طوال تكوين الثورة الإسلامية وانتصارها، تولت المواكب الدينية القيام بوظائف جديدة، فضلا عن الاحتفاظ بالمهام التقليدية. ويمكن الإشارة من ضمن تلك المهام الثورية التي قامت بها المواكب الدينية، إلى الوظائف السياسية والعسكرية والثقافية والفنية والاجتماعية والاقتصادية. وفقا لتلك المهام كانت تشكل تلك الوظائف داخل المواكب الدينية النواة الثورية، تعلم الثوار التعليم الديني، وكانوا يوزعون الشعارات والإعلانات والأشرطة والصور الثورية بعد إعدادها، ان تكريم مكانة الثوار وذكرى الشهداء في إطار جلسات القرآن والأحكام الإسلامية ومجالس العزاء، كان يتم داخل تلك المواكب.
نظرا إلى تلك القضايا فان الظروف الخاصة للمواكب الدينية وبنيتها، كانت توفر إمكانية تنظيم النشاطات السياسية وتعبئتها في خضم الثورة الإسلامية والى جانب المؤسسات الأخرى بشكل بارز. على هذا يقوم مركز وثائق الثورة الإسلامية بإعادة قراءة أنشطة بعض المواكب الدينية المؤثرة في خضم الثورة الإسلامية، فيما يلي الجزء الأول من هذا التقرير إذ يتطرق إلى دراسة دور موكب بني فاطمة سلام الله عليها وموكب القائمية وموكب بني زهراء سلام الله عليها السلام.
جدير بالذكر باننا قمنا بدراسة موكب بني فاطمة سلام الله عليها، في القسم (1) ونقوم بدراسة موكب القائمية في هذا القسم.
ب) موكب القائمية
1- تاريخ موكب القائمية
ان مؤسس الموكب هو الشيخ محمد طهراني، كما يصرح بهذا شقيقه، احمد طهراني، لكن ورد في تقارير السافاك بان سيد محمد مهدي موسوي خلخالي ابن سيد فاضل إمام جماعة مسجد مهدوية، هو المؤسس للموكب. بداية تأسيسها أي عام 1325 لم يكن للموكب مكان ثابت، وكانت تقام المجالس في بيوت الأصدقاء. بالتزامن مع تأسيس الموكب كانت تقام احتفاليات منتصف شعبان. في عام 1332 قاموا بوضع المصابيح في الشوارع احتفالا بمولود القائم (عج)، وبهذا خرجوا من إقامتها في البيوت. ان بيت الراحل الحاج حبيب الله زاهدي في شارع خراسان، كان مكانا لإقامة المراسم لثلاثة أعوام. انهم قاموا بإضاءة الزقاق وتزيينه. ومن خلال الألعاب النارية والأناشيد الدينية أثاروا الحماس في الناس.
ان مراسم الموكب كانت تقام منذ عام 1336 في مسجد الصدرية الواقع في شارع خراسان. أقام الموكب اول برامجه في المسجد ليلة 13 رجب أي ذكرى ميلاد الإمام علي عليه السلام. توسع نطاق نشاطات الموكب إلى مسجد صدرية وسنحت كبيرة لمحمد طهراني كي يلقي خطبة ويكشف عن جرائم الرؤساء ويفضحهم.
كان يحضر الشباب في المسجد ويقومون بالنشاطات الدينية والاجتماعية. في اول سنة أقيمت احتفالات منتصف شعبان في مسجد الصدرية، قدمت برامج جديدة. منها وضع لافتات كبيرة. وبما ان تلك الأعمال تمت في منتصف الشتاء، وخاصة كان شباب الموكب يقومون بالعمل ليلا، ودون امتلاكهم الآليات الحديثة، فكان من الصعب القيام بتلك الأعمال، كما قاموا بتزيين الشارع من خلال وضع المزهريات والورود والخ وملخص القول كان الجميع يعملون ويقومون بعمل ما ويعرضون ما في جعبتهم من فنون.
ان تواجد الطلاب في المدارس بأزياء مماثلة وجميلة، وحاملين الورود وهم ينشدون الأناشيد في طريقهم من المدرسة إلى المسجد كان من الأعمال الملفتة للأنظار. وأثارت اهتمام الجميع. من خلال تلك الأعمال وما قامت بها إدارة المسجد شارك الكثير من الناس في الاحتفاليات وكانوا في طوابير طويلة لتقديم التهنئة بمناسبة مولود القائم (عج)، وبعد انتهاء الاحتفاليات وعند الخروج كان موكب القائمية يمنح المواكب الأخرى هدايا من ضمنها الفضة.
ان أنشطة موكب القائمية في مسجد صدرية استمرت أكثر من 27 سنة وبما ان إمكانات المسجد لم تكن تلبي الحاجات، فكان من الضروري بان يتم الإعداد لمكان جديد، على هذا تم شراء مكان تبلغ مساحته 1560 مترا، وتم بناء الموكب الحالي. منذ بداية تأسيس موكب القائمية وبغية الحؤول دون نشر الانحرافات عن الدين ونشر الفساد الاجتماعي، مثل بيع الكحول ونشر السفور والخ، قام الموكب بنشر فتاوى لمراجع التقليد الكبار.
ان موكب القائمية كان فعالا في فترة حكم مصدق، وصدر بيانات كثيرة معارضة لحكومة مصدق، كتب جلها الشيخ محمد طهراني وهو شقيق الحاج احمد طهراني، ونشرها. ان طهراني بنى علاقات وطيدة بنواب صفوي وكان الموكب يعمل في سبيل أهداف حركة فدائيان إسلام وخططها. في فترة الشاه صدر محمد طهراني بيانات كثيرة معارضة للشاه، والتقى عدة مرات بالإمام الخميني قدس سره وبسبب الأنشطة السياسية ونضاله مع الشاه تم اعتقاله وإيداعه السجن. بعد اعتقاله بسبب معارضته مع حكومة مصدق، طالب آية الله كاشاني بإطلاق سراحه، وبما انه كان رئيسا للمجلس في تلك الآونة، اعتصم في بيته، وكما نشاهد في الوثائق بان السافاك قد استدعت حاج احمد طهراني وحتى أودعت احمد ومحمد طهراني، بغية الحؤول دون تأسيس موكب القائمية.
2- نسبة المشاركة الشعبية والقاعدة الاجتماعية
في موكب القائمية شاركت كل الطبقات الاجتماعية (التلاميذ والطلاب والخ) لكن المعلومات التي وردت على لسان احمد طهراني من خلال إجراء مقابلة معه، تدل على ان موكب القائمية كان على علاقة بفدائيين الإسلام وكانت تنفذ أهدافها. كما يدل تقرير السافاك في طهران فيما يتعلق باجتماع أعضاء موكب القائمية في مسجد الصدرية (المنتمية إلى جمعية فدائي الإسلام) بانه كان على علاقة بموكب القائمية بفدائي الإسلام. في وثيقة أخرى تعرف السافاك موكب القائمية كأساس لقيادة فدائيين الإسلام. وفي نفس الوثيقة ورد بان موكب القائمية يعتبر من ضمن المواكب الثورية الدينية. كما ورد في التقارير بان أكبر نسبة المشاركين في الموكب بلغت 250 شخصا.
3- المناضلون وشهداء الموكب الثوار
لو ألقينا نظرة على الوثائق وكذلك مقابلة احمد طهراني، لرأينا بان الشيخ محمد طهراني في فترة رضا شاه ألقى خطابة شديدة اللهجة معارضة لرضا شاه وما يقوم به من ممارسات لا دينية. انه كان من المناضلين الناشطين في فترة تأميم النفط وكان من أنصار جبهة آية الله كاشاني، وبسبب نشر بيانات معارضة لحكومة مصدق، اعتقلته السافاك وألقته في السجن. كان غلام رضا كرباسجي من الأعضاء الناشطين في موكب القائمية. وقال في هذا المجال: انني كنت عضوا في موكب القائمية بقيادة سماحة الشيخ محمد طهراني والخ.
وضع السافاك عميلا خاصة في الموكب كي يحضر في كل اجتماعاته ويرسل الأخبار. ورد في وثيقة لوثائق السافاك بان العميل الخاص اتصل بأحد أعضاء الموكب الناشط وهو حسين بور قمي وعرف الكثير من الأمور التي تجري في الموكب. في هذا المجال قال احمد طهراني بان عملاء السافاك في الموكب حضروا في الموكب وبغية الحؤول دون أنشطة الموكب قاموا باعتقاله واعتقال الشيخ محمد طهراني وبقي في السجن لعام من الزمن.
ت) موكب بني الزهراء سلام الله عليها
1-تاريخ موكب بني الزهراء سلام الله عليها
يقول هوشنك طريقت حول تاريخ الموكب: ان موكب بني الزهراء سلام الله عليها كان يقيم اجتماعاته بداية في بيوت أحد الأعضاء، وكان يقوم الأعضاء بتوفير المال لشراء الحاجات وكان والد هوشنك طريقت وهو الحاج رضا رحمه الله يدفع التكاليف الخاصة بالرادود. حتى تم شراء أرضا في عام 1334 بالقرب من بيت رضا طريقت وبنيت حسينية بني الزهراء سلام الله عليها، ان السافاك يعرف الحاج محمد طريق منفرد بالشخص الذي كان يدير الموكب. كانت إقامة العزاء ممنوعة في عهد رضا شاه، وحتى لم يسمع نداء يا حسين مرة واحدة، استطاع الناس في اول محرم بعد سقوط رضا شاه ان ينزلوا في الشوارع ويقيموا العزاء، في عهد رضا شاه كانت تقام العزاء في الأزقة وكان أعضاء الموكب قد عينوا أشخاصا لمراقبة الأجواء حتى لا يعرف جنود الحكومة الأمر وكانوا يخبرون بعضهم البعض عند حدوث أي أمر. في العام الأول من حكم محمد رضا بهلوي لم يكن الناس على استعداد، ونتيجة ممارسة الضغوط على يد الناس كانوا يبحثون عن مكان للتعبير عما يجري في قلوبهم. من الخطباء الشهيرين في الموكب يمكن الإشارة إلى آية الله وحيد خراساني، وآية الله شريعتمداري والشيخ إسلامي سبزواري وآية الله فلسفي والشيخ حاجي أشرف والخ. ان سبب اهتمام السافاك بالموكب هو مشاركة هؤلاء الخطباء. ان الخطباء كانوا يتحدثون عن القضايا المعاصرة ويعرفون الناس بأوضاع المجتمع. كان الحاج رضا طريقت يقوم بتسجيلها وهناك أرشيف من تلك الخطابات في موكب بني الزهراء عليها السلام. من بين الخطباء كان آية الله وحيد خراساني يمنع تسجيل خطاباته. وفي المرة الوحيدة التي تم تسجيل خطابته كشف السافاك الأمر. وفي فترة حياة الحاج طريقت وبسبب الخلافات التي ظهرت في صفوف الموكب انفصل عدد من الأعضاء وانضموا إلى موكب المهدوية، لكنه لم يستمر الموكب بالعمل لفترة طويلة وتم إغلاقه. وفي يومنا هذا يقوم الموكب بإجراء برامج في العشرة الأولى من شهر محرم ويوم 21 من شهر رمضان وكذلك في يوم الجمعة لدعاء الندبة.
2-نسبة المشاركة الشعبية والقاعدة الاجتماعية
ان مختلف الطبقات الشعبية كانت تشارك في الجلسات الدينية لموكب بني الزهراء عليها السلام، وحتى أعضاء عدة مواكب مثل الزينبية والمهدوية وأنصار عباس الحسين. هذا ولم يكن موكب بني فاطمة سلام الله عليها مكانا لمشاركة طبقة خاصة كالطلاب والتجار. كما لم يكن هذا الموكب على علاقة بمجموعة أو حزب سياسي خاص حتى يتابع أهدافه، على غرار موكب القائمية. نظرا إلى الوثائق المتوفرة كان يشارك في موكب بني فاطمة سلام الله عليها ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص.
3- المناضلون وشهداء الموكب الثوار
نظرا إلى تقارير السافاك فان موكب بني الزهراء وبسبب مشاركة مختلف علماء الدين في الموكب وتسجيل محاضراتهم، كان محط اهتمام السافاك. وكان شخص يدعي غفاري عميلا لسافاك.