الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على أشرف الأنبیاء والمرسلین، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى یوم الدین..أما بعد:
شرائح المجتمع وطبقاته کلها تلتقی فی المسجد، فتجد الغنی والفقیر، والصغیر والکبیر، وکل یأخذ من الخیر ما کتب الله –تعالى- له، ومن ألئک عضو أساسی فی المجتمع، وعنصر مهم من عناصره، إنه الطفل، إنه الیوم طفل وغداً شاب، وبعد غدٍ رجل من رجالات الأمة الإسلامیة، الذین تعقد علیهم الآمال.
وقد حصل أنَّ من المسلمین من یمنع الأطفال من الصلاة فی بیوت الله –تعالى- معللین فعلهم بحدیث واثلة بن الأسقع رضی الله عنه-: أن النبی -صلى الله علیه وسلم- قال: ((جنبوا مساجدکم صبیانکم ومجانینکم وشرارکم وبیعکم،...))1. وقد ضعف العلماء هذا الحدیث –منهم الألبانی-، ومع ضعف هذا الحدیث فهو معارض لحدیث أبی قتادة الأنصاری –رضی الله عنه- الذی فی صحیح مسلم، یقول أبو قتادة: "رأیت النبی -صلى الله علیه وسلم- یؤم الناس وأمامة بنت أبی العاص -وهی ابنة زینب بنت النبی -صلى الله علیه وسلم- على عاتقه فإذا رکع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها"2، وقد جاء فی حدیث آخر أن النبی –صلى الله علیه وسلم- کان یصلی وعنده الحسن والحسین-رضی الله عنهما-، فعن أبی هریرة –رضی الله عنه- قال: "کنا نصلی مع رسول الله -صلى الله علیه وسلم- العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسین على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بیده من خلفه أخذاً رفیقاً، ویضعهما على الأرض فإذا عاد عادا، حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذیه، قال: فقمت إلیه، فقلت: یا رسول الله أردهما، فبرقت برقة، فقال لهما: ((الحقا بأمکما))، قال: فمکث ضوءها حتى دخلا"3، بل کان النبی –صلى الله علیه وسلم- یسمع بکاء الصبی ولم ینه عن اصطحابه إلى المسجد، فعن أنس بن مالک –رضی الله عنه- أن النبی -صلى الله علیه وسلم- قال: ((إنی لأدخل فی الصلاة وأنا أرید إطالتها؛ فأسمع بکاء الصبی، فأتجوز فی صلاتی؛ مما أعلم من شدة وجد أمه من بکائه))4.
فمما سبق علمنا أن حضور الطفل مع جماعة المسلمین کان معهوداً فی زمن النبی –صلى الله علیه وسلم-، وهل فی ذلک فائدة تعود على الطفل؟ بالطبع هناک فوائد ولیست فائدة واحدة، فالمسجد من أهم العوامل التی تبنی شخصیة الطفل بناءً متکاملاً، "فللمسجد أثر کبیر على النشء وخاصة إذا تعودوا منذ صغرهم على ارتیاد المساجد بصحبة آبائهم، فالمسجد محضن تربوی ذو أثر عظیم یحافظ على الفطرة وینمی الموهبة ویربط النشء بربه من أول ظهور الإدراک وعلاقات التمییز، ویطبع فیه المثل والقیم والصلاح بتأثیر من الصالحین والخیرین ورواد المساجد من خلال المشاهدة والقدوة"5.
ومعلوم أن الطفل یکتسب الصفات التی یراها وتتردد علیه باستمرار، فیکتسب معالی الأخلاق ویتصف بأجمل الصفات، فخیر الناس هم أهل المساجد، وهم أهل القرآن، أهل الذکر والدعاء.
وترى الطفل وهو ینظر إلى الصفوف المرصوصة بانتظام، بلا اعوجاح ویرى حرکة المصلین المنتظمة، فترتسم فی نفسه معالم النظام وترتیب الحیاة، ویعلم –أیضاً- الطریقة المثلى للتعامل مع الناس؛ لأنه قد اختلط بهم، واستفاد من النظر إلى تصرفاتهم، ویرى طاعة المأموم لإمامه، واحترام الصغیر للکبیر، ومما یکتسبه –أیضاً- الشجاعة وترک الخوف لکثرة ما یلقى الرجال ویشارکهم فی أفعالهم.
ومن أبرز ما ینطبع على مشاعر الطفل؛ هو الشعور بالمجتمع المسلم، ووحدة الأمة من خلال مجتمع المسجد الصغیر الذی یظهر فیه الحب والإخاء.
ویتعلم الطفل القراءة الصحیحة، وتذوق الآیات القرآنیة وتدبرها، مع تعلمه ما یسمعه من الآیات والأحادیث، والفقه والعقیدة، وغیرها من علوم الشریعة، ویحفظ الطفل فی بیوت الله من أهل الشر والفساد، ممن خاضوا لجج المعاصی والشهوات، واستقلوا مراکب الفحش والفساد، فافسدوا الأطفال، وأهلکوا الشباب، فإذا بالمسجد کالحصن الحامی والدرع الواقی، یشغل الأطفال بالعلم والمعرفة، ویربیهم على معالی القیم، ومحاسن الأخلاق.
"وحتى تتحقق مصلحة تربیة الأطفال وتکوینهم من خلال المساجد، لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من القائمین على المساجد ومنها:
1ـ أن یشجعوا الآباء لاصطحاب أبنائهم إلى المساجد وتعلیمهم النظافة والنظام، وأن یراقبوهم ویوجهوهم لما فیه صالحهم.
2ـ أن یجد الأطفال والصغار من یرشدهم وینظم جلوسهم ویقیم لهم المناشط التی تتفق وأعمارهم.
3ـ أن یتحبب العاملون فی المساجد للأطفال، وأبناء المصلین بالبسمة ورحابة الصدر، وأن یجذبوهم للمساجد ولا ینفروهم منها.
إن الهدف من تربیة الأطفال التربیة الإسلامیة لیس تزویدهم بالمعلومات والآداب الإسلامیة فحسب بل إطلاع الأطفال على المعنى الأعمق للحیاة والعالم من حولهم، والأخذ بأیدیهم إلى الطریق الذی یؤدی إلى تنمیة متکاملة لکافة جوانب الشخصیة ومساعدتهم على التصدی لمشکلات الحیاة الشخصیة والاجتماعیة"6.
1 ابن ماجه(742)، ضعفه الألبانی فی ضعیف ابن ماجه(1/59).
3 أحمد(10246)، ذکره الألبانی فی السلسلة الصحیحة(9/105).