بنــــاؤه المسجد الأقصى ثانی مسجد وُضِعَ فی الأرض بعد المسجد الحرام، فقد روى مسلم عن أبی ذر رضی الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله علیه وسلم عن أول مسجد وُضِعَ على الأرض قال: المسجد الحرام. قلت ثم أی؟ قال: المسجد الأقصى، قلت کم بینهما؟ قال: أربعون عاماً، ثم الأرض لک مسجد، فحیثما أدرکتک الصلاة فَصَلِّ" .
ولیس هناک نص ثابت فی أول من بنى المسجد الأقصى، ولکن لاخلاف أنه کان فی الزمن الذی بُنی فیه المسجد الحرام، وأن المسجد الأقصى بنته الأنبیاء، وتعاهدته.
أسمـــاؤه
للمسجد الأقصى أسماء متعددة، تدل کثرتها على شرف وعلو مکانة المسمى وقد جمع للمسجد الأقصى وبیت المقدس أسماء تقرب من العشرین أشهرها کما جاء فی الکتاب والسنة المسجد الأقصى، وبیت المقدس، وإیلیاء.
وقیل فی تسمیـته الأقصى لأنه أبعد المساجد التی تُزار، ویُبتغى بها الأجر من المسجد الحرام، وقیل لأنه لیس وراءه موضع عبادة، وقیل لِبعده عن الأقذار والخبائث.
حــدوده
یعتقد الکثیرون أن المسجد الأقصى هو فقط الجامع المبنی جنوبی قبة الصخرة، وهو الذی تقام فیه الصلوات الخمس الآن، وحقیقة الحال أن المسجد الأقصى اسم لجمیع المسجد وهو ما دار علیه السور وفیه الأبواب والساحات الواسعة، والجامع وقبة الصخرة والمصلى المروانی والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغیرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن، والمسجد کله غیر مسقف سوى بناء قبة الصخرة والمصلى الجامع الذی یُعرف عند العامة بالمسجد الأقصى وما تبقى فهو فی منزلة ساحة المسجد. وهذا ما اتفق علیه العلماء والمؤرخون، وعلیه تکون مضاعفة ثواب الصلاة فی أی جزء مما دار علیه السور، وتبلغ مساحته : 140900 مترا مربعا.
المُصَلَّى الجامع
ویطلق علیه الناس المسجد الأقصى، وهو ذلک الجامع المبنی فی صدر المسجد الذی بُنی به المنبر والمحراب الکبیر، والذی تُقام فیه الصلوات الخمس والجمعة، وتمتد الصفوف إلى خارج الجامع فی ساحات المسجد الأقصى المبارک، وهو داخل أسوار المسجد الأقصى وکان قدیماً إذا أطلق اسم المسجد الأقصى فإنه یراد به کل ما دار علیه السور واحتواه، وأما حدیثاً فالشائع بین العامة إطلاق الاسم على المسجد الکبیر الکائن جنوبی ساحة المسجد الأقصى.
شرع فی بنائه الخلیفة عبد الملک بن مروان الأموی وأتمه ابنه الولید بن عبد الملک سنة 705 م، یبلغ طوله من الداخل 80 م، وعرضه 55 م، ویقوم الآن على 53 عموداً من الرخام، و49 ساریة مربعة من الحجارة، وفی صدر الجامع القبة، وللجامع أحد عشر باباً: سبعة منها فی الشمال فی واجهته وأوسطها أعلاها، وباب واحد فی الشرق، واثنان فی الغرب وواحد فی الجنوب.
وعندما احتل الصلیبیون القدس غیروا معالم المسجد، فاتخذوا جانباً منه کنیسة، وجانباً آخر مسکناً لفرسانهم ومستودعاً لذخائرهم. ولما حرر صلاح الدین الأیوبی القدس أمر بإصلاح الجامع وإعادته إلى ما کان علیه قبل الاحتلال الصلیبی، وأتى بالمنبر الرائع الذی أمر نور الدین محمود بن زنکی بصنعه للمسجد الأقصى من حلب، ووضعه فی الجامع لیقف علیه الخطیب فی یوم الجعة.
وبقی هذا المنبر إلى أن أحرقه الیهود فی 11/8/1969 م عندما حرقوا الجامع، ویسعى الیهود الیوم لتخریب الجامع بعد حرقه بالحفریات حوله وتحته بزعم البحث عن آثار الهیکل.
قُبَّـةُ الصخرة
هی أقدم أثر معماری إسلامی باق حتى الآن، أنشأها الخلیفة الأموی الولید بن عبد الملک بن مروان، وتعتبر من درر الفنون الإسلامیة وبنیت داخل أسوار المسجد الأقصى لتکون قبة للمسجد فوق الصخرة والتی قیل فیها الکثیر مما لا یثبت سنداً وشرعاً، والصخرة عبارة عن شکل غیر منتظم من الحجر نصف دائرة تقریباً أبعادها (5 م × 7 م × 3 م الارتفاع) والصخرة تشکل أعلى بقعة فی المسجد الأقصى، وأسفل الصخرة یوجد کهف مربع تقریباً طول ضلعه 4.5 متر بعمق 1.5 متر ویوجد فی سقف هذا الکهف ثقب قطره متر واحد تقریباً وهی لیست مُعَلقة، ولم تکن معلقة فی یوم من الأیام کما یُشاع عنها، ولکنها متصلة بالأرض من أحد الجوانب، وکل مایُروى فی قصتها فهو من الخرافات التی لم تثبت، والصخرة جزء من أرض المسجد الأقصى کغیرها من الأجزاء، وتقع القبة التی فوق الصخرة فی مرکز شکل ثمانی یبلغ طول ضلعه 20.59 متر وارتفاعه 9.5 متر ویوجد فی الجزء العلوی من کل جدار 5 شبابیک، کما هناک أربعة أبواب فی أربعة جدران خارجیة، والقبة صُنعت من الخشب، وهی مزدوجة أی أنها عبارة عن قبتین داخلیة وخارجیة، کل منهما مکونة من 32 ضلعاً وتغطی القبة من الخارج ألواح من الرصاص، ثم ألواح من النحاس اللامع.
أبواب المسجد الأقصى
باب القطانین
وهی أبواب السور الذی یحیط بالمسجد الأقصى، وتقع هذه الأبواب على الجانبین الشمالی والغربی، وعددها 14 باباً: أربع أبواب منها مغلقة، وتستولی سلطات الاحتلال على مفاتیح باب حارة المغاربة منذ العام 1967م، وتتحکم فی فتحه وإغلاقه، وهذا الباب هو أقرب الأبواب إلى المصلى الجامع الذی یهدف الیهود إلى إزالته وبناء معبد یهودی مکانه، والأبواب المفتوحة هی باب الأسباط، وباب حطة، وباب العتم، وباب الغوانمة، وباب المطهرة، وباب القطانین، وباب السلسلة، وباب المغاربة، وباب الحدید، وباب الناظر، وهی أبواب قدیمة جددت عمارتها فی العصور الإسلامیة، وباب الناظر باب قدیم جددت عمارته فی سنة 600 هـ / 1203 م فی عهد الملک المعظم عیسى فی العصر الأیوبی، وهو باب ضخم محکم البنیان، ویغطی فتحته مِصراعان من الأبواب الخشبیة المصفحة بالنحاس، وجمیع ما فی داخل هذا الباب من أقبیة ومبان وقفه الأمیر علاء الدین آیدغدی على الفقراء القادمین لزیارة القدس، وکان ذلک فی زمن الملک الظاهر بیبرس سنة 666 هـ / 1267م.
المــآذن
مئذنة الأسباط
للمسجد الأقصى - وهو ما دار علیه السور - أربعة مآذن یعود تاریخ إنشائها للعهد المملوکی، تقع ثلاثة منها على صف واحد غربی المسجد، وواحدة فی الجهة الشمالیة على مقربة من باب الأسباط وهی کالتالی:
1. المئذنة الفخریة: وتسمى کذلک مئذنة باب المغاربة فی الرکن الجنوبی الغربی للمسجد الأقصى، وهی على مجمع المدرسة الفخریة بجانب المتحف الإسلامی، أنشأها القاضی شرف الدین عبد الرحمن بن الصاحب الوزیر فخر الدین الخلیلی، حیث أشرف على بنائها خلال فترة عمله کناظر للأوقاف الإسلامیة فی سنة 677 هـ / 1278 م.
2. مئذنة باب الغوانمة: بناها کذلک القاضی شرف الدین عبد الرحمن بن الصاحب سنة 677 هـ / 1278 م، ثم عمر بناءَها الأمیر سیف الدین تنکز الناصری نائب الشام فی سنة 730 هـ / 1329 م وهی فی الزاویة الشمالیة الغربیة، وهی أعظم المآذن بناءً، وأتقنها عمارة.
3. مئذنة باب السلسلة: وهی فی الجهة الغربیة من المسجد الأقصى على بعد أمتار من باب السلسلة، وتسمى کذلک منارة المحکمة لاتخاذها محکمة فی العهد العثمانی، أنشأها الأمیر سیف الدین تنکز بن عبد الله الناصری 730 هـ 1329 م فی عهد الناصر محمد بن قلاوون.
4. مئذنة باب الأسباط: وتقع فی الجهة الشمالیة للمسجد الأقصى وهی من أجمل المآذن وأحسنها هیبة أنشأها الأمیر سیف الدین قطلو بغا فی سنة 769 هـ فی عهد الملک الأشرف شعبان الثانی بن السلطان حسن، وتعرف کذلک بالمئذنة الصلاحیة لقربها من المدرسة الصلاحیة وأعید بناؤها بشکلها الحالی عام 1346 هـ بعد أن تهدمت أثر زلزال فی القدس.
المصلى المروانی
یقع المصلى المروانی فی الجهة الجنوبیة الشرقیة من المسجد الأقصى المبارک، وکان یطلق علیه قدیماً التسویة الشرقیة من المسجد الأقصى، ویتکون من 16 رواقاً، تبلغ مساحتها 3775 متراً مربعاً أی ما یقارب 4 دونمات، للتسویة مداخل عدیدة منها مدخلان من الجهة الجنوبیة، وخمسة مداخل من الجهة الشمالیة.
خُصِّصَ زمن عبد الملک بن مروان کمدرسة فقهیة متکاملة، ومن هنا أطلق علیه اسم المصلى المروانی، وعند احتلال الصلیبیین للمسجد الأقصى استُخْدم المکان مربطاً لخیولهم ودوابهم، ومخازن ذخیرة، وأطلقوا علیه اسطبلات سلیمان.
ویعتقد کثیر من الناس أن هذا المکان من بناء نبی الله سلیمان علیه السلام، وهذا من التلبیس والدس الذی یستعمله الیهود، حتى تُنْسَبَ لهم فیما بعد لتکون شاهدا على وجودهم على هذه البقعة منذ الأزل، والصحیح أنها من بناء الأمویین کما أثبت أهل الآثار، وقد أصَرَّ المسلمون على إعادة افتتاحه وتحویله إلى مُصَلَّى أطلقوا علیه – المصلى المروانی – نسبة إلى مؤسسه الحقیقی، وقد أحسنوا فی ذلک.
تم افتتاحه لجمهور المصلین فی 12/12/1996 م بعد صیانته، وقد ساهم فی إعماره العدید من المتبرعین من داخل وخارج فلسطین.
الکأس (المتوضأ)
یتکون من حوض رخامی مستدیر الشکل، وفی وسطه نافورة، وعلى جوانبه الخارجیة صنابیر یخرج منها الماء لیتوضأ منه المصلون الذین یجلسون على مقاعد حجریة مقامة أمام تلک الصنابیر، ثم یسیل الماء فی مجرى حول الحوض الى مجار تحت بلاط المسجد الأقصى ویجری إلى صهریج کبیر فی أرض المسجد.
أنشأه السلطان العادل أبو بکر بن أیوب سنة 589 هـ / 1193 م فی العصر الأیوبی، وجدد بناءه الأمیر تنکز الناصری سنة 728 هـ / 1327 م. ثم قام السلطان قایتبای بتعمیره وترمیمه ثانیة ویقع الکأس بین مبنى المصلى الجامع ودرج صحن الصخرة المواجه له.
حائط البراق
هو الجزء الجنوبی الغربی من جدار المسجد ویبلغ طوله حوالی (50 متراً) وارتفاعه حوالی (20 متراً) وهو جزء من المسجد الأقصى، ویعد من الأملاک الإسلامیة، ویطلق علیه الیهود الآن (حائط المبکى) حیث یزعمون بأنه الجزء المتبقی من الهیکل المزعوم، ولم یَدَّعِ الیهود یوماً من الأیام أی حق فی الحائط إلا بعد أن تمکنوا من إنشاء کیان لهم فی القدس، وکانوا إذا زاروا القدس یتعبدون عند السور الشرقی، ثم تحولوا إلى السور الغربی!!.
الآبـــار
بئر الجنة
ماء المطر وعیون الماء هما المصدران الوحیدان للماء فی القدس، وحیث لم تکن العیون تکفی لاحتیاج أهل القدس کان اعتمادهم الأساسی على میاه الأمطار یجمعونها فی الآبار والصهاریج والبرک، ویبلغ عدد هذه الآبار 26 بئراً: تِسعٌ منها فی ساحة الصخرة، والباقی فی ساحة المسجد الأقصى، وقد حُفرت تلک الآبار داخل أسوار المسجد الأقصى المشید کله على صخرة، فمهما یهطل المطر لا یذهب خارج الآبار ولا یضیع سدى، بل ینصرف إلى تلک الآبار وینتفع الناس به، وهی من الحجر الصلب والتی لا تحتاج إلى عمارة أو صیانة إلا نادراً، ویسهل إصلاحها، وجُعل القسم الأعلى منها على هیئة التنور، وعلى رأس کل بئر غطاء من حجر حتى لا یسقط فیه شیء، وآبار المسجد الأقصى یستعملها المصلون وأهالی البلدة، ولکل بئر اسم خاص یعرف به، وهی لا تکفی الآن لتزوید القدس بحاجتها إلى الماء، مما جعلهم یجلبون الماء من موارد أخرى.
الأسبـــلة
سبیل قایتبای والباب الموجود فی جهته الشرقیة
وکانت تسمى فی العصر الأیوبی وما قبلها سقایة، وکانت الأسبلة تحتوی على طابقین : الأول عبارة عن بئر محفورة فی الأرض لتخزین میاه الأمطار، وأما الطابق الثانی فیرتفع عن سطح الأرض حوالی متر وتوجد به المزملة لتوزیع الماء. وعدد الأسبلة فی ساحات المسجد الأقصى أحد عشر سبیلاً، وهی متفاوتة فیما بینها تفاوتاً کبیراً من وجهة معماریة. ومن أشهرها سبیل قایتبای، ویعتبر شاهداً من الشواهد البدیعة التی تعود للعصر المملوکی، والذی یقع فی الساحة الکائنة بین باب السلسلة وباب القطانین بناه السلطان سیف الدین إینال، ثم أعاد بناءه السلطان قایتبای حیث أقام سبیله على البئر الذی أقامه إینال، وقد بناه من الحجر المشهر الملون وفرش أرضیته بالرخام، وزخرف قبته وأرکانه بالعناصر الزخرفیة والمعماریة الإسلامیة وله أربع نوافذ فی جهاته الأربعة.
المصـاطب
اشتهر المسجد الأقصى بحلقات العلم، ولکثرة المدرسین وطلبة العلم، اتخذ المدرسون المصاطب التی هُیِّئَتْ لیجلس علیها الطلاب للاستماع إلى الدروس خاصة فی فصل الصیف لاعتدال الجو هناک، وتقدر عدد المصاطب فی ساحات المسجد الأقصى بقرابة الثلاثین مصطبة، والتی لها محاریب من بناء حجری مستطیل الشکل لجلوس الشیخ أمام طلبته وتلامیذه، أنشئ بعضها فی العصر المملوکی وغالبها فی العصر العثمانی.
والمصاطب غالباً ما تکون مربعة الشکل، أو مستطیلة، وترتفع عن الأرض بدرجة أو درجتین، وبناؤها من الحجارة، ومن أشهرها مصطبة البصیری شرقی باب الناظر، وکانت تستعمل للتدریس، ولإضفاء طابع جمالی على ساحات المسجد الأقصى. قیل إنها أنشئت فی القرن الثامن الهجری، وفی منتصف ضلعها الجنوبی محراب حجری وعلیه لوحة کتابیة تبین اسم بانی المحراب، وهو الأمیر جرکس الناصری، وکان هذا الأمیر موجودا فی سنة 800هـ/1298م تقریبا. وتتکون المصطبة من بناء حجری منبسط مربع الشکل ویُصعد الیها بوساطة درجتین حجریتین، وأما المحراب فهو بناء حجری مستطیل الشکل، وقد کتب علیه اسم البانی وألقابه.
منبر برهان الدین
تحفة فنیة قائمة، وکان یدعى منبر الصیف لأنه أمام ساحة مکشوفة، ویُستخدم فی فصل الصیف لإلقاء الدروس والمحاضرات أمام طلبة العلم، بُنی من الحجارة ورخام، نمطه الهندسی مملوکی.
أنشئ هذا المنبر فی ساحة قبة الصخرة بأمر من قاضی القضاة برهان الدین بن جمّاعة فی سنة 709 هـ / 1309 م، ویذکر أنه کان منبراً خشبیاً ثم حول إلى منبر حجری وقد جدد هذا المنبر فی العصر العثمانی على ید الأمیر محمد رشید، وفی عهد السلطان عبد المجید بن محمود الثانی فی نقش کتابی فی أعلى المدخل.
ویتکون هذا المنبر من بناء حجری، وله مدخل یقوم فی أعلاه عقد یرتکز على عمودین صغیرین من الرخام، ویُصعد منه إلى درجات قلیلة تؤدی إلى دکة حجریة معدة لجلوس الخطیب، وتقوم فوقها قبة لطیفة صغیره، وقد أقیمت على أعمدة رخامیة جمیلة الشکل.