الإمام الحسین قدوة ومثالاً، ورمزاً، ورایة وعنواناً، لمقاومتنا المعاصرة، والتی ستنتصر، لأن الله سبحانه وعد المجاهدین فی سبیله بالنصر، ولأن هذا النصر ثمرة السیر على الصراط المستقیم ولا یحل هذا السر إلاّ بهدایة الإسلام والتمسک بالعروة الوثقى کتاب الله ورسوله وعترته أهل بیته ومنهم ریحانته، الحسین بن علی أمیر المؤمنین وابن فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین، والذی قال فیه رسول العالمین وخاتم النبیین: حسین منی وأنا من حسین.
إن کل ما لدینا هو من برکات عاشوراء، والحسین سر انتصاراتنا، حقیقة واقعیة وواقعة حقیقیّة. نشاهد بأنفسنا مظاهرها الصادقة.