امام جماعة مسجد خیر
فی حی الأخلاق
ولد غلام رضا دانش اشتیانی عام 1309ه.ش فی مدینة اشتیان. یصل نسبه إلى زین العابدین اشتیانی وهو من مشاهیر تلک الدیار فی عهد القاجاریة. کان والده آقا أبو الفضل، معروفا فی الإحسان والکمال فی مدینته.
قضى غلام رضا فترة الطفولة بإشراف وهدایة والده. ان ذکاءه الکبیر ونبوغه الفکری کان واضحا منذ طفولته وعلى هذا قرر والده ان یرکز اهتمامه على الطفل لنموه وازدهاره. لکن غلام رضا الذی استفاد لـ 11 عاما من فضائل والده المکرم، فقده عام 1320ه.ش وتولت والدته رعایة غلام رضا وإخوانه الأربعة.
انه بدا الدراسة بجدیة تامة وبعد انتهاء العام الثانی من المتوسطة، اتجه إلى مدینة قم حاملا شوقا لا مثیل له لدراسة العلوم الدینیة وطوال السنوات الثمانیة قام بتعلم فقه آل محمد صلى الله علیه واله وسلم إلى جانب تهذیب النفس واستفاد من کبار الحوزة کآیة الله بروجردی وکلبایکانی ومحقق داماد وتعلم من درس الأخلاق للإمام الخمینی قدس سره الشریف والجهاد الأکبر ومراحل التقوى والفضیلة وکان یجالس ویباحث فی المدرسة الفیضیة شخصیات مجاهدة کآیة الله الشهید بهشتی وآیة الله الشهید مفتح.
المعلم الشفیق
انتقل عام 1330ه.ش برفقة أمه وإخوته إلى طهران واستمر بالدراسات الدینیة والحدیثة بالتزامن معا. اتجه نحو مهنة التدریس المقدسة بهدف انتقال المعلومات العلمیة إلى الناشئین والشباب وتوفیر عائد البیت والمعاش واستمر بالدراسة الحدیثة وحصل على شهادة دبلوم ودخل کلیة الإلهیات واستمر حتى حصل على شهادة الدکتوراه فی الفقه ومبادئ القانون الإسلامی.
انه کان یولی اهتماما بالتعالی الفکری والأخلاقی والعلمی للشباب وکان یحاول ان ینقل المفاهیم الإسلامیة الثریة للشباب کی یؤمنهم أمام هجوم المؤامرات الثقافیة لأعداء الإسلام. کان یبذل مساعیه فی مدراس علوی وقریب ووحید وخاقانی وجعفری إسلامی وقدس وجهان آرا المتوسطة، لیلا ونهارا لتعلیم الشباب وکان یعلمهم دروس کالأدب الفارسی والدین واللغة الإنجلیزیة ویحاول ان یغرس بذر الإسلام ومعارف القرآن فی قلوب هذا الجیل الطاهرة ویجعلهم یقاومون فی مواجهة هجوم الرذائل والمفاسد. ان ممارسات الهادفة إلى فضح نظام الظلم والجور أدت بإحالته إلى التقاعد بأمر من السافاک وبهدف منع التلامیذ من بناء العلاقة معه بعام 1355ه.ش وبعد 25 عاما من العمل فی التربیة والتعلیم.
أنها قرض الحسنة
ان العبادة بعشق وإخلاص کانت ضمن برامجه وانه کان یعشق المناجاة مع الله تعالى وکان یترک السریر منتصف اللیل ویصقل القلب بواسطة التهجد وإقامة صلاة اللیل والمناجاة مع الله تعالى. کان یتمتع بمعنویة خاصة فی الصلاة ومع هذا کان یغرق فی الحق وفی الله تعالى وکان بعیدا عن متعة الدنیا والتعلقات الدنیویة.
کان یرعى التلامیذ الفقراء والیتامى وکان یوفر لهم المکان وما یحتاجونه فی الدراسة ویقول لهم إننی أمنحکم هذه الأموال کقرض الحسنة فادفعوا ما علیکم بعدما تصلون إلى مرحلة الرشد وتستلمون الرواتب. انه کان یرید بهذه الأقوال ان لا یشعروا بالحقارة ولا یتکاسلوا منذ بدایة الحیاة بواسطة التبعیة للآخرین وان یقوموا بالعمل بکل ما لدیهم من قوة.
مناضل لا یعرف الکلل والملل
انه کان فی عهد نشاطاته الثقافیة والتربویة یشعر بان الاستبداد السیاسی والمخططات السیاسی للاستعمار تؤدی إلى انهیار المجتمع ویجب القیام بالنضال بالتزامن مع النشاطات الفکریة وعلى هذا لم یغفل طوال حیاته عن النضال مع النظام السابق وإبطال مفعول مخططات المکاتب المادیة فی الشرق والغرب. فی عام 1330 و1332ه.ش إذ وصل نضال الشعب الإیرانی فی مواجهة الاستعمار البریطانی ذروته، انه کون مجموعة الشیعة إلى جانب الشهید حاج صادق أمانی الذی استشهد بسبب قتله رئیس الوزراء آنذاک حسن علی منصور وإضافة إلى الشهید صادق إسلامی الذی کان یعمل ضمن طاقم قیادة هذه المجموعة. کانت لهذا الشهید له علاقات وطیدة مع مجموعة فدائی الإسلام وبالتحدید الشهید سید مجتبى نواب الصفوی وکان یتعاون مع المؤتلفة الإسلامی.
انه کثف من نضاله عام 1341ه.ش بالتزامن مع نهضة الإمام الخمینی قدس سره الشریف ولم یتوقف عن النضال حتى انتصار الثورة الإسلامیة. وکانت تلاحقه قوات النظام البهلوی فی هذه الفترة وألقى فی السجن ذات مرة. انه بإقامته اجتماعات ومن خلال صفوف الدرس قام بالتعریف بشخصیة الإمام الخمینی قدس سره الشریف وکان یدعو الجمیع إلى النضال مع النظام البهلوی الفاسد وإقامة الحکومة الإسلامیة. تلقى طوال فترة النضال تهدیدا بالقتل واعتقل فی حادثة الـ 15 من خرداد عام 1342ه.ش على ید عملاء النظام البهلوی وألقى بالسجن لکن لم تمنعه أی من تلک الصعوبات من الاستمرار فی النضال.
لعب الدکتور دانش اشتیانی دورا بارزا فی إنشاء مجموعة قدس الثقافیة وکان تکوین مجموعات للدراسات القرآنیة ونهج البلاغة والأحادیث والروایات من البرامج الثقافیة التی قامت بها تلک المجموعة. انه کان یوجه البرامج الثقافیة لبعض الطلاب الشباب فی قم وطهران وکان یضع لهم برامج منسجمة وهادفة. ان الدکتور وبواسطة العلاقة المستمرة التی تجمعه بالأوساط العلمیة والحوزویة ترک ما یقارب ألف صفحة من الدراسات حول القضایا القرآنیة.
نموت کما ماتت محبوبة
ان النضال مع الاستبداد دخل أسرته وانضمت زوجته وأبناءه إلى صفوف المناضلین المسلمین لتحقیق طموحات الثورة. فی صباح الـ 17 من شهریور عام 1357 قام بغسل ابنته محبوبة غسل الشهادة وانضم للحشود الغفیرة من المتظاهرین لمواجهة الاستبداد. قام عباد الظلمات الذی لا یتحملون النور باستهداف قلب هذه البنت المسلمة وهکذا انتقلت محبوبة إلى رحمة الله تعالى وأصبحت کالوردة البیضاء منفصلة عن جذور حیاة العالم المادی وترکت جسدها الترابی. ان استشهاد بنته العزیزة لم تثن إرادته وأحدثت ثورة جدیدة فی روحه الطیبة.
انه أقام الصلاة على بنته محبوبة ووضعها فی القبر بیده وارجع الأمانة الإلهیة إلى صاحبها وقال فی رثاء بنته بألم: محبوبة عندما کانت تفوح رائحة الکافور من جسدک البارد وکانت الدماء تنزف من ظهرک حیث رصاصة العدو، إننی أقسمت بقطرات دمک بان استشهد مثلک وکما أدت مظلومیتک إلى فضح النظام البهلوی الخائن فان موتی سیصبح مثلک. یا محبوبة ان العدو الغادر الذی استهدف ظهرک من وراء الحجاب الأسود انه فضح نفسه. یا محبوبة لو کان من المقرر بان الله تعالى ان یمنح هذه النعمة الکبیرة التی منحها لک، لی فإننی أتمنى بان أقف فی وجه العدو کی أرغمه على القیام بالعمل الغادر وفضح نفسه بموتی. فأنک ان لم تکونی الیوم فی بیتنا فکافة أهل الأسرة أصبحوا محبوبة: مریم وسکینة وزهراء ومسعود ومهدی وأنا وأمک والجمیع أصبح محبوبة ونموت کمحبوبة.
بعد ان تصاعدت وتیرة الاحتجاجات فی الشهور الأخیرة من حیاة نظام البهلوی الفاسد استمر بنضاله وعندما أغلق شابور بختیار مطار مهر آباد لمنع عودة الإمام الخمینی قدس سره إلى الوطن الإسلامی فانه قام بالاعتصام برفقة عدد من علماء الدین المناضلین احتجاجا على هذا العمل لبختیار فی مسجد جامعة طهران. فی الثانی عشر من بهمن عام 1357ه.ش إذ کان یؤدی دورا بارزا فی لجنة الترحیب بإمام الأمة، حضر جنة الزهراء سلام الله علیها وشاهد بأم عینه حصیلة دماء أمثال محبوبة فی صفوف الشعب الإیرانی.
صناعة القوات واجب ثوری
بعد انتصار الثورة الإسلامیة رأی الأجواء ملائمة لتعلیم الجیل المستقبل من أبناء إیران الإسلامی وتنشئتهم وقام بأمر التربیة والتعلیم وبإرادة قویة استمر بمساعیه لتحقیق النمو الفکری والازدهار الاجتماعی لأبناء الشعب. انه بذل جهودا خالصة فی تنظیم وتصمیم برامج وزارة التربیة والتعلیم وسافر للرقی بالمستوى الکیفی والکمی لمدارس إیران فی الخارج إلى ترکیا والکویت والعراق والإمارات العربیة المتحدة والبحرین وقطر والى جانب متابعة الأهداف والمهام الملقاة على عاتقه، قام بأعمال فی سبیل نشر الأحکام الإسلامیة والدینیة السامیة. کما تولى منصب المدیر العام للمجموعة الثقافیة والمفتش الخاص فی وزارة التربیة والتعلیم.
کان یعتبر الشهید دانش اشتیانی بان قلة القوات الإنسانیة المتخصصة تعد المشکلة الرئیسیة فی تلک الآونة من الثورة ویقول على وزارة التربیة والتعلیم ان تنفذ برامجها الثوریة على مستوى البلاد وتقوم بتقویة ونشر معاهد إعداد المدرسین فی مرکز المحافظة بواسطة تکوین معاهد تعلیمیة ومسائیة وتقویتها فی مراکز کافة المدن کما علیها ان تقوم بإنشاء وحدة تعلیمیة کاملة فی مرکز القریة وتوفیر الوسائط النقل للقرى المجاورة بدلا من تکوین وحدة تعلیمیة فی کل قریة مکونة من عدة صفوف کما علیها ان تزید من مراکز إعداد المدرسین وتعد الإمکانات لدراسة الناشئین وتوفر ضروریات النمو العلمی والتوعیة والالتزام بالدین فی الجانب الکمی کما الجانب الکیفی وهکذا علیها ان تعمل على تکوین الجیش الثوری المکون من 20 ملیون شخص. لو کنا نمتلک قوات إنسانیة ملتزمة وواعیة وناشطة فکانت کل من الحرس الثوری والجهاد ولجنة الثورة ومحکمة الثورة وکافة المؤسسات الثوریة تمتلک الإمکانیات للعمل بشکل کبیر ان التربیة والتعلیم والتعلیم العالی والمدرسة والجامعة والطالب وعالم الدین یجب ان یلبوا الحاجات ویسدوا الفراغ ویجعلوا کافة المؤسسات فی البلاد تحقق الاکتفاء الذاتی.
العمل التنظیمی، الإصرار الجهادی
انه کان یرى تکوین التنظیم الإسلامی أمرا ضروریا لخلق الوئام بین قوات حزب الله وتنظیم المساعی الثوریة، على هذا انه انضم بعد تأسیس حزب الجمهوریة الإسلامیة وبسبب معرفته بالشهید بهشتی للحزب وأصبح من الأعضاء الناشطین فی الحزب. کما انه کان یعرف الم الناس وکان یتألم من عدم اهتمام نظام البهلوی بالمناطق المحرومة، فبعد بدایة نشاط جهاد البناء فی البلاد، قام بتأسیس هذه المؤسسة الثوریة فی مدینة آشتیان بهدف تنمیة المدینة وعمرانها.
فی بیت الشعب (مجلس الشوری الاسلامی)
انه دخل المجلس فی الدورة الأولى من انتخابات مجلس الشورى الإسلامی کمندوب لمدن تفرش وآشتیان وخلجستان واستمر بالدفاع عن إنجازات الثورة الإسلامیة فی هذا الحصن. انه قد دخل المجلس بهدف تقدیم الخدمة للشعب ونظام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وکان یقول: إننی أرى بأنه المجلس الذی تکون بحریة وأصالة وبکل ما تحمله الکلمة من معنى، یعد ایرانا صغیرا، یعتمد على الدین وأصوات الشعب واحتفظ ویحتفظ بأصالة حریته.
انه یرى: ان تحقیق الاستقلال الاقتصادی والسیاسی والتخلص من قیود الأسر والتبعیة والاقتصاد الذی یعتمد على شکل واحد من أشکال التجارة لا یأتی دون الثورة على القیم والسیر نحو الفضائل والثقافة الإسلامیة الناشطة وتربیة أناس صالحین ومتدینین.
طریق الخمینی, مسار الإنسان
انه کان یؤمن بثقافة الشهادة والتضحیة فی طریق الحق إیمانا خاصا، وکان یحترم الذین یضحون بأنفسهم فی سبیل المحافظة على حصون العقیدة، احتراما خالصا وکان یبدأ فی مختلف الأوساط ومنها مجلس الشورى الإسلامی، کلامه بذکر الشهداء ووصایاهم حول استمرار طریقهم. انه کان یحترم مکانة الشهداء السامیة کل الاحترام وکان یقول ان الشهداء هم أبناء حسین العصر الحقیقیین انهم أنصار کربلاء إیران المخلصین إذ استوعبوا بوعی بأنه لا طریق هناک إلا إصلاح الفکر والعمل للتخلص من السقوط وللحؤول دون تلقی الخسائر والقضاء على الإنسان. انه قبلوا بهذه الحقیقة بکل وجودهم وعرفوا بان الصلاح یکمن فی الفکر.
نحو السماء
دخل الدکتور غلام رضا آشتیانی یوم الأحد السابع من تیر عام 1360ه.ش بعد إقامة صلاة المغرب والعشاء برفقة 72 من أصحاب الإمام الخمینی قدس سره الشریف الأوفیاء فی قاعة اجتماع المکتب المرکزی لحزب الجمهوریة الإسلامیة الواقع فی شارع سرجشمة فی طهران کمندوب للمجلس کی یقوموا بالبحث حول القضایا السیاسیة والثقافیة والاقتصادی فی البلاد بحضور الشهید بهشتی والمتواجدین فی هذا المحفل الکریم لکن بعد بدایة الاجتماع، حلقوا نحو السماء اثر تفجیر قنبلة قویة وضعها عملاء الاستکبار ودفن إلى جانب شهداء الإسلام والثورة وبنته العزیزة.