الامام الخميني اعطى القضية الفلسطينية عموماً و القدس خاصة ، بعداً دينياً و استراتيجياً ، حيث كان سماحته يردد أن اسرائيل غدة سرطانية في جسد العالم الاسلامي ينبغي استئصالها .
كانت القدس و مازالت احدى المفردات الكبيرة في مسيرة الثورة الاسلامية منذ انتصارها عام 1979. فشعار القدس كان مرفوعاً في التظاهرات المليونية الى جانب لافتات اسقاط النظام الشاهنشاهي و الموت لأميركا و اسرائيل . ومع ان الشعب الايراني المسلم يعشق القدس ، فان الامام الخميني اعطى القضية الفلسطينية عموماً و القدس خاصة ، بعداً دينياً و استراتيجياً ، حيث كان يردد أن اسرائيل غدة سرطانية في جسد العالم الاسلامي ينبغي استئصالها . إذ كان سماحته يرى ثمة ارتباطاً وثيقاً بين انظمة الحكم في المنطقة الاسلامية و اسرائيل و الدول الاستعمارية ، و بالتحديد الولايات المتحدة الاميركية . و لذلك فان مواجهة أي من هذه الدوائر في نظر الامام الخميني (قدس سره) يجب أن تكون متزامنة .
و في ضوء هذا الفهم الاستراتيجي للقضية الفلسطينية ، رفض الامام الخميني عرضاً من حكومة الشاه بأن تقدم له كل ما يريد مقابل ترك الحديث عن ثلاثة أمور هي ( الشاه و اميركا و اسرائيل ) . و يومها قال الامام للوسيط الشاهنشاهي : إذا سكت عن هذه القضايا فاذا بقي ؟ .
كان هذا العرض الحكومي على الامام الخميني قبل اندلاع انتفاضة " الخامس عشر من خرداد " - حزيران 1963 - ، التي نفي بسببها سماحته الى تركيا و من ثم الى العراق ، و هو ما يعطي انطباعاً واضحاً عن مركزية القضية الفلسطينية في فكر الامام الخميني ( قدس سره) .
و من هنا جاء اعلان الامام ليوم القدس عام 1980 ، ليمثل حالة التواصل الاستراتيجي لدى سماحته ازاء القضية الفلسطينية ، خاصة و ان يوم القدس يقام - حسب اعلان الامام - في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك .
لقد اراد الامام الخميني ، شدّ انظار المسلمين وهم يؤدون فريضة الصوم ، و في ظل ليالي القدر العظيمة ، الى ضخامة الجريمة التي يرتكبها الصهاينة في اغتصاب اولى القبلتين و ثالث الحرمين ، بالاضافة الى ما يعانيه الفلسطينيون من مآسي و آلام .
أن يوم القدس لا يقل خطورة و اهمية عن يوم انتصار الثورة الاسلامية المباركة . فالامام الخميني لم يكن يريد من الاعلان عن يوم القدس مجرد تنظيم الاحتجاجات و اقامة المسيرات ، و براز روح التضامن مع الشعب الفلسطيني المسلم ، بل دفع الامة الاسلامية نحو التفكير جدياً في انقاذ القدس من قبضة الصهاينة المجرمين . و لا أدل على التشابه الكبير بين عظمة يوم انتصار الثورة و يوم القدس ، من الاندفاعة الجماهيرية العظيمة في هذين اليومين .
ففي الجمهورية الاسلامية ايام خالدة لها وقع خاص في حياة الشعب الايراني المسلم ، و ليس مبالغة القول أن هناك يومين يتميزان بخصوصيات استثنائية . يوم الحادي عشر من شباط ذكرى انتصار الثورة ، و يوم القدس .
ففي يوم انتصار الثورة يخرج الجميع في مسيرات حاشدة وهم يجددون الولاء و الوفاء للقيادة الاسلامية ، و الاستمرار في مواجهة قوى الاستكبار العالمي . إذ يعتقد الايرانيون بأنهم حصلوا على حريتهم و استقلالهم في مثل هذا اليوم الذي يجب ان يحتفل به الجميع مهما كانت اتجاهاتهم السياسية و الفكرية . و لذلك و رغم مرور ستة و ثلاثين عاماً على انتصار الثورة الاسلامية ، و هي أعوام مليئة بالمخاطر والتحديات ، يصرّ الايرانيون على زرع اليأس و الاحباط في نفوس الاعداء الذين يراهنون باستمرار على احتمال حصول التباعد بين الثورة و الامة .
و في يوم القدس يخرج الجميع ايضاً ، ابتداءً من رئيس الجمهورية و الوزراء و النواب و القادة العسكريون ، و مروراً بباقي فئات الشعب ، و انتهاء بالاطفال و الشيوخ و حتى العجائز، حيث يحرص الجميع على المشاركة في مسيرات يوم القدس رافعين لافتات كتب عليها مقولات للامام الخميني تؤكد على ضرورة تحرير القدس .
أن ذكرى يوم انتصار الثورة الاسلامية تعطي الامل بانتصار الاسلام في جميع ارجاء العالم الاسلامي . كما ان ذكرى يوم القدس تجدد التحدي و تقوي عزيمة المسلمين في مواجهة الاستكبار و الصهيونية العالمية و الكيان الغاصب للقدس .
لقد احتفلت الجمهورية الاسلامية بيوم القدس عام 1980 وكان العالم الاسلامي يومئذ يعيش بدايات الصحوة الاسلامية ، و لم يكن احد يتوقع أن تتعاظم هذه الصحوة بمثل ما هي عليه اليوم ، بحيث اعتقد الكثيرون أن النهوض الاسلامي ليس اكثر من فورة عاطفية سرعان ما تزول مع اشتداد عمليات القمع و الاضطهاد التي تمارسها انظمة الحكم في الدول الاسلامية . لكن الذي حدث كان العكس تماماً ، رغم قسوة ما يواجه المسلمون من تحديات و صعوبات . و لم يمض وقت طويل حتى اتضح أن هناك جبهتان الاولى تمثل الاستكبار و الصهيونية و الانظمة المتخاذلة ، و الثانية الحالة الاسلامية التي اخذت تتنامى و تستقطب الساحة على نطاق واسع .
لقد كان الانزعاج واضحاً لدى جميع الدوائر السياسية الاقليمية و الدولية من اعلان الامام الخميني ليوم القدس العالمي . واذا كان عدم الارتياح الدولي مبرراً و معروفاً سلفاً ، فان تشكيك الاطراف الاقليمية و عدم تفاعلها مع هذه المبادرة ، قد كشف لكثيرين زيف هذه الاطراف في الدفاع عن فلسطين فضلاً عن تحريرها.
ولا شك في ان السبب المباشر وراء هذا الانزعاج ، يعود الى أن الامام الخميني اعطى للقضية بعداً دينياً ، حيث تدرك جميع الجهات خطورة الطرح الاسلامي للقضية الفلسطينية ، خاصة و ان هذا الطرح تزامن مع الهزائم المتكررة التي مني بها الخط القومي و اليساري في المنطقة العربية و الاسلامية .
ان الاحتفاء بيوم القدس العالمي هذا العام ، يتزامن مع تطورات في غاية الخطوة تمرّ بها المنطقة الاسلامية . فالارهاب التكفيري يوغل في اراقة دماء المسلمين ، و التحالف الاميركي – الصهيوني لا يألوا جهداً في تقطيع اوصال العالم الاسلامي و مساندة ظاهرة العنف الداخلي في العالمين العربي و الاسلامي . و في ظل كل هذه التحديات التي تواجه الامة الاسلامية ، فان الخيار الوحيد يكمن في تضامن المسلمين و وحدتهم ، و المواجهة المفتوحة مع قوى الاستكبار بمختلف مسمياتها .
منير مسعودي