للمسجد قدسية خاصة ، و مكانة فريدة في قلب كل مسلم ، فهو المكان الذي تطمئن فيه النفوس ، و تهنأ في رحابه القلوب ، و تجد فيه الخلاص ، مما يساورها من قلق ، و النجاة مما تشعر به من خوف ، و الراحة مما تحس به من اضطراب ، إذ تتردد في جنباته أسبابُ الاطمئنان ، و بواعث الاستقرار و الأمان ، و منها ذكر الله تعالى ، و تتلى فيه آياتُ القرآن الكريم ، و يسمع في أنحائه كلُّ ما يطهر القلوب ، و يصفي النفوس ، و ينقي الأفكار و الأذهان ، و يزكي الأرواح و يهذبها ، و يغذيها و يشحنها بروح اليقظة الإيمانية ، و الاستقامة السلوكية.
فكلما ازداد تردد المسلم على المسجد ، كلما ازداد تعلقاً به ، و التصاقاً بخالقه ، و قرباً من مولاه و سيده ، فارتقى بروحه نحو مرضاة الرب ، و محاسبة النفس ، و مراتب الفضيلة ، و ابتعد عن النوازع العدوانية ، و الدوافع الإجرامية .
إن الفرد حين يلتصق بالمسجد التصاقاً وثيقاً ، ينعكس أثر ذلك إيجاباً على المجتمع بأسره ، حين يتلقى في المسجد معاني الفضيلة ، و قيم الإسلام السامية ، التي تشيع في النفوس الاطمئنان ، فتستقيم على المنهج الحق ، و تنحسر فيها دواعي الشرور و الإفساد.
و المسجدُ موئل يتسابق إليه المسلمون إذا نزلت بهم كارثة ، أو حَلَّت بأوطانهم مصيبة ، أو داهم ديارهم خطب ، أو هددهم خطر ، فيلجؤون فيه إلى ربهم ، و تخضع نفوسهم لعظمته ، و يلحون عليه بالدعاء ، و يظهرون له الذل و الخضوع و الاستكانة ، ليفرج كرباتهم ، و يزيح أحزانهم ، و يكشف بلواءهم ، و يدفع عنهم الشرور و الأدواء ، و يرفع عنهم المصيبة و البلاء ، و يفيض عليهم من خيراته ، و يعمهم بفضله و رحماته.
فحين تصاب البلاد بالقحط ، و يعمها الجدب ، و ينقطع عنها الغيث ، أو يتأخر نزوله ، فتغور المياه من الآبار ، و تموت الزروع و الأشجار ، يفزع الجميع إلى المساجد ليصلوا صلاة الاستسقاء ، و ترتفع أيديهم إلى مجيب الدعوات ، و يتضرعون إلى فارج الكربات ، و يريقون ماء الأسف على أوراق الذنوب و الخطيئات ، حتى يفتح عليهم من الفضائل و البركات ، و يفيض عليهم من النعم و الخيرات ، و يغير حالهم من شدة إلى رخاء ، و من عسر إلى يسرٍ و طمأنينةٍ و صفاء.
و يهرع المصلون إلى المساجد ، حين يخوفهم ربُّهم بالآيات ، و تحل بهم المصائب و النكبات ، و التي تهتز من هولها المشاعر ، و تقشعر من عِظَمِها الأبدان ، كالزلازل و الصواعق و الفيضان ، و كسوف الشمس و خسوف القمر و انفجار البركان ، بسبب التمادي في الغي و العصيان ، فينطرح الجميع بين يديه ، بدعوات خاشعة ، و قلوب خاضعة ، و عيون دامعة ، حتى يكشف ما حل بهم من البلاء ، و يرفع ما نزل ببلدانهم من الأضرار و عضال الداء .
و لتكون هذه الآيات موعظة و ذكرى ، ليأخذوا حذرهم ، و يستدركوا ما فات في بقية عمرهم ، و يستعدوا لما هو آت ، و يَجِدُّوا في إصلاح أنفسهم و تزكيتها ، و يجتهدوا في تقويم اعوجاجها و تربيتها ، حتى يتحقق لهم موعود ربّهم ، فيزول عنهم الحزن ، و يذهب عنهم الخوف ، و ينحسر عنهم القلق ، و ينعموا بالأمان ، و يعمهم الاستقرار و الاطمئنان.