دخلت ثورة الحسین بن علی ــ علیه السلام ــ فی ضمیر الأمة بکل ما تحمله من صور التضحیة والفداء والاستشهاد على طریق الرسالة، وبکل ما تنطوی علیه من صور الصمود والتسامی والترفّع عن قبول الذل والتسلیم والانحراف. وبجمیع متبنیاتها الرسالیة والاجتماعیة.
ومن هنا نشهد انکسار طوق الإرهاب والتخدیر والتزییف بعد ثورة الحسین، فانبعثت الروح النضالیة فی الأمة وتوالت الثورات فی العصر الأموی، مثل:
ثورة التوابین
وثورة المدینة
ورة المختار الثقفی
وثورة مطرف بن المغیرة
وثورة ابن الأشعث
وثورة زید بن علی بن الحسین
ولم تکن هذه الثورات قبلیة ــ کما أراد بعض المزورین أن یصفها بأنها صراع بین بنی هاشم وبنی أمیة ــ بل کانت رسالیة تحمل هموم الأمة والرسالة.. وتنطلق من مفهوم ضرورة النهوض بمسؤولیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر حتى ولو أدى ذلک إلى الاستشهاد، کما إنها من جانب آخر تنطلق من تقییم رائع لمفهوم الشهادة، والاندفاع نحو الاستشهاد.. ولا أدل على ذلک من استمرار آل بیت رسول الله ــ ص ــ واتباع مدرستهم فی الوقوف بوجه الانحراف فی العصر العباسی، والعباسیون هاشمیون أیضاً، مما یدل على مبدئیة هذه الثورات.
خذ مثالاً على ذلک من ثورة أبی السرایا ــ فی العصر العباسی ــ مع محمد بن طباطبا العلوی الحسنی.
(کان محمد بن إبراهیم هذا یمشی فی بعض طرق الکوفة، إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب. فتلتقط ما یسقط منها فتجمعه فی کساء علیها رث، فسألها عما تصنع بذلک، فقالت: إننی امرأة لا رجل لی یقوم بمؤونتی، ولی بنات لا یعدون على أنفسهم بشیء، فأنا أتتبع هذا من الطریق وأتقوت أنا وولدی.
فبکى بکاءً شدیداً، وقال: أنت وأشباهک تخرجونی إذن حتى یسفک دمی، ونفذت بصیرته فی الخروج)[1].
هذه المواقف تشکل فی الحقیقة الصحفات البیضاء من تاریخ المسلمین، لأنها تجسد الروح التی أراد الإسلام أن یغرسها فی نفوس أتباعه.. روح الاستعلاء عن الانشداد البهیمی إلى الشهوة والمتاع.. وروح مقاومة الظالمین والمستکبرین.. وروح الاندفاع نحو الفوز بدرجة الشهادة.. هذه المواقف تعبر عن استجابة إنسانیة حرکیة حیة لنداء رب العالمین:
{یا أیها الذین آمنوا ما لکم إذا قیل لکم انفروا فی سبیل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضیتم بالحیاة الدنیا من الآخرة فما متاع الحیاة الدنیا فی الآخرة إلا قلیل} (التوبة ــ 39).
{وما لکم لا تقاتلون فی سبیل الله والمستضعفین من الرجال والنساء والولدان الذین یقولون ربنا أخرجنا من هذه القریة الظالم أهلها واجعل لنا من لدنک ولیاً واجعل لنا من لدنک نصیراً * الذین آمنوا یقاتلون فی سبیل الله والذین کفروا یقاتلون فی سبیل الطاغوت فقاتلوا أولیاء الشیطان إن کید الشیطان کان ضعیفاً} (النساء ــ 75 ــ 76).
ثورة الحسین (ع) وروح الشهادة فی إیران
الإسلام رکز فی نفوس أبنائه روح الشهادة.. روح استرخاص الحیاة الدنیا فی سبیل المبدأ والعقدیة.. روح الثورة على الظلم والانحراف فی سبیل الله.. وما أن کادت هذه الروح تخمد حتى انبرى لها سید الشهداء الحسین بن علی سبط رسول الله.. فأحیاها.. وقدم النموذج الرائع للإنسان المضحی بنفسه وولده وأصحابه وأهل بیته فی سبیل إدانة الظلم وفضح الظالمین.
وبقیت شخصیة الحسین رمزاً للتضحیة والجهاد، وظلت ثورته تتحدى الظلم والإرهاب والانحراف فی العصور التاریخیة المتعاقبة.
ودأب أتباع مدرسة آل البیت على إحیاء ذکرى الحسین فی أیام محرم وصفر، کما دأبوا على تشیید "الحسینیات" لتکون إلى جانب المساجد محلاً لذکر واقعة کربلاء، وذکر مواقف الحسین وأصحابه، ومواقف الطغمة المنحرفة التی قتلت سبط رسول الله وأهل بیته وأصحابه.
مجالس العزاء الحسینی ــ مع کل ما اعتراها أحیاناً من ضعف ووهن فی الشکل والمضمون ــ ظلت محافظة على تذکیر الأمة بواقعة کربلاء، وظلت تمد الأمة بالعزم على الالتزام بالخط الذی ضحى من اجله الحسین.
وهذه المجالس کان لها الأثر الکبیر فی تاریخ إیران، وخاصة فی تاریخها المعاصر، حیث أراد المستعمرون أن یبعدوا الأمة فی هذا البلد، مثل سائر أنحاء عالمنا الإسلامی، عن إسلامها بشتى الطرق والمحاولات.
لقد أدرک المستعمرون أهمیة هذه المجالس حین أمروا رضا شاه المقبور أن یمنع مجالس العزاء الحسینی، ضمن مخطط شامل استهدف القضاء على الإسلام فی إیران.
استطاع رضا شاه أن ینفذ خطة أسیاده، ونجح فیها إلى حد بعید، خاصة فی حقل السفور الإجباری وفی حقل ومحاربة علماء الدین.. لکنه فشل فشلاً ذریعاً فی محاربة مجالس العزاء الحسینی.. إذ إن هذه المجالس تشکل جزءاً من الوجود العاطفی والفکری لهذه الأمة.
لم یکن أحد یقدر آنذاک طبعاً على إقامة هذه المجالس بشکل علنی خشیة بطش هذا العمیل الطاغیة المتجبر. فتحولت إلى مجالس سریة تقام فی الخفاء وبحیطة وبحذر شدیدین، بعیداً عن أنظار السلطة وجلاوزتها... وهکذا تحولت هذه المجالس إلى عنصر تحدٍّ للطاغوت، وانفعل الناس بها أکثر من ذی قبل، وأضفى جو الکتمان والسریة طابعاً جدیداً على نداء الحسین حیث قال: "هل من ناصر ینصرنی"؟!
وبعد أن أحس "الأسیاد" بفشل الخطة تراجعوا عنها وأبدلوا العمیل، وعادت مجالس العزاء الحسینی على نطاق أوسع وأروع.
وعلى الرغم من کل محاولات السلطة الاستعماریة بعد رضا شاه، لتفریع مجالس العزاء الحسینی من محتواها الحقیقی، فقد ظلت تؤدی رسالتها، ویمکننا أن نفهم دور شهادة الحسین ودور شهر محرم (شهر شهادة الحسین) فی تفجیر الثورة الإسلامیة لو ألقینا نظرة على أحداث الثورة وشعاراتها منذ انطلاقتها الأولى فی إیران (5 حزیران 1963) حتى یومنا هذا.
انتفاضة الخامس من حزیران ــ التی قامت على أثر سن قانون الامتیازات الأجنبیة (الکابیتالسیون) ــ صادفت یوم الثانی عشر من شهر محرم، وهو یوم استمد فیه أبناء الأمة بإیران عزمهم من شهادة الحسین فلبوا نداء ولد الحسین (الخمینی) وقدموا خمسة عشر ألف شهید، فی ثورتهم ضد الطاغوت تحت لواء إمام الأمة.
وشهرا محرم وصفر من کل عام کانا الشهرین اللذین یقلقان الطاغوت ویهزان عرشه.. وهذان الشهران من سنة 1399 هجریة شکلا نقطة عطف فی تاریخ انتصار الثورة الإسلامیة؛ إذ تحولت مجالس العزاء والحسینیات والمساجد إلى مراکز إشعاع ثوری، کما إن المسیرات الملیونیة التی خرجت فی التاسع من محرم وفی العاشر من محرم ذلک العام إضافة إلى مسیرة العشرین من صفر (یوم أربعین الحسین) قد أوضحت أن الطاغوت ذاهب لا محال.
ولا بد أن أسجل هنا حادثة أقدم علیها عدد من أفراد (قوات الخالدین) فی عاشوراء ذلک العام، حین أطلقوا النار فی معسکرهم على عدد من ضباط هذه القوات التی کانت موالیة للشاه إلى أبعد الحدود، مما أدى إلى إضعاف معنویات جلاوزة الطاغوت بشدة، وکان إقدام هؤلاء الأفراد مستلهم من روح یوم عاشوراء یوم التضحیة ویوم الشهادة والشهید.
ولو ألقینا نظرة على الشعارات المرفوعة إبان الثورة الإسلامیة لتلمسنا أیضاً بوضوح آثار شهادة الحسین فی إیقاظ الأمة ودفعها نحو ساحات التضحیة والفداء وتحدّی الطاغوت.
ومن هذه الشعارات:
"کل یوم عاشوراء ... وکل أرض کربلاء".
"ثورتنا حسینیة ... وقائدنا الخمینی".
"لازال نداء الحسین یعلو: هل من ناصر ینصرنی".
"أیها الخمینی العزیز ... قل کلمتک لنقدم دماءنا".
"أضحت إیران کربلاء، وأضحى یومنا عاشوراء".
"دم الحسین ینادی.. ثوروا على الظالمین".
ولا زالت منابر الذکر الحسینی تشکل فی الجمهوریة الإسلامیة مدارس توعیة وإیقاظ واستنهاض للهمم وتربیة للأفکار والعواطف.
کما إن شهادة الحسین لازالت تمدّ المجاهدین بالعزیمة وروح التضحیة، وقد تجلى ذلک فی مواقف المجاهدین المسلمین فی جبهات القتال ضد الاستکبار والتفرعن على الحدود الغربیة والجنوبیة للجمهوریة الإسلامیة.
ووصایا الشهداء التی یراها القارئ فی هذا الکتاب تعکس تأثرهم بشهادة الحسین، وثقتهم بأن الطریق الذی یسیرون علیه هو نفس طریق الحسین وأصحاب الحسین.
روح الشهادة فی أبناء الجمهوریة الإسلامیة
قبل کل شیء لابد من کلمة للمسلمین عامة، ولکتاب التاریخ الإسلامی المعاصر بشکل خاص. التاریخ الإسلامی لیس بتاریخ الحکام والأمراء وأخبار حروبهم وقصورهم ولهوهم ومرحهم .. وإنما هو تاریخ الشعوب المسلمة التی تفاعلت مع الإسلام، وسجلت المواقف المشرفة السامیة على الصعید الإنسانی، وصنعت المجتمع الإسلامی والحضارة الإسلامیة.
الإسلام وضع أمام الإنسان المسلم هدفاً تکاملیاً ارتقائیاً هو "تحقیق رضا الله تعالى"، ورسم الطریق نحو تحقیق هذا الهدف من خلال الممارسة الاجتماعیة الرامیة إلى إیجاد المجتمع الإسلامی الموحّد المتکافل المتضامن، والدفاع عن الفئة المستضعفة، والوقوف بوجه الطغاة والظالمین والمستکبرین.
واستطاع هذا الدین أن یحل المشکلة المستعصیة المتمثلة بالتعارض بین المصالح الفردیة والمصالح الاجتماعیة، عن طریق تربیة الإنسان المسلم وفق معاییر ومقاییس تضمن مصالح الفرد والمجتمع على حدّ سواء، ووفق أسس تتحطّم معها کل الأغلال والمصالح الذاتیة الضیّقة للفرد.
أسمى المواقف التی سجلها الإنسان المسلم، والمجتمع المسلم على مرّ التاریخ تتمثّل فی الإیثار، والتضحیة، ونکران الذات، والخروج من قوقعة المصالح الشخصیة من أجل مصلحة المجموع.
هذه المواقف السامیة المشرّفة نقرؤها الیوم على صفحات التاریخ بفخرٍ واعتزاز، لأنها تمثل التجسید العملی لقدرة الإسلام العظیمة على صنع الإنسان الأکمل والمجتمع الأفضل. هذه المواقف هی ملک للإسلام ولکل المسلمین، ولیست ملکاً لفرد أو لفئة، إنها نتاج رسالی، وحق لجمیع أصحاب الرسالة فی جمیع الأجیال أن یعتزوا بها.
غیر أن المؤسف فی کتب التاریخ الإسلامی أن هذه الکتب قلّما اهتمت فی نقل مواقف الشعوب الإسلامیة وآمالها وآلامها ومعاناتها، لأنها دأبت غالباً على ذکر أخبار الحکام ووصف قصورهم ومجالس لهوهم ومرحهم.
هذا کله یفرض على المسلمین عامة وعلى کتّاب التاریخ الإسلامی المعاصر خاصة مسؤولیة کبرى.. مسؤولیة فهم الأخلاقیة الجدیدة التی أفرزتها الولادة الإسلامیة الجدیدة فی مجتمع إیران الیوم، وتدوین الصور الرائعة التی خلقها الإسلام فی هذا المجتمع .. لأنها ــ کما قلنا ــ لیست ملکاً لإیران ولا ملکاً لهذا الجیل فحسب، بل هی صور أخرى تجسّد قدرة المبدأ الإسلامی، وتشکّل وثائق یفتخر بها کل اتباع الرسالة الإامیة فی هذا الجیل وفی جمیع الأجیال القادمة.
روح الاندفاع نحو الشهادة فی الفئة المسلمة تمثّل ــ دون شک ــ قمة قدرة الرسالة علىق الإنسان المتفانی فی سبیل مصالح المجتمع الإسلامی.
وهذه الروح سادت فی إیران حینما عزمت الأمة على العودة إلى رسالتها وأصالتها الإنسانیة الإسلامیة، سادت بشکل غریب لا یمکن وصفه إلا أنه معجزة أخرى من معاجز الإسلام الکبرى.
لقد شاهد العالم على شاشات التلفزیون إبان اندلاع الثورة الإسلامیة فی إیران خروج الملایین إلى الشوارع مطالبة بإقامة حکم الله فی الأرض متحدیة جلاوزة الطاغوت المدججین بالسلاح، متحدیة رصاص الغدر الذی کان یمطر علیها من الأرض والجو.
لقد کانت السلطة تظن أن إطلاق الرصاص بعنف على تظاهرة من التظاهرات یؤدی إلى سیادة الخوف والذعر فی الجو، وإلى إرهاب الآخرین، ولکن الذی کان یحدث هو العکس.. فدماء الشهداء الذین کانوا یسقطون فی التظاهرات دخلت فی شرایین الأمة وأحدثت هزة عامة لم یعد معها الطاغوت قادراً على شیء سوى الفرار والهزیمة والاستسلام.
شاهد العالم خروج الملایین ــ رجالاً ونساءً ــ وهی تلبس الأکفان، بعد أن اغتسلت غسل الشهادة، وکتبت وصایاها متجهة نحو لقاء ربّها، معلنة رفضها لحکم الطاغوت ومعلنة ولاءها للقیادة الإسلامیة المتمثلة بإمام الأمة الخمینی.
قدمت الأمة فی إیران خلال عام واحد من اندلاع الثورة ستین ألف شهید.. و دماء هؤلاء الشهداء أثمرت عن ولادة الجمهوریة الإسلامیة، ولازالت مواکب الشهداء یتبع بعضها بعضاً دفاعاً عن الولادة الإسلامیة الجدیدة أمام الهجوم الغادر الشرس الذی تتعرض له من قِبَل الاستکبار الشرقی والغربی.
اعترف کبار الضباط العملاء للنظام البعثی العراقی، وهکذا المراقبون لأحداث الهجوم العدوانی الغادر على الحدود الغربیة والجنوبیة للجمهوریة الإسلامیة أن العقبة الکبرى التی یواجهها عملاء البعث العراقی فی هجومهم العدوانی، هی روح الاندفاع نحو طلب الشهادة فی أفراد الحرس الثوری ومجموعات المقاومة المدنیة، وهؤلاء یتوغلون دون أی خوف وذعر فی قلب المعتدین ویکّبدونهم خسائر فادحة.
اعترف المعتدون أنفسهم أنهم لا یواجهون جیشاً منظماً قدر ما یواجهون أفراداً ومجامیع لا تعرف فنون الحرب العسکریة، بل تندفع بنداء (الله أکبر) داخل صفوف جیش المعتدین، فتلقی الرعب فی قلوبهم وتشتتهم، وتضطرهم إلى الهزیمة أو الاستسلام.
الصور التی تجسد تصاعد روح الشهادة فی جمهوریة إیران الإسلامیة لا تعد ولا تحصى؛ ترى فیها مشهد الأمهات والآباء الذین یقفون على جثث أبنائهم المقطعة المغمورة بالدماء بوقار وسکینة عجیبین رافعین أصواتهم قائلین: اللهم تقبل منّا هذا القربان!
وترى فیها مشهد المقاتلین الذین یحترقون وسط نیران قنابل النابالم البعثیة العراقیة، وهم یتلون: {یا أیتها النفس المطمئنة ارجعی إلى ربک راضیة مرضیة فادخلی فی عبادی وادخلی جنتی}.
وترى فیها مشهد الأب الذی یقبّل نحر ابنه بعد أن قطع الظالمون المعتدون رأسه، وهو یقول: اللهم إنی راض برضاک، وحمداً لک أن ابنی استشهد بنفس الطریقة التی استشهد فیها حبیبک الحسین بن علی.
وترى فیها الشباب المتدفقین على الإمام الخمینی طالبین أن یدعو لهم کی یفوزوا بالشهادة.. وترى فیها العجب العجاب، ما لا یصدّقه العقل المشدود بالأرض والمتاع.
الإمام القائد یتحدث عن الشهداء والشهادة[2]
أین تجدون شعباً یقف صفاً واحداً لإسناد انتصارات الجیش وحرس الثورة وسائر القوات المسلحة؟!
وأین رأیتم مثل هؤلاء العشاق للشهادة؟!
أبشروا فإنکم منتصرون فی حیاتکم وفی استشهادکم.
شهدت قبل أیام مجلس عقد زواج فی طهران، وبعد انتهاء المجلس، سلمتنی العروس ورقة.. قرأتها، فوجدت أن العروس تطلب منی أن أدعو لها بالفوز بالشهادة.
عروس دخلت لتوّها بیت الزوجّیة تنشد الشهادة!
أهؤلاء یخافون التدخل العسکری؟! أهؤلاء یهابون المحاصرة الاقتصادیة؟!
إنکم فی نهوضکم من أجل الإسلام، وبذلکم للمال والنفس ترتفعون إلى مستوى شهداء کربلاء، لأنکم أتباع مدرستهم.
أین تعهدون فی التاریخ شباباً کشبابنا یتعشقون ساحات الحرب، ویندفعون بولع شدید نحو الدفاع عن أمتهم، اللهم إلا ما شهدته الفترة القصیرة من صدر الإسلام على مستوى محدود؟!
أحد الفروق بین المدرسة الإسلامیة باعتبارها مدرسة توحیدیة والمدارس الملحدة المنحرفة هو أن أبناء مدرسة التوحید یرون الشهادة فوزاً عظیماً لهم، ویستبشرون بالشهادة لأنهم یؤمنون بعالم وراء عالم الطبیعة، عالم أسمى وأنور.
والمؤمن یرى الشهادة انعتاقاً من القیود التی تکبله فی هذا العالم.
هذا التغییر المشهود (فی الجمهوریة الإسلامیة) لا نظیر له على الإطلاق.
خلال فترة قصیرة، تحولت أمة تغط فی الفساد إلى أمة متطوعة للجهاد فی ساحات الوغى.. متطوعة بفرح وسرور نحو میدان الشهادة.
رأیت الکثیرین یجهشون بالبکاء لعدم السماح لهم بالذهاب إلى جبهات القتال!
شعبنا اختار طریق الشهادة، وأبناؤه یتوقون للفوز بالشهادة.
منذ أوائل انفجار الثورة، حینما کنت فی النجف، حتى الآن یأتینی الرجال والنساء والشباب لیطلبوا منی أن أدعو لهم کی یحظوا بالشهادة. وأنا أدعو لهم أن یرزقهم الله ثواب الشهید.
إنها لمعجزة أن تؤدی شهادة واحد من الأعزاء إلى طوفان عالمی.
إنها لقدرة الله التی منحت الجمیع اندفاعاً نحو التضحیة.. فرأوا الشهادة فوزا لهم.. وتسابقوا نحو الانتهال من کأس الشهادة.
إذا کان الشعور بالانتصار قد بعث فی نفوسنا ارتخاءً، فان هذه الشهادة قد بدلت هذا الارتخاء صلابة.
شعبنا الآن قد تطّبع على الشهادة والتضحیة. الخوف نصیب أولئک الذین لا یؤمنون بمدرسة الشهادة.
هل یستطیع الخوف أن یشق طریقه نحو قلوب شعب لا یرهب کل المؤامرات؟! شعب یتطوع عروسه وعریسه للذهاب إلى میادین الاستشهاد ... شعب نذر نفسه لله عازماً على مواجهة کل الخطوب؟
الأمة التی ترى شهادتها سعادة منتصرة لا محالة.
إن أمة تطلب الشهادة، وتسأل الله فی أدعیتها أن یرزقها الشهادة، لا ترهب التدخل العسکری.
لا یرهبنا أن تسفک دماء شبابنا الزکیة على طریق الإسلام.. لا یرهبنا أن ینال أحبتنا الشهادة.. فتلک الطریقة السامیة التی انتهجها أتباع أمیر المؤمنین (أتباع مدرسة آل بیت رسول الله) منذ انبثاق فجر الإسلام.
شبابنا تواقون للشهادة، علماؤنا سبّاقون لها، أولئک الذین لا یؤمنون بالله ولا بالیوم الآخر هم الذین یهابون الموت.. أما نحن وجمیع أبناء مدرسة التوحید فلا نهاب الشهادة.
لا تهابوا الشهادة.. وأعلم أنکم لا تهابونها. الشهادة هی العزة الأبدیة .. هی الحیاة الخالدة، لا یخاف من الشهادة ولا یهاب الموت إلا أولئک الذین یرون الموت فناءً وانعداماً للإنسان.
اعلموا أن هذا النصر ما تحقق إلا بالإسلام والشهادة، والإسلام تقدّم منذ فجره الأول بالشهادة.. والیوم ترون شبابنا یتوقون للشهادة.
والیوم بالذات، حین کنت واقفاً فی هذا المکان، رفع شاب شهم صوته مطالباً أن أدعو له بالشهادة.. إن حس الشهادة هو الذی سجّل لنا النصر.
الهوامش:
ــــــــــــــــــ
[1] ثورة الحسین، نقلاً عن مقاتل الطالبیین، 521.
[2] أمام الأمة یرکز فی أحادیثه على التحول الفکری والنفسی فی أبناء جمهوریة إیران الإسلامیة ، وخاصة على روح طلب الشهادة، وهذه مقتطفات من أحادیثه.