ان المساجد ومنذ تأسیسها إلى یومنا هذا کانت قاعدة معنویة اجتماعیة وتقوم بوظائف عدیدة لا یمکن مقارنتها مع أی مؤسسة شعبیة طوال التاریخ. فی هذا المقال نقوم بدایة الأمر وبإیجاز بالتطرق إلى وظائف وانجازات المسجد المختلفة فی سبیل الرقی بالفرد والمجتمع فی الجانب المعنوی. نحن نرى بان المسجد وفضلا عن الوظائف الاعتیادیة، یمکنه ان یکون کقاعدة تمهد الأرضیة لإقامة الدولة الکریمة العالمیة دورا مهمة وکبیرا. کما ان المسجد یعتبر التراث الخالد والحیوی لنبی الإسلام صلى الله علیه وآله وسلم بعد القرآن الکریم، وعلى هذا نرید ان نقدم نظریة المسجد المعجزة الثانیة لنبی الإسلام. المصطلحات الدلیلیة: المسجد والإسلام والمعجزة والأخلاق والثورة الإسلامیة.
المقدمة
ان المساجد ومنذ تأسیسها إلى یومنا هذا کانت قاعدة معنویة اجتماعیة وتقوم بوظائف عدیدة لا یمکن مقارنتها مع أی مؤسسة اجتماعیة. ان هذه المؤسسة الدینیة والثقافیة والاجتماعیة والسیاسیة تحمل بین طیاتها السیر والسلوک العرفانی الأصیل وأکثر القرارات ثوریة وسیاسیة وکذلک قدمت الاستشارة العسکریة الکبیرة والجزئیة لحکومة النبی وحملت تراث الثقافة والفن والحضارة الإسلامیة. ان المسجد یعد جامعة علمیة تعلیمیة وتربویة ومرکز لتوحید الصفوف وتلاؤم الناس فی الشؤون الاجتماعیة والتعاون. على هذا فان إعادة قراءة وظائف المسجد المنوعة وفقا للآیات وسیرة النبی الأکرم والأئمة المعصومین علیه السلام ودراسة إمکانیة المسجد الفریدة بنوعها طوال القرون المتواصلة وبالتحدید فی صدر الإسلام والثورة الإسلامیة، بغیة إعادة بناء وإحیاء دورها فی العصر الراهن، یعتبر أمرا ضروریا.
أحادیث المعصومین وسیرتهم العملیة تدل على ان المسجد هو حجر بناء الحکومة الإسلامیة وان الحکومة الإسلامیة تعتبر منطلقا لإنشاء الدولة الکریمة العالمیة بإمامة الإمام المهدی الموعود عجل الله تعالی فرجه الشریف وقیادته. على هذا لا یخفى دور المساجد على أحد فی تهذیب النفس وتربیة القوى الإنسانیة الصالحة والمنتظرة بهدف تحقیق العدالة وتوفیر الأرضیة لإنشاء حکومة الإمام المهدی عجل الله تعالى فرجه الشریف.
ان دور المساجد ووظیفتها متنوعة إلى حد، یبرز فی کل فترة وعصر خاص، وفقا للمدراء والحکام والسیاسیین والقائمین على المساجد.
ان دراسة وظیفة المسجد بتأنی تبرهن على انه لو تجلت إمکانیات المساجد الظاهرة والخفیة بدقة وسرعة، فیکون بها نتائج وبرکات کثیرة ینتفع بها المجتمع الإنسانی.
المبحث الأول: وظائف المسجد
1) وظیفة التعالی الأخلاقی
1-1 تهذیب النفس والتعالی الأخلاقی
ان الرقی بالأخلاق ونمو الفضائل وإزالة الرذائل فی الإنسان تعد من أسمى وظائف المساجد وأکثرها نشرا. فان الله تعالى خلق الإنسان لنشر أخلاق الإطاعة الذی یترک تأثیره الإیجابی على الرقی بالفرد والمجتمع فان نشر هذا الأخلاق وبناء المدینة الفاضلة على أسس التقوى الإلهی طوال التاریخ، کان محط اهتمام العارفین والمؤمنین کی وبمساعدة النورانیة والقداسة المعنویة للمساجد، یحققون ذلک الهدف. وفقا لهذه الوظیفة للمسجد فانه یعتبر معراجا للعابدین ومسجدا للمؤمنین ودائرة للسیر العرفانی ومرکزا للاعتکاف ومحلا لتهذیب نفس المتقین.
1-2 تقویة فضائل الأخلاقیة الفردیة
ان ظهور وتقویة الأخلاق الفردی بهدف تهذیب النفس وإضفاء الطابع الدینی على العلاقات الاجتماعیة تعتبر من أکثر وظائف المساجد شمولا. فانه یأتی إجابة على نظریات أشخاص من أمثال جون لوک الذی قال ان الدول لیست المسئولة فی الجوانب السیاسی للأخلاق الفردی للمواطنین.
ففی هذه الوظیفة تؤدی المساجد کقاعدة دینیة وغیر حکومیة دورا مهما فی سبیل تربیة الفضائل الأخلاقیة وان الحکومات الإسلامیة تعتبر الساعد الأیمن للدولة وتؤدی دور التربیة الأخلاقیة للفرد والمجتمع.
عند تبیین دور المسجد فی تربیة الفضائل الأخلاقیة الفردیة ونموها، یکفی التذکیر بهذا الموضوع بانه وفقا للآیات الإلهیة والنصوص الروائیة، فان بناء المساجد وتعمیرها وکذلک الحضور فیها له تقالید وعادات، إلا وهی الإیمان بالمبدأ والمعاد وعبودیة الله تعالى. فان هذه المقدمات والتقالید والظروف تعتبر اول المراحل لإزالة الرذائل الأخلاقیة والتزین بالفضائل الأخلاقیة.
ان وظیفة المسجد فی الرقی بالأخلاق الفردی وتحسینه یعد أمرا مؤثرا بحیث قال النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَیْتُمْ الرَّجُلَ یَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِیمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى یَقُولُ إِنَّمَا یَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّکَاة.
2) الوظیفة التعلیمیة التربویة للمسجد
ان المسجد ومنذ تأسیسه إلى یومنا هذا یعتبر مرکزا وجامعة علمیة وبالتحدید فی مجال تعلیم الدین والمعارف الإسلامیة، فان تعلیم العلوم التخصصیة فی المساجد ونظرا إلى قداسة المسجد وسیادة الفضاء المعنوی والهدوء علیه، فانه یوسع من روح الالتزام فی الأفراد ویجعلها تنمی، ویترک بهذا التأثیر الکبیر. فان عناوین ومدلولات وظائف المسجد التعلیمیة، منذ النبی الأکرم إلى یومنا هذا کثیرة، نتحدث فیما یلی عن بعض منها:
أ) ذات یوم جاء شخص یدعی جریر ومعه عشرة من أبناء قبیلته واسلموا بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس وجرت بینهم وبین النبی صلی الله علیه وسلم محادثات علمیة بإسهاب، کما قال عبد الله بن عم: ان النبی کان یتحدث إلینا حتى وقت متأخر عن تاریخ بنی إسرائیل.
ب) قال الإمام علی علیه السلام: من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمانی: أخاً مستفاداً فی الله عز وجل، أو علماً مستطرفاً، أو آیة محکمة، أو رحمة منتظرة، أو کلمة تردّه عن ردى، أو یسمع کلمة تدلّه على هدى، أو یترک ذنباً خشیة أو حیاءً. یعتبر العلامة المجلسی رحمه الله تعالى بان مفهوم العلم المستطرف هو علم البدیع والحدیث والمعرفة الحدیثة.
ت) توجه أستاذ الاقتصاد فی جامعة القاهرة، الدکتور محمد شوقی الفنجزی، إلى النجف الاشرف لزیارة آیة الله الشهید محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى فی بیته وسال الشهید الصدر عن الجامعة التی تخرج منها على المستوى العالمی، وأجاب الشهید الصدر بانه لم یتلق أی تعلیم فی أی جامعة وانه درس فی مساجد النجف فقط، وقال له الدکتور شوقی: ان مساجد النجف أفضل من الجامعات الأوروبیة حقا. وبعد الرجوع إلى القاهرة اقترح الدکتور زکی نجیب محمود ترجمة کتاب مبانی الاستقراء من العربیة إلى الإنجلیزیة، وأرسل کتاب فلسفتنا وکتاب اقتصادنا إلى روجیه غارودی.
ث) کان یلقی الإمام علی علیه السلام خطبة للناس فی مسجد الکوفة. فحمد الله وأثنی علیه، ثم قال: أیها الناس، سلونی، فإن بین جوانحی علماً جماً. فقام إلیه ابن الکواء ووجه عدة أسئلة حول معنى بعض الآیات من آیات القرآن والمعارف الدینیة کما سال الإمام عن القوس والقزح والمجرة والظلمة التی تظهر فی القمر وأجاب الإمام علی علیه السلام على کافة أسئلته.
3) وظیفة المسجد فی الحضارة والثقافة الإسلامیة
ان المسجد وعند کافة الشعوب والنحل یعد رمزا ملموسا للثقافة والفن للمسلمین. فان دراسة المساجد من هذه الزاویة تعبر بوضوح عن إرادة وهمة الفنانین المسلمین السامیة فی إقامة الدین فی الجانب النفسی والعاطفی والجمالی. لهذا السبب فان السیاح والارکیولوجیین والباحثین، قد انجذبوا إلى المسجد. فان المسجد والى جانب تعریفه بأسلوب الفن المعماری الإسلامی والحضارة الدینیة، یقدم الاعتماد على الذات والإبداع والجهد والمثابرة لدى الفنانین المسلمین، الذین وبعون الله تعالى خلقوا هذا الفن الإسلامی الإیرانی البدیع الذی امتزج مع الروح والفطرة الإنسانیة فی ظل الدین والعرفان التوحیدی الأصیل.
ان المساجد وباتخاذ اتجاه معماری الفن الإسلامی استطاع ان یرشد الکثیر من الناس نحو المعتقدات الفطریة لهم وان یبقى على الشعور الدینی ومحوریة الله تعالى فی روح البشر حیة.
مقدم الأنبیاء والأئمة: فی بعض المساجد وإضفاء التقدیس على تلک الأمکنة کتجلی للآثار والحضارة والإنسانیة یمکنها ان تصبح کخطوة فی مجال تقریب المذاهب والأدیان. على سبیل المثال أقام 70 نبی و70 وصی للنبی الصلاة فی مسجد براثا وعبدوا ربهم.
ان المسجد الجامع النبوی فی دمشق بنی على ارض یمتد تاریخها إلى 3 آلاف عام. ان هذا المسجد وقبل ألف عام کان معبد حداد آلهة الرعد والطوفان والأقوام الآرامیة وأسس أوائل القرن الأول للمیلاد، الروم فی هذا المکان معبدا لعبادة وبیتر وأصبح أواخر القرن الرابع للمیلاد مکانا مقدسا للمسیحیین وفی عام 636 للمیلاد کان المسلمون والمسیحیون یستفادون من هذا المکان معا. ثم بنی فی هذا المکان مسجدا فی عام 706 حتى 715 وفی عام 2001 زار البابا جان بول الثانی فی اول زیارة له لمسجد إسلامی، هذا المسجد.
4) الوظیفة السیاسیة العسکریة للمسجد
إذا ما نظرنا إلى التاریخ السیاسی والنضالی للحضارة الإسلامیة، نعرف عندها بان کافة غزوات النبی الأکرم والنضال الاجتماعی للائمة والثورات والحرکات التحرریة للإسلام قد بدأت من قاعدة المساجد.
ان مسجد النبی فی المدینة لم یکن مجرد مرکز للعبادة والنشاطات الاجتماعیة والسیاسیة للمسلمین، بل انه خلیة فکرة ومرکز للاستشارات العسکریة للمسلمین.
ان الإمام الخمینی قدس سره الشریف، الذی جعل الناس یثورون فی وجه الحکومة الملکیة الإیرانیة، قد جمع ملایین من الجماهیر من خلال المسجد. ان تحدث عن هذا الأمر مرارا وکرارا کما قال ان المسجد هو مرکز للتبلیغ وفی صدر الإسلام وعبر هذه المساجد کانت تندفع الجیوش ان المسجد کان مرکزا لتبلیغ الأحکام السیاسیة فی الإسلام.
من دون شک ان منشأ ومصدر المکانة الراهنة للعالم الإسلامی والنجاحات التی تحققت وکذلک الصحوة الإسلامیة، وبالتحدید انتصار الثورة الإسلامیة الکبیرة قد جاءت نتیجة هذه الوظیفة للمسجد.
ان نضال الإمام علی علیه السلام ومواجهته الناکثین والقاسطین والمارقین قد بدأت من داخل مسجد الکوفة وفی نهایة المطاف استشهد الإمام فی هذا المسجد.
ان النضال الثوری للسیدة زینب علیها السلام وخطبتها فی مسجد الکوفة وخطبة الإمام السجاد فی مواجهة یزید کانت قد انطلقت من المسجد إذ اکتملت ثورة عاشوراء.
ان ثورة "سربداران" فی القرن الثامن والثورة الدستوریة فی إیران وثورة الشعب فی مسجد کوهر شاد احتجاجا على السفور وخطابة الإمام الخمینی قدس سره فی المسجد الأعظم فی قم ومواجهة القادة الدینین من المساجد کمسجد "هدایت" ومسجد أبوذر ومسجد قبا، یدل على الوظیفة السیاسیة والإعلامیة والعسکریة للمساجد.
یقول عالم الاجتماع والمنظر الفرنسی ماروین زدیتس الذی قام بدراسة أسباب ومسار الثورات فی مختلف الدول: یجب عند دراسة الثورات دراسة 4 حقول وهی کالتالی:
القیادة والتنظیم وجماهیر الناس وردة فعل الحکومة.
نظر إلى النظریة أعلاه، یغدو من الواضح بان المسجد یمکنه إدارة 3 حقول من الأربعة المذکورة أعلاه بأفضل الأشکال.
5) وظیفة المسجد فی الشؤون التعاونیة والاجتماعیة
ان مسجد النبی کان من أهم قواعد الشؤون الاجتماعیة فی المدینة. وان هذا الدور مستمر إلى یومنا هذا فی کافة المساجد. ان قداسة المساجد وتقوى الناشطین والعاملین وأهل المسجد، یعد أهم جانب یمکنه تقدیم العون إلى إقامة القضایا الاجتماعیة بأفضل الأشکال وتعاون الناس فی شؤون المساجد. ان القضاء کان یعد من أهم القضایا الاجتماعیة التی قام بها النبی فی المساجد. وکانت تتم أغلبیة اللقاءات التی کانت تجمع النبی صلى الله علیه وآله فی النبی. ان المساجد کانت دائما مکانا لمعالجة المشاکل وتوفیر الحاجات الضروریة للناس. کما ان المساجد تعتبر قاعدة للإعلام الجماعی ومرکزا لبناء العلاقات وقاعدة للتنسیق والمساعدة فی الأحداث الطبیعیة.
المبحث الثانی: المسجد قاعدة الأطروحة المهدویة
نظرا إلى التطورات الثقافیة والسیاسیة والاجتماعیة فی العالم فی العصر الحدیث، من اللازم بان المساجد وبواسطة الوئام بین المسلمین وروح المثابرة بینهم ان یقدم الوظائف فی إطار شبکات إذ یعتبر من أهمها کون المساجد قاعدة لأطروحة المهدویة.
ان نظریة التنمیة والعولمة الشاملة، تترک تأثیرها على کافة القضایا الثقافیة والسیاسیة والاقتصادیة على المستوى العالمی إذ یعتبر أهم هواجس المفکرین والأحرار والمثقفین.
ان هذا المبحث الذی خرج من نظریة القریة الکونیة لصاحبها مارشال مک لوهان أو من فکرة برجینسکی وهو المسئول الأسبق لمجلس الأمن الأمریکی فی فترة رئاسة ریغان، تم تقدیمه بواسطة توفیر التقنیة والعلاقات المتطورة للإعلام کالأقمار الاصطناعیة والانترنت وجاء لتلبیة هذا الهدف إلا وهو منح حزمات ثقافیة واقتصادیة واجتماعیة وسیاسیة موحدة للناس بعیدا عن الحدود وبواسطة إقصاء الرغبات القومیة للشعب ویهدف إلى تحقیق الرفاهیة للناس فی حیاتهم الفردیة والاجتماعیة.
ان مسار العولمة والقضایا المثارة حولها وموقف المفکرین الأحرار وبالتحدید من جانب الأدیان الکبرى فی العالم کالإسلام وحضارة الهندوسیة والکونفوشیوس فی مواجهة هذه الظاهرة، یدل على العلمانیة والتغرب السائد على هذه النظریة. فی مواجهة العولمة فی إطارها الغربیة، تم تقدیم الدین الإسلامی ومذهب التشیع ونظریة الحکومة العالمیة للإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف والدولة الکریمة العالمیة أو أطروحة المهدویة. هذا وان هذه النظریة توجد فی الأدیان الإلهیة وغیر الإلهیة قبل الإسلام بفارق بسیط بین الاثنین. على هذا یبدو ان مصادرة هذه النظریة باسم الغرب وأمریکا یعد عملا من صنف الغصب.
ان الفوارق الجوهریة بین نظریة العولمة ونظریة الدولة الکریمة العالمیة کثیرة تأتی أهمها التحدیات التی تظهر فی القضایا الشاملة والجزئیة الثقافیة ونوعیة ترحیب الناس بها.
ان أطروحة المهدویة أو الدولة العالمیة الکریمة هی من برامج الله تعالى. إذ یعرف الحاجات الفطریة والمادیة والمعنویة للإنسان. فی الحقیقة ان الدولة الکریمة العالمیة إجابة على حاجة فطریة للإنسان التی بقت طول التاریخ مجهولة. ان صحوة الفطرة والعودة إلى الجوهر الوجودی للإنسان ومعرفة مطالبه الشرعیة والفصل بین الرفاهیة الحقیقة والمزورة واستعادة مسار السعادة معرفة القادة، کلها من الأمور التی تحتاج إلى العلم والوعی. على هذا من الأفضل ان یصدر هذا العلم وهذه الرؤیة والانتماء من مکان دعا إلیه الله سبحانه تعالى الجمیع إلیه بعد إصدار أمر ببناءة. ان هذا المکان المقدس لا یمکن إلا ان یکون المسجد.
ان هذه القاعدة الصانعة للإنسان یمکنها ان تربی وتعلم وتقود الأشخاص الذین استوعبوا هذه الفکرة جیدا وقاموا بالدفاع عنها بکل قوتهم. کی یسعوا بواسطة نشر الأخلاق الحسنة الإلهیة فی نشر وتعمیق فکرة أطروحة المهدویة.
ان دور المساجد فی کافة المجالات ومنها توحید صفوف المسلمین فی العالم وتکوین شبکة من العلاقات بین المؤسسات الاجتماعیة فی مسار تحقیق الدولة العالمیة الکریمة، یعد دورا مؤثرا.
قال الإمام علی علیه السلام حول العلاقة بین الحکومة العالمیة والمسجد قبل 14 قرنا بعبارة بلیغة:
إِنَّ الدُّنْیَا دَارُ صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِکَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْیِ اللهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِیَاءِ اللهِ، اکْتَسَبُوا فِیهَا الرَّحْمَةَ.
المبحث الثالث: المساجد معجزة الثانی لنبی الأکرم
ان المساجد باعتبارها مؤسسة دینیة فی مجتمع المسلمین یتمتع بجاذبیة کبیرة، إذ یتطور کمیا وکیفیا بعد 14 قرنا من ظهور الإسلام.
ان تأثیر المساجد الکبیرة فی تهذیب نفس الإنسان وتعالى المجتمع وتربیة أناس إلهیین وملتزمین وظیفة المسجد الإستراتیجیة فی عملیة تحقیق الدولة العالمیة الکریمة طوال التاریخ، أوصل ظهوره إلى نقطة یمکن إطلاق المعجزة الثانیة لنبی الإسلام علیها، وتقدیم نظریة المساجد باعتبارها المعجزة الثانیة لنبی الإسلام.
بعد المسجد الحرام إذ کان اول قاعدة عبادیة للمسلمین، قام النبی محمد فی بدایة الحکومة الإسلامیة فی المدینة، بإنشاء مسجد القبا وبعد مسجد النبی.
ان القرآن یعتبر المعجزة الأولى لنبی الإسلام، ولا جدل فی هذا، هذا ویمکن من ضمن کافة الأشیاء التی بقیت من نبی الإسلام اعتبار المسجد والوظائف التی یقوم بها کمعجزة ثانیة لنبی الإسلام. لکن البرهنة على هذه النظریة بحاجة إلى تقدیم دراسة ان من بین الأدلة التی یمکن الاستناد إلیها عند الحدیث عن هذا الأمر هی التالی:
أولا ان المساجد هی مکان للقرآن وقراءة القرآن والإنس بالقرآن وان هذا الأمر یعتبر تکریما لمعجزة نبی الإسلام.
ثانیا منذ بدایة الوحی تأسست المساجد باعتبارها قاعدة اجتماعیة وسیاسیة لدین الإسلام وتلعب حتى إقامة حکومة إمام الزمان العالمیة عجل الله تعالى فرجه الشریف دورها فی إطار أهم قاعدة للنهضات الإسلامیة.
یقول الشیخ الطوسی رحمه الله فی کتاب تمهید الأصول فی تعریف للمعجزة: ان المعجزة هی عمل لها عدة شروط:
1- أن یکون خارقاً للعادة.
2- أن یکون من فعل الله تعالى أو جاریاً مجرى فعله.
3- أن یتعذّر على الخلق جنسه أو صفته المخصوصة.
4- أن یتعلق بالمدّعى على وجه التصدیق لدعواه.
على هذا فانه یمکن اعتبار المساجد وما تؤدیها من وظائف کظاهر اجتماعیة إلهیة، غیر قابلة للمقارنة مع کافة الظواهر المماثلة کالکنیسة، وإنها تهدف إلى تحقیق أهداف أکبر معجزة للنبی إلا وهی القرآن، إذ جاءت فکرة إنشاءها والتعبیر عن أدوارها ووظائفها على ید النبی وبإذن من الله تعالى وإنها ستبقى خالدة طوال قرون وفی المستقبل وإنها بمثابة معجزة أصغر من القرآن وأفضل من کافة المعجزات للنبی الأکرم.
خلاصة الکلام والمقترحات
نظرا إلى دور المساجد ووظائفها الکبیرة ونزوع الناس إلیها وکون هذه المؤسسة الاجتماعیة متحررة وبسبب سهولة الوصول إلى هذا المکان المقدس، یصبح من الضرورة وبنظرة حدیثة وموافقة مع العصر والتطور والعدالة العالمیة، القیام بإعادة تعریف مؤسسة المسجد وبیان وظائفها وفقا لمتطلبات الزمن. على هذا نقدم المقترحات التالیة کنماذج للعمل:
1) ان یتم معرفة جوانب وظائف المسجد ودراستها بواسطة المفکرین المسلمین وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والأخصائیین فی القضایا التربویة کی نزید من تأثیر المساجد فی سلامة الشخص والمجتمع النفسیة.
2) ان یتم تقدیم الوظائف والأدوار الکامنة التی لم تسنح لها الفرصة للبروز وذلک بواسطة استشارة الفقهاء والمفکرین فی المجالات الدینیة والاجتماعیة وان یتم إعدادها.
3) ان ترحب المساجد بوظیفة حدیثة فی إطار قاعدة أطروحة المهدویة وان تؤدی دورها المهم فی نشر فکرة الدولة الکریمة العالمیة.
4) ان یتم دراسة نظریة المسجد المعجزة الثانیة لنبی الإسلام بشکل عمیق وکبیر کی یتم تأسیس التطورات الجوهریة فی المجتمع وعصر القریة الکونیة.
المصادر
القرآن الکریم
1. نهج البلاغة
2. محمد بن سلامه قضاعی، شهاب الاخبار.
3. میرزا حسین نوری؛ مستدرک الوسائل.
4. ابوزید عمر بن شبه ممیزی؛ تاریخ المدینة المنورة، ترجمة حسین صابری،قم، مشعر.
5. حر عاملی، محمدبن حسن؛ وسائل الشیعة.
6. علامة مجلسی؛ بحار الانوار.
7. علی رحیمی، رحمتاله؛ تاثیر ارزشهای اخلاقی در اقتصاد با تاکید بر نظریات شهید صدر،1388.
8. کتانی عبدالحی؛ نظام الحکومة النبویة.
9. رحیم نوبهار، سیمای محمد، منشورات کوثر، قم، 1373.
10. روح الله، موسوی الخمینی؛ صحیفة نور.
11. رضائی، علی؛ جایگاه مسجد در فرهنگ اسلامی، ثقلین، 1383.
12. www. Masjed.ir.