"إسرائیل" وإحراق المسجد الأقصى
۱۳۹۴/۰۵/۳۱
یصادف یوم الجمعة الموافق فی 21 أغسطس 2015 مرور 46 سنة على جریمة إحراق العدو الصهیونی للمسجد الأقصى على ید الیهودی الاسترالی مایکل روهان، بالتنسیق مع سلطات الاحتلال وقواتها العسکریة.

 أتت نیران الحریق الوحشی التی أشعلها بث الحقد والکراهیة والتعصب والتمییز العنصری الذی رسّخه کتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاینة والکیان الصهیونی ضد العروبة والإسلام والمسیحیة على محراب صلاح الدین وحوّلته إلى رماد، وکادت أن تدمر المسجد الأقصى المبارک بکامله لولا أبناء شعبنا العربی الفلسطینی الذین هبوا من جمیع أنحاء الضفة الغربیة لإطفاء الحریق.

هرع عرب القدس من مسلمین ومسیحیین لإطفاء الحریق، ولإنقاذ المسجد الأقصى من التدمیر..

 ووصل تآمر "إسرائیل" حداً أغلق فیه جیش الاحتلال أبواب الحرم الشریف (أی ساحة الأقصى) لمنع العرب من الدخول، ولکنهم أجبروا الجیش الإسرائیلی على فتح الأبواب بعد صدام عنیف دام 45 دقیقة، ظناً من سلطات الاحتلال بأن النیران الیهودیة ستحوّل المسجد الأقصى إلى رماد خلال تلک الفترة.

وعندما بدأ العرب بمحاولة ضخ المیاه من آبار المسجد، وجدوا مضخات المیاه معطّلة، فأخذ الفلسطینیون بنشل المیاه بأوعیة صغیرة، وتسلقوا سطح المسجد لإطفاء الحریق.

وکان رجال الدین المسیحی وعلى رأسهم بطریرک الروم الأرثوذکس یحملون الماء ویبکون ویرددون بأعلى أصواتهم: "بیت مقدس من بیوت الله یحرقوه".

وارتفعت النیران أکثر من ثلاثین متراً فوق قبة المسجد الأقصى، والمیاه قلیلة، وجیش الاحتلال یعرقل عملیة إطفاء الحریق.
وعندما وصلت سیارات الإطفاء من نابلس ورام الله والبیرة وبیت لحم والخلیل وجنین وطولکرم منعتها السلطات الإسرائیلیة من المشارکة فی عملیة إطفاء الحریق بذریعة أن عملیة الإطفاء هی من اختصاص بلدیة القدس المحتلة.

وعندما وصل وزیر الحرب الإسرائیلی دیان استقبله الفلسطینیون بالهتافات ضد إسرائیل ورددوا عبارات: (الله أکبر)، (القدس عربیة)، (لا هیکل مکان الأقصى). ونجحوا بإخماد الحریق بعد احتراق الجزء الهام من المسجد الأقصى بما فیه محراب صلاح الدین الذی أحضروه من الجامع الأموی بحلب.
أضربت مدینة القدس فور الانتهاء من إخماد الحریق، واندلعت فیها المظاهرات الصاخبة، وعمّ الإضراب جمیع أنحاء الضفة الغربیة وقطاع غزة والمناطق الفلسطینیة المحتلة عام 1948.

وساد الحزن والغضب والألم قلوب ومشاعر جمیع العرب والمسلمین لفظاعة الجریمة الإسرائیلیة ووحشیتها، واتخذ مجلس الأمن القرار 271 فی 15 سبتمبر 1969 عبّر فیه عن الحزن للأضرار الجسیمة الناتجة عن الإحراق المفتعل فی ظل الاحتلال العسکری للقدس. وأکد المجلس أن امتلاک الأراضی بالفتح العسکری غیر مسموح به. وطالب "إسرائیل" أن تلغی فوراً جمیع الإجراءات والأعمال التی اتخذتها فی سبیل تغییر وضع القدس.

وهنا یتبادر إلى الذهن السؤال التالی: هل کانت محاولة تدمیر المسجد الأقصى صدفة أم مخططة؟
کتب تیودور هرتسل مؤسس الحرکة الصهیونیة العالمیة ومؤلف کتاب "دولة الیهود" قبل تأسیس الکیان الصهیونی بخمسین عاماً یقول:
"إذا حصلنا یوماً على القدس وکنت لا أزال حیاً وقادراً على القیام بأی شیء فسوف أزیل کل شیء لیس مقدساً لدى الیهود فیها وسوف أحرق الآثار التی مرت علیها قروناً".

وجاء فی دائرة المعارف الیهودیة تحت کلمة الصهیونیة: "إن الیهود یبغون أن یجمعوا أمرهم وأن یذهبوا إلى القدس ویتغلّبوا على قوة الأعداء وأن یعیدوا العبادة إلى الهیکل ویقیموا مملکتهم هناک". وأکد المؤسسون الصهاینة "أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس فی الهیکل إنما هو للیهود".

وتطبیقاً للمخططات الصهیونیة احتلت إسرائیل الشطر الغربی من مدینة القدس فی الحرب العدوانیة التی أشعلتها عام 1948 وأعلنتها عاصمة لها. وأعلن الأردن فی عام 1960 الشطر الشرقی من القدس العاصمة الثانیة للمملکة الهاشمیة.

تتضمن قرارات الشرعیة الدولیة والتی تمثِّل الحد الأدنى الذی وافقت علیه الحکومات العربیة وأعضاء مجلس الأمن الانسحاب الشامل من القدس العربیة، وإلغاء کافة الإجراءات التی اتخذتها إسرائیل لتغییر الوضع الجغرافی والدیمغرافی للقدس، وأثرت على الوضع التاریخی للمدینة بما فی ذلک مصادرة الأراضی الفلسطینیة والعقارات وترحیل الفلسطینیین واستیطان الیهود وتفکیک الأحیاء والمستعمرات الیهودیة، والسماح للنازحین الذین نزحوا جراء حرب 67 بالعودة إلى القدس.

تجلَّى الانحیاز الأمریکی الأعمى للأطماع الیهودیة والمعادی لحقوق العرب والمسلمین فی القرار رقم 106 الذی اتخذه الکونغرس الأمریکی فی 22 مایو 1990 وصدر کقانون فی العام 1995 أی بعد أربعة أسابیع من توقیع اتفاق أوسلو 2 فی البیت الأبیض، والذی تضمن الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، ما یظهر بجلاء عدم صدقیة الالتزامات الأمریکیة.

تضمنت دیباجة القانون الأمریکی جمیع المزاعم والأکاذیب الیهودیة فی مدینة القدس، المدینة العربیة التی أسسها العرب قبل ظهور الیهودیة والمسیحیة والإسلام. وأصبحت مدینة عربیة- إسلامیة بعد أن حررها رجال الصحابة من الغزاة الرومان.
وجاء فی بنود القانون الأمریکی الثلاثة:

أولاً: تبقى القدس موحدة غیر مجزأة، أی الاعتراف الأمریکی بالاحتلال الإسرائیلی للقدس وشرعنته.
ثانیاً: یعترف القانون الأمریکی بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائیل، وجاء فیه الأکاذیب التالیة:
-لقد کانت القدس عاصمة للشعب الیهودی لأکثر من 3 آلاف عام.
-لم تکن القدس عاصمة لأی دولة أخرى غیر الشعب الیهودی.
-القدس مرکزیة للیهودیة. وقد ذکرت فی التوراة 766 مرة.
-لم تذکر بالاسم فی القرآن.
-القدس هی مقر الحکومة الإسرائیلیة بما فیها الرئیس والبرلمان والمحکمة العلیا.
ثالثاً: یلزم القانون الأمریکی الإدارة الأمریکیة بنقل السفارة من تل أبیب إلى القدس.

یتناقض هذا القانون الأمریکی تناقضاً فظَّاً وحقیراً مع مبادئ القانون الدولی وحقوق العرب والمسلمین فی مدینة الإسراء والمعراج. وینتهک قرارات مجلس الأمن الدولی التی وافقت علیها الولایات المتحدة وتعتبر القدس أرضاً عربیة محتلة یجب الانسحاب منها.
سکتت معظم الدول العربیة والجامعة العربیة سکوتاً مریباً ومشبوهاً على التأیید الأمریکی الهمجی للأطماع الیهودیة فی مدینة القدس، أولى القبلتین وثالث الحرمین الشریفین. و...

وأظهر القانون التراجع الأمریکی الخسیس عن المواقف التی أعلنتها الإدارات الأمریکیة السابقة من مدینة القدس المحتلة.
فشى فی الکیان الصهیونی والولایات المتحدة الأمریکیة ظهور عدة منظمات دینیة متطرفة یهودیة ومسیحیة تخطط إلى تدمیر المسجد الأقصى وبناء الهیکل المزعوم على أنقاضه.

لقد صنع الصهاینة أهمیة بالغة للقدس فی نفوس الیهود ومؤیدیهم من الطهوریین والإنجیلیین والمسیحیة المتصهینة، بسبب مکانتها السیاسیة والدینیة للدیانتین الإسلامیة والمسیحیة وموقعها الاستراتیجی وأهمیتها التاریخیة والاقتصادیة، ولإذلال العرب والمسلمین وإخضاعهم ومسح الحضارة العربیة الإسلامیة فیها.

إن القدس لیست مجرد عاصمة من العواصم العربیة العزیزة على قلوب العرب والمسلمین، بل هی العاصمة العربیة التی خاض العرب والمسلمون من أجلها الحروب منذ تأسیسها على ید العرب، وتحریرها من الرومان وفتحها على ید الخلیفة عمر بن الخطاب، واستعادتها من الفرنجة على ید صلاح الدین، واحتلتها بریطانیا التی منحت الصهیونیة وعد بلفور. واحتلها الکیان الصهیونی فی الحربین العدوانیتین فی عامی 1948 و1967.

لقد أکملت دولة الاحتلال تهوید القدس بشطریها المحتلین. وکانت عربیة اللسان والحضارة والتاریخ. سادت فیها فی بادئ الأمر الکنعانیة ثم الآرامیة والعربیة، کما أن المسجد الأقصى موقع عربی – إسلامی منذ الأزل، ولا یوجد للیهود فیه وفی حائط البراق الذی یسمونه کذباً وبهتاناً بحائط المبکى حق على الإطلاق، وهو وقف إسلامی، وکذلک ساحة المغاربة.

وترتبط أهمیة القدس الاستراتیجیة للعرب بوجودهم الوطنی والقومی والدینی. وتتمتّع بمکانة فریدة لحوالی ملیار ونصف الملیار من المسلمین. وکانت تتبع فی العهد الترکی إلى سنجق دمشق. وکانت عاصمة الخلافة الأمویة، حیث کان خلفاء بنی أمیة یتولون المنصب فی مدینة القدس، وعاصمة فلسطین  إبان الانتداب البریطانی، والعاصمة الثانیة للمحکمة الهاشمیة.

إن المسجد الأقصى المبارک یتعرض إلى خطر حقیقی، لأن الیهودیة والأصولیة المسیحیة وإسرائیل ینادون بوجوب تدمیره وإقامة الهیکل المزعوم على أنقاضه. ویزعمون أن الهیکل مکان المسجد الأقصى، وأن قدس الأقداس مکان مسجد قبة الصخرة. وأقاموا الحی الیهودی منذ عام 1968 فی داخل البلدة القدیمة. وبالتالی یعملون على تنفیذ مخططاتهم لتهوید القدس القدیمة بما فیها من المقدسات العربیة الإسلامیة والمسیحیة.

وتغلق سلطات الاحتلال أبواب المسجد الأقصى أمام المصلین، وتعتدی الشرطة الإسرائیلیة على المعتکفین والمصلین الذین تسمح لهم بالصلاة فیه بالرصاص والقنابل. وتعمل على دعم الجماعات الیهودیة المتطرفة التی تقتحم ساحة الأقصى یومیاً وتعتدی على حریة العبادة لأبناء شعبنا العربی الفلسطینی.

یناقش الکنیست حالیاً مشروع قرار یعطی الیهود حق الصلاة فی ساحة المسجد الأقصى، والتقسیم الزمانی والمکانی للقیام بطقوس تلمودیة ثلاث مرات یومیاً کما فعلت دولة الاحتلال فی المسجد الإبراهیمی فی الخلیل.

إن الهیکل المزعوم خرافة توراتیة وأطماع وأکاذیب صهیونیة تفتّق عنها عقول دهاقنة الاستعمار الاستیطانی الیهودی العنصری والإرهابی، ولا وجود له على الإطلاق لا فی التاریخ ولا فی علم الآثار، ولا على أرض الواقع، حیث أکد عالم الآثار الإسرائیلی "إسرائیل فلکنشتاین" أن علماء الآثار الیهود لم یعثروا على شواهد تاریخیة وأثریة تدعم القصص الواردة فی التوراة بما فیها قصة هیکل سلیمان، وأنه لا یوجد أساس أو شاهد أو إثبات تاریخی على وجود الملک داوود الذی زعم الصهاینة أنه اتخذ من القدس عاصمة له.

حدد مجلس الأمن الدولی الوضع القانونی لمدینة القدس الشرقیة بأنها منطقة محتلّة، وأن إعلان إسرائیل ضمها غیر قانونی ومخالف للقوانین والقرارات الدولیة، ووجوب الانسحاب منها، وإزالة جمیع الإجراءات الجغرافیة والدیمغرافیة التی اتخذتها دولة الاحتلال، واعتبرها غیر شرعیة لاغیة وباطلة.

إن عروبة القدس جوهر قضیة فلسطین، ومفتاح الحرب والسلام فی المنطقة، وهی التحدی الأساسی للعرب والمسلمین، لذلک یجب وضعها فی أعلى سلم الأولویات والإبقاء على خیار المقاومة وتسلیح الضفة الغربیة واندلاع انتفاضة ثالثة، فالصراع على فلسطین والقدس صراع وطنی وقومی ودینی وقانونی، لذلک لا تملک جامعة الدول العربیة ولا مؤتمرات القمة العربیة ولا قیادة منظمة التحریر الفلسطینیة حق التنازل عنها أو عن ذرة من ترابها المقدس، أو التفریط فی عروبتها. ولا حل على الإطلاق فی القدس إلاّ باستعادة المدینة لهویتها العربیة الإسلامیة، ونزع الهویة الیهودیة التی عمل الاحتلال الإسرائیلی على فرضها، واستعادة السیادة العربیة الکاملة غیر المنقوصة علیها.

وهی بمثابة القلب لفلسطین وللعرب والمسلمین، وعاصمتهم الأبدیة إلى یوم القیامة.
إن الواجب الوطنی والقومی والدینی یفرض علینا جمیعاً الالتزام بالتمسک فی عروبتها ورفض المساعی الصهیونیة والغربیة لتهویدها وتهوید المسجد الأقصى، ورفض کل أشکال التطبیع والتعایش مع الاستعمار الاستیطانی العنصری والإرهابی، الغریب على المنطقة والدخیل علیها والمعادی لشعوبها.

نحن الیوم بأمسِّ الحاجة إلى حراک شعبی عربی إسلامی وعالمی مستمر لإنقاذ المسجد الأقصى من التدمیر والتهوید قبل فوات الأوان. فالمسجد الأقصى یمثل هویة فلسطین العربیة والإسلامیة بقرار ربانی، لذلک لا یجوز للجنة إنقاذ القدس وجامعة الدول العربیة وآل سعود وثانی ونهیان التخاذل فی الدفاع عنه لقاء کسب رضى الولایات المتحدة والیهودیة العالمیة والمحافظة على کراسیهم ومناصبهم وامتیازاتهم.

إن أعمال الحفر والهدم وبناء الأحیاء والمستعمرات الیهودیة داخل البلدة القدیمة من القدس بما فیها حی الشیخ جراح وباب العامود فی مکان یعتبره ملیار ونصف الملیار نسمة من أقدس مقدساتهم أمر خطیر جداً واستفزاز وإذلال بالغ الحساسیة قد تترتب علیه نتائج کارثیة للمنطقة وللعالم أجمع.

فکل قرار أو إجراء یمس السیادة الفلسطینیة علیها وهویتها العربیة والإسلامیة قرار باطل ولاغ مهما طال الزمن وغلا الثمن.

بقلم: د. غازی حسین

تلفن مرکز رسیدگی به امور مساجد: 30-02166497027

 

تلفن سامانه ارتباط مردمی : 61943

info@masjed.ir