بقلم: د. فاطمة الطباطبائی
الامام الخمینی أعطى للعرفان مفهوماً جدیداً قائماً على أساس القرآن والسنّة. فهو جمع بین العرفان النظری لعملی، وجسّد ذلک فی سلوکه ، فکانت حیاته منظومة مؤلفة من القیادة السیاسیة والاجتهاد الفقهی والارتباط الدائم بالله سبحانه. والاساس الایمانی لهذه المنظومة هو: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
والامام یرى أن نظام الکون مبنی على العشق ویتحقق الخلق بالحب وعودة الموجودات إلى الوحدة بالعشق والمحبة. فکر الامام کان منشداً إلى المستقبل وطموحه کان یتجه إلى إقامة نظام سیاسی عالمی قائم على أساس الاخلاق والعشق.
یعتبر موضوع الحداثة والتجدید لدى المنظرین أحد المواضیع الهامة المطروحة فی مختلف المجالات العلمیة. وهذا التجدید الذی یعنی الخلق والإبداع یتضمن طرح الأفکار الجدیدة أو استخدام الآراء والنظریات القائمة بشکل مبتکر.
إن التوصل إلى أفکار جدیدة وتطبیقها على شتى نواحی الحیاة الاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة والاقتصادیة لتحقیق السعادة وراحة البال للبشریة جمعاء یحظى باهتمام خاص لدى المفکرین. وتکتسب دراسة آراء الامام الخمینی(رض) وأفکاره باعتباره مفکراً معاصراً ومنظراً مجدداً فی الأبعاد السیاسیة والاجتماعیة أهمیة خاصة فی عصرنا الراهن. ولا نرید هنا أن نستعرض إبداعاته التخصصیة فی الفقه والأصول والفلسفة والعرفان. بل أحلل هنا بشکل عام مستویین من شخصیته الفذة وهما:
أ: حیاة الامام (رض) ب: معتقداته النظریة الرئیسة.
وفی القسم الأول سوف أتطرق إلى النمط الجدید من شخصیة العالم الدینی الذی قدمه الإمام إلى الحوزات الدینیة التقلیدیة بینما سأشیر فی القسم الثانی فی جزئین إلى توجهه السیاسی والمعنوی وطبیعته القدسیة.
أ: العالم الدینی السیاسی
بعد استیلاء النظام البهلوی على السلطة فی إیران توالت الأحداث التی أدت إلى عزلة رجال الدین وابتعادهم عن المجتمع حفاظاً على الحد الأدنى للبقاء، وقد تطورت هذه الحالة تدریجیاً لتصبح شیئاً مألوفاً وعادیاً بحیث لم یعد ممکنا للعالم الدینی أن یصبح من رجال السیاسة، واذا صار کذلک أحیاناً فإنه یفقد حینذاک صفته کعالم دینی. طبعاً لم یکن هذا نهایة المطاف بل إن البعض کان یرى أن انتهاج السلوک العرفانی وتهذیب الأخلاق یتعارض مع الخوض فی الشؤون الدنیویة، وللأسف فإن وعی رجال الدین الذاتی حیال دورهم فی المجتمع وما یتوقعه الناس منهم خلق تصوراً مقبولاً لدى عامة الناس بأن رجل الدین غیر سیاسی، لذلک کانت السیاسة ورجال الدین على طرفی نقیض بشکل ملحوظ. ولکن حضور الإمام فی هذین المجالین بالذات وفی آن واحد باعتباره معلماً للأخلاق وفقیهاً عارفاً وسیاسیاً بارعاً اخترق الأجواء القائمة والمهیمنة على الحوزة العلمیة، وقد کان لهذا الاختراق تداعیات ورفض وقبول، فالبعض من الرعیل الأول من رجالات الحوزة کانوا یعارضون هذا النهج، وکانت مواقف وتصریحات الامام التی أدت إلى سجنه ونفیه لا تجد وقعاً حسناً لدیهم، إذ اعتبروها أمراً لا یتناسب مع شأن المرجعیة، ولکن الجیل الجدید واکب الإمام فی خطواته الجریئة (البعض من هؤلاء أصبحوا من السیاسیین المرموقین فی الساحة الایرانیة الیوم)، واستطاعت هذه الرؤیة أن تهدم جداراً سمیکاً کان قائماً على تفکیک الدنیا عن الآخرة والسیاسة عن الدین. ولم یبادر الإمام إلى هذا التجدید بناءً على خصاله الفردیة والنفسیة الناجمة عن طباعة ونزعته الشخصیة بل إنه بنى ذلک على أسس نظریة ومعرفیة تبلورت من سلوکه العرفانی. وقد أثبت حضور الإمام عملیاً بأنه معلم الأخلاق والفقیه والأصولی والعارف الذی بإمکانه أن یلج عالم السیاسة وأن یخوض فی الشؤون السیاسیة محافظاً فی الوقت نفسه على الشؤون الفقهیة والمرجعیة الدینیة وسنشیر فی الجزء الاول من القسم الثانی إلى هذا الأمر.
ب: معتقداته النظریة الرئیسة
ـ السیاسة المعنویة
إن إدخال المعنویات فی مجال السیاسة یعتبر من جملة تنظیرات الإمام التی سمیتها السیاسة المعنویة، ولإیضاح الصورة أرى من الضروری تقدیم تعریف عن العرفان والانسان.
تعریف العرفان:
العرفان، أحد أقسام المعرفة البشریة الذی یتناول معرفة الحق بواسطة الأسماء والصفات الإلهیة (العرفان النظری) (1) ویعرض سبل الوصول إلى الحقیقة فی الاتجاهین السلبی والایجابی (العرفان العملی) وهکذا یتخلق العارف بالخلق الإلهی بعد إزالة الشوائب والرذائل الأخلاقیة ویصل إلى مقام "الوحدة" أو التوحید، وهو آخر منزل من منازل السالکین. وفی هذا الرؤیة ینطلق العارف ویمضی قدماً لکی یتخلص فی الخطوة الأولى من الأنانیة والأهواء النفسیة (التطهر أو التخلیة) ثم فی الخطوة الثانیة یتحلى بالصفات والکمالات الإلهیة (التجمل أو التحلیة). ومن خلال هذا التعریف - والذی یتبناه الإمام أیضاً - یتضح أن العرفان النظری والعملی فی فکر الامام لا یقبل التجزئة، إذ یتبنى الامام العمل القائم على العقل والفکر والوعی، وکذا یتبنى الرأی والفکر
الذی یؤدی إلى العمل والتطبیق. لذلک یوصی الامام بطلب العلم ویرى من الضروری تطبیق ما یتعلمه المرء طوال حیاته ویصرّح بأن السلوک العلمی ینبغی أن یکون مقدمة للسلوک العملی(2).
وهکذا فإن ماکان یؤمن به الامام، باعتباره رجل سیاسة وعالماً دینیاً ومفکراً تجسّد فکره فی أعماله وسلوکه ، فقد کان یؤمن فی الجانب النظری بحقیقة أن "لا مؤثر فی الوجود إلا الله" أو "لا حول ولا قوة الا بالله". وقد تجلت هذه المعرفة الراسخة فی حیاته بحیث أنه لم یکن یخشى أیة قوة، ولذلک کان یوصی أتباعه أن لا یتکلوا إلا على القادر الأزلی.
تعریف الإنسان:
یعد الإنسان فی منظومة الامام الفکریة مخلوقاً کریماً وصاحب مُثُل واختیار، وبما أنه خلیفة الله ومظهر أسمائه وصفاته علیه أن یجسد کمالاته الکامنة فی وجوده بحیث یستعین باسم الخالق لیجمّل باطنه کظاهره على شکل إنسان. لأن تحقیق إنسانیته مرهون بخلقه، ومن أجل تحقیق هذا الهدف یحتاج الإنسان إلى نموذج تتکفل الشریعة بتعریفه. هذا النموذج فی الفکر الاسلامی العرفانی هو الإنسان الکامل. إن موضوع الإنسان الکامل من المواضیع والقضایا الرئیسة فی العرفان النظری(3)، فالانسان الکامل حسب هذه الرؤیة لیس مخلوقاً مجرداً أو مثالاً من مُثُل أفلاطون. بل إنه مخلوق واقعی وحقیقی ونموذج کامل لبناء الذات وتوعیة الآخرین وتوجیههم نحو السیر والسلوک والسفر المعنوی والتکاملی. والانسان من هذه الزاویة ینال المعرفة الربانیة ویتبوأ الباری عزوجل قلبه وفی الحدیث القدسی: "لا تسعنی أرضی ولا سمائی بل یسعنی قلب عبدی المؤمن"(4) وفی القرآن الکریم: (یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِی وَاسِعَةٌ فَإِیَّایَ فَاعْبُدُونِ( (5) لذلک یستأنس سکان هذه الأرض بعضهم بالبعض الآخر. ویسجدون فی حضرة الباری ویؤمنون بالله والیوم الآخر: (إِنَّمَا یَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِر( (6).
وبعد هذه المقدمة ندرک بأن کمال الإنسان لیس مجرداً ولا فردیاً، فلیس مفهوم الإنسان هو الذی یتکامل بل الإنسان الموجود المتجسد والمرکب من الروح والجسد هو الذی یتکامل ویسمو، وهذا النمو والکمال یحدث فی المجتمع بالذات ولیس خارج المجتمع. ومن الطبیعی على ضوء هذا الاستنباط عن "الإنسان" و"العالم" أن تتولد معرفة سیاسیة خاصة، فإذا تقرر أن یکون هذا الإنسان المتجسد هو موضوع الکمال وأن ینمو فی المحتمع أیضاً فینبغی أن تکون أرضیة المجتمع مؤهلة وممهدة لهذا الکمال، وهذا الامر بالذات یجعل من الضروری أن تلج المعنویات إلى السیاسة، بینما تفترض الحداثة فصل هذا الوجه المتجدد للسیاسة عن الشؤون المعنویة. وهکذا فإن التوجه نحو إدخال الشؤون المعنویة إلى السیاسة یتجذر فی نظرة الإمام العرفانیة إلى عالم الطبیعة (ظاهر العالم = الدنیا) وعالم المع (باطن العالم = الآخرة) فیصبح دخول الاخلاق بمعناها العام إلى إدارة المجتمع والشأن الحکومی فی عصرنا الراهن أهم تجدید قام به الامام الخمینی فی مجال المجتمع الانسانی، بحیث تکون ة الحکومة من وجهة نظر الامام بدون مقومات أخلاقیة أمراً محالاً.
إن جمیع المدارس البشریة والایدیولوجیات التی تدعو إلى خلاص الإنسان من البؤس والعذاب والأخذ بیده نحو السعادة والمجتمع المثالی تزعم بأنها تدعو إلى توجیه الإنسان نحو مجتمع تتوفر فیه سعادة الإنسان الشاملة، وبالرغم من هذا الهدف المشترک فاننا نواجه بعض الفوارق والاختلافات بین هذه المدارس ینجم عن رؤیتها "للإنسان" ودوره فی "الجماعة" وتکوین المجتمع، ومن نافلة القول أن المجتمع المکون من أناس خاضعین لجبر الزمن والتاریخ یختلف عن مجتمع یکون الإنسان فیه مختاراً ومفکراً ذا شعور وإحساس ووعی.
من وجهة نظر الامام الخمینی الدنیا والآخرة، الجسم والروح، السعادة الدنیویة والابدیة مترابطة لا یمکن تجزئتها وإن البشر هم عشاق الکمال والخیر المطلق بالفطرة.
فی إدارة المجتمع الاسلامی، أی المجتمع الذی یتجه إلى تنمیة الشرف والحریة والشعور والارادة لدى أفراده تنهض الاخلاق بدور أساسی، وأصحاب القرار إلى جانب إدارتهم للمجتمع یتکفلون هدایة هؤلاء الافراد، ومن البدهی أن أمر الهدایة فی مدرسة تعتبر الإنسان خلیفة الله وتحترم جمیع الکائنات والموجودات باعتبارها دلیلا وآیة تسبح بحمد الله لن یؤدی إلى الاستبداد واستیلاء الفرد أو المجموعة على الجماعة.
إن میزة فکر الامام بخصوص التمحور حول الاخلاق یمکن ملاحظتها إبان تولیه الحکم ولا سیما خلال فترة الحرب المفروضة، إذ لم یکن یضحی بالقیم الاخلاقیة لنیل الاهداف السیاسیة للحرب، على سبیل المثال لا الحصر إبان القصف الکیمیاوی لم یوافق أبداً على الرد بالمثل أو بقطع الاتصال والامدادات عن جیوش العدو وتدمیر قواته أو هدم الجسور خشیة تعرض المدنیین للاضرار، وهناک العشرات من هذه الامثلة تبرهن على أن الامام یهتم بمکارم الاخلاق وأصالتها، ولم یضحّ بها من أجل مصالح أخرى .
قدسیة الطبیعة
ربطُ عالم المادة بالمعنى أو الروح بالجسم من أکثر البحوث تعقیداً فی الفلسفة
ولا أرید خوضه، وأکتفی بذکر جملة للامام تعکس رأیه فی أقصر وأبلغ شکل ممکن، وهی أن "العالم مسجد الربوبیة"(7). أشیر للتوضیح بأن الامام یعرّف نظام الکون باعتباره ساحة یتجلّى فیها الباری تعالى، وأن أساس الکون مبنی على العشق، وهو الذی یسری ویجری فی کل الموجودات، ویتحقق الخلق بالحب وعودة الموجودات إلى الوحدة بالعشق والمحبة حیث یقول: "لولا ذلک الحب لما ظهر موجود من الموجودات ولما وصل أحد إلى کمال من الکمالات فان بالعشق قامت السموات والارض"(8) ویعتبر المحبة والشوق والعشق کبراق للمعراج والوصول(9) وهکذا فی الفکر الکونی للامام یعتبر العشق عنصر الخلقة والتکاثر للموجودات وعنصر عودة الموجودات ورجعتها للوحدة.
من وجهة نظره فان کافة الموجودات حاضرة فی ساحة الباری، والجمیع یرتبط بخالقه دون واسطة، وذرات العالم بتبع الوجود - وهو الخیر المطلق وذو الشعور والوعی - تتمتع بصفات الحیاة والعلم وبقیة الشؤون الحیاتیة ویعتبر قوله تعالى: (یُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ ( دلیلا لمدعاه ویعتقد بأن التسبیح وتقدیس الله وثناءه یستوجب العلم والمعرفة بمقامه المقدس وصفاته الجلالیة والجمالیة.
یعتبر الامام العالم واحداً ذا شعور، منظم، ناطق یتحرک صوب الکمال وحینما یسمی الامام العالم "مسجد الربوبیة" فانه یعنی أن الإنسان فی عالم ونظام الکون یسجد لله المتعال(10) والدنیا فی رأیه لا تستحق الذم ولیس لها بعد سلبی بل هی مزرعة الآخرة، وأن الحیاة الخالدة للانسان رهن بسلامة حیاته الدنیویة، وهذه النظرة لها تبعات جمیلة ومعبرة وتؤسس للتعایش الخلقی والبیئی.
إن ثمرة مثل هذه النظرة تظهر فی مجال التعرف بعالم الطبیعة وکذلک فی مجال صونها وحفظها، ففی الفکر المادی یتم التعامل مع عالم الطبیعة کأداة ویرى الطبیعة فی خدمته ولا یرى لها حرمة، بینما الذی یرى "العالم محضر الله" و"العالم مسجد الربوبیة" و"الإنسان" هو الکائن الوحید الذی بامکانه أن یعرف الله أکثر من بقیة المخلوقات سیحترم عالم الطبیعة احتراماً خاصاً.
من وجهة النظر هذه فان أصغر ذرات العالم هی داخل نظام ذی شعور وبصورة مترابطة ومنسجمة ، وتتحرک باتجاه مقصدها، ولکل منها معنى ومفهوم وتجد مکانها فی موقعها، وأن نظم الکون عضو حی باستطاعته تجدید حیاته .
فإذا اعتبرنا الإنسان مرکز العالم بدلیل أنه یستطیع کشف نظم العالم واحترامه ولأنه مرکز العشق الالهی فإنه ینظر بمحبة ومودة لبقیة المخلوقات، لأن بقیة الکائنات فی هذه النظرة هی آیات وعلائم للمحبوب الازلی. فی هذه المنظومة الفکریة نرى التکنولوجیا محدودة بحدود المسائل الاخلاقیة، وأن رعایة البیئة لا تعتبر جانباً کمالیاً بل هی ذات أهمیة وموضوعیة. فی هذه النظرة: العالم والطبیعة لیسا فی خدمة الاستغلال النفعی والأنانی بل من أجل الحیاة السلیمة للاجیال المقبلة.
اللافت للنظر أن الحضور فی الطبیعة والتعامل معها کالحضور فی المسجد والاماکن المقدسة یقتضی آداباً خاصة، فبدون الطهارة وبدون الاذن الالهی لا یمکن التصرف بها. ما یمکن فهمه فی فکر الامام فی هذاالمجال هو أننا مکلفون باحترام الطبیعة وعدم تلویثها. وهکذا فان الاخلال بنظام الطبیعة باعتبار أنه لصالح الإنسان غیر مرغوب فیه (الا فی حکم الضرورة) لان نظم الطبیعة یعکس الحکمة المعنویة وأن ترتیبها لم یتم بالصدفة، وهکذا فان الاخلال بها یجب أن یکون مبرراً معنویاً وشرعیاً(11) وهکذا فان التکنولوجیا التی تتصرف بالطبیعة وتتعامل معها کأداة یجب أن یکبح جماحها، ولکن للأسف نجد أن المدافعین عن الطبیعة هم أیضاً ینظرون الیها على أنها أداة لا غیر.
أکتفی هنا بهذا المقدار وأذکر بأن هذه النظرات العامة یمکن أن تتمخض عنها نظریات جدیدة فی المجالات المدنیة والاجتماعیة، ونحن فی إیران نختبر الآن بعض الاشکال الممکنة لهذه النظریات العامة، لکی تتبدل إلى أنظمة اقتصادیة واجتماعیة وتحتاج إلى تجارب أطول، ونرجو أن تسمح لنا الظروف الدولیة الضاغطة بممارستها.
مما تقدّم نفهم أن فکر الامام الخمینی یتعارض بشدّة مع فکرة الارهاب، لانّ الفکر الذی ینظر للطبیعة بهذه النظرة السمحاء لا یمکن أن یتعامل مع الإنسان کأداة، وأن السیاسة والنظرة الارهابیة للانسان والطبیعة تضحّی بالغایة من أجل الوسیلة وتبررها.
یبدو أننا لا نبالغ لو قلنا بأن السیاسة المعنویة التی رسمها الامام هی أبعد ما تکون عن الارهاب والتشدد والاخلال بالسلام والامن وتلویث الطبیعة.
ولکن الاعلام العالمی سعى - مع الاسف - لاضفاء صفة الارهاب على شخصیة الامام وفکره.
أنا کعضو صغیر من المجتمع الاکادیمی أقول لکم أیها العلماء الأفاضل إن أقل
ما یمکن أن نفعله هو أن نسلط الاضواء على هذه الحقائق ونستثمرها لصالح السلم العالمی للوقوف أمام موجة الاعلام الخادع الذی یرسم مثل هذه الصور المغلوطة.
برأیی أن فکر الامام هوفکر الغد ویجب أن لانقارنه بمیزان الخطأ والصواب الموجود فی بعض الممارسات العملیة. إن أهمیة هذا الابداع الذی استعرضته فی فکر الامام لا ینحصر فی مداه الاقلیمی والوطنی، بل یتبلور فی دمج المعنویات والاخلاق بالسیاسة، واعتبار العالم محضر الله، والتمتع بنظرة الإنسان العاشقة للعالم والتی تفتح آفاق العالم الرحبة لمدى أبعد للانسان المتوتر فی القرن الحادی والعشرین.
هذه الرؤى البدیعة للإمام - والتی یجری متابعة بعضها فی إیران - یمکن أن تکون هدیة السلام واحترام الإنسان وکرامته ورعایة البیئة للعالم المتأزم الیوم.
الهوامش:
* - أستاذة جامعیة ایرانیة.
1 - ابن سینا فی اشارات النمط التاسع وداوود قیصری، رسائل قیصری.
2 - آداب الصلوة.
3 - توجد العدید من الکتب فی هذا المجال منها کتاب عزالدین النسفی تحت عنوان "الإنسان الکامل" وکتاب آخر بالعنوان نفسه لعبد الکریم الجیلانی.
4 - ویتحدث ابن عربی باسهاب حول الارض الواسعة فی الفتوحات المکیة تحت عنوان"ارض الحقیقة" کما أن لدیه رسالة مستقلة حول هذا الموضوع بالذات لم نعثر علیها بعد.
5 - العنکبوت/ 56.
6 - التوبة/ 18.
7 - الامام الخمینی - آداب الصلوة.
8 - الامام الخمینی - مصباح الهدایة.
9 - سر الصلوة - ص 11.
10- إذا أمرت الملائکة فی عالم الذر بالسجود فی عالم الشهادة یسجد لله لیصل إلى غایة الخلقة وهی العبادة ومعرفة الحق (ما خلقت الجن والانس الا لیعبدون) أی لیعرفون. - الامام الخمینی - اداب الصلوة.
11 - الامام الخمینی (قدس) آداب الصلاة.