بقلم: الإمام الخميني(قده)
مقدمة
الإنسان كائن من أكثر المخلوقات حيرة وتعقيداً.. كائن امتاز عن بقية الكائنات بفطرته وشخصيته المعنوية، فضلاً عن الغرائز الطبيعية والحيوانية والأحاسيس والمشاعر. إنه كائن مفكر وذو إرادة، يسخر عقله وجهده للبحث عن حلول للمعضلات التي تعترض طريقه من أجل حياة أفضل. وبموازاة بحثه وسعيه في هذا الطريق، يشيد تاريخه ثري معارفه التي ورثها عمن سبقوه، ويمهد الطريق للأجيال القادمة لاكتشاف المجهولات وتسخير البيعة بنحو أفضل وأوسع.
وفي ظل سعي الإنسان لتحقيق ميوله ورغباته وكفاحه المرير للسيطرة على الطبيعة، كثيراً ما يتم ـ للأسف ـ إهمال حقيقة قيمة للغاية وهي جوهر الشخصية الإنسانية، وبتعبير آخر ذات الإنسان، وتجاهل تزكيتها وتهذيبها.. الإنسان الذي نعته بارئ الوجود بأشرف المخلوقات. وقد ورد عن مفسري الوحي الحقيقيين في معرفة الإنسان ذاته قولهم: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أجل، إن تجاهل الأبعاد غير المتناهية لروح الإنسانية، وإهمال مواهبه وقدراته في طي مسير الكمالات والفضائل الأخلاقية؛ من الأمراض التي ابتليت بها معظم المجتمعات البشرية. وقد ضاعفت سيادة التكنولوجيا والحياة الآلية وسيطرة الماديين وعبدة الدنيا على حيز كبير من هذا العالم ـ من جهة ـ وعجز المذاهب والمدارس الفكرية عن تقديم نهج واضح وتفسير مطمئن عن حقيقة الإنسان وغايته ـ من جهة أخرى ـ ضاعفت من مسيرة التقهقر هذه و الابتعاد عن الذات والاغتراب عنها.
وفي هذا الشأن كان الأنبياء ودعاة التوحيد وحماة حريم المبادئ والقيم، وحدهم الذين جعلوا من تربية الإنسان هدفاً لجهادهم الطويل المتواصل، وأخذوا بناصية المجتمع الإنساني ـ بما ينسجم مع نور العقل ونداء الفطرة ـ على طريق الكمالات والقيم المتعالية. وإن ما خلده تاريخ الإنسان من مفاخر وقيم سامية وحضارات حقيقية، هو في الحقيقة كان ثمرة من ثمار هذه المجاهدات والتضحيات.
ولم تكن الثورة الإسلامية التي فجرها في عصرنا الحاضر رجل من رجالات الله، أمام حيرة ودهشة أنظار العالم.. لم تكن مجرد حركة سياسية أو انتفاضة شعبية انطلقت لإسقاط نظام متجبر ظالم؛ بل مثلث قبل ذلك انبعاثاً ثقافياً وأخلاقياً دعا الإنسان المعاصر المحبَط للعثور على فطرته الإلهية.
يقول مؤسس الجمهورية الإسلامية في وصيته الخالدة، عن ماهية الثورة العظيمة التي فجرها: "إن تحمل الأتعاب والمشاق والتضحيات والفداء والحرمان يتناسب مع مقدار عظمة الهدف وقيمته وعلو مرتبته. وإن الذي نهضتم أنتم أيها الشعب النبيل المجاهد من أجله، هو أعلى وأسمى وأثمن هدف ومقصد طرح ويطرح منذ بدء العالم في الأزل وحتى نهاية العالم إلى الأبد. إنه المدرسة الإلهية بمعناها الواسع، وعقيدة التوحيد بأبعادها السامية. إنه أساس الخلق وغايته في كل آفاق الوجود، وفي مراتب ودرجات الغيب والشهود. وهذا الهدف متجلّ في المدرسة المحمدية ـ على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ بكل المعاني والدرجات والأبعاد. وإن كل مساعي الأنبياء العظام والأولياء الكرام ـ سلام الله عليهم ـ انصبت على تحقيق هذا الهدف، وبدونه لا يتيسر السبيل إلى الكمال المطلق ولا إلى الجلال والجمال اللامتناهيين. إنه هو الذي يجعل "الأرضيين" أشرف من "الملكوتيين"، وما يناله الأرضيون من الاتجاه نحوه، لا تناله الموجودات الأخرى في كل أرجاء الخليقة ما خفي منها وما ظهر".
في منطق الإمام الخميني، لا يعد النضال وممارسة السياسة وتسلم مقاليد الحكم هدفاً بحد ذاته، بل أن تخرج من ساحة الصراع منتصراً، وقد قال عز من قائل: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها}. فالهدف تربية الإنسان وهدايته في مسيرته من عالم التراب إلى عالم الملكوت الأعلى.. الهدف يتمثل في تشكيل المجتمع وإعداد بيئة لا يعبد فيها غير الله تعالى، فتزيل أنوار العبودية والإخلاص والإيمان بالغيب، ظلمة الأهواء النفسانية والشهوات الدنيوية، وتضيء أنظار البشرية بنور جمال الحق في عالم الوجود، وتعيد حاكمية التوحيد وأبعاده المتعالية في مختلف العلاقات والنشاطات الإنسانية. ومثل هذا لا يتيسر إلا بتزكية النفس، الشيء الذي يجهله حكام الشرق والغرب، ويتعطش إليه عالم اليوم المنهك.
إن عظمة إنجاز الإمام الخميني وسر سحر تأثير كلامه وأفكاره في نفوس أتباعه، يكمنان في هذه الحقيقة. إنه لمن العبث أن يحاول البعض من خلال تحليلاتهم المادية البحث عن العوامل الاقتصادية والسياسية، للتعرف على السر الكامن وراء شعار "انتصار الدم على السيف"، ونجاح أنصار الإمام في إلحاق الهزيمة بأيدٍ عزلاء بواحد من أكثر الأنظمة العميلة لأميركا تسلحاً وتكديساً للسلاح. كذلك يعجز عن إدراك ماهية الثورة الإسلامية أولئك الذين لم يطلعوا ولم يتعرفوا على نجاحات الإمام في تجربة أساليب الجهاد مع النفس ومضمار "الجهاد الأكبر" الشاق والمضني.
"الجهاد الأكبر أو الجهاد النفس" عنوان هذا الأثر القيم لعارف أمضى عمراً في السير والسلوك والعبادة وخوض غمار هذا المسير المحفوف بالمخاطر. فالإمام الخميني الراحل، ومن قبل أن يرفع لواء النضال السياسي علناً، وكذلك خلال مراحل نضاله وفي ذروة جهاده، كان يوجه أنظار أتباعه ـ من خلال أمثال هذه الأبحاث ـ إلى أن نهجه ودربه يختلف عما اعتادت عليه الحركات السياسية والساسة المحترفون؛ وأن النضال السياسي والاقتصادي والعسكري لم يكلل بالنصر الحقيقي بمعزل عن الجهاد الأكبر أو جهاد النفس.
وموضوعات الكتاب هي في الحقيقة تقريرات1 لدروس ألقاها سماحة الإمام الخميني في مدينة النجف الأشرف بالعراق، على طلبة العلوم الدينية، قام محبو الإمام بتدوينها وطبعها ونشرها مراراً قبل انتصار الثورة الإسلامية داخل إيران وخارجها.
إن التحذيرات الواعية والإرشادات الأخلاقية القيمة التي كانت تصدر عن سماحة الإمام الخميني في تلك الأيام العصيبة، كانت تؤجج جذوة الإيمان والدوافع الربانية في نفوس طلبة العلوم الدينية والجامعيين والمتدينين، وتعمل على بلورة معالم النهضة وافتراقها عن مسيرة أولئك الذين لم يكونوا يدركون معنى تزكية النفس؛ ومن ثم بث بذور الإيمان والصدق والإخلاص في قلوب الباحثين عن الحقيقة، وقد أثمرت في النهاية بفضل العناية الإلهية، وشاهد العالم بأسره صوراً من بطولاتها وملاحمها عام 1978، وخلال الحرب العراقية التي فرضت على الجمهورية الإسلامية وكيف كانت حشود الشباب المؤمن تتدفق على جبهات القتال دفاعاً عن الإسلام والثورة وأملاً بالفوز بالشهادة. وفي هذا المجال حفلت جبهات القتال بمواقف وصور خالدة لا يذكر التاريخ نظيراً لها.
بسم الله الرحمن الرحيم
ها قد انقضت سنة أخرى من أعمارنا.. أنتم الشباب تسيرون نحو الهرم والشيخوخة، ونحن الشيوخ نقترب من الموت. فأنتم على علم بمدى التقدم العلمي الذي أحرزتموه وحجم المعارف التي اكتسبتموها في هذا العام الدراسي. ولكن ما الذي فعلتموه بالنسبة لتهذيب الأخلاق وتزكية النفس وتحصيل الآداب الشرعية والمعارف الإلهية؟ أية خطوة إيجابية خطوتم؟ وهل كان لديكم برنامج لذلك؟ للأسف لابد لي من القول بأنكم لم تنجزوا عملاً يستحق الذكر، ولم تقطعوا شوطاً يذكر على طريق إصلاح نفوسكم وتهذيبها.
الحوزات العلمية
إن الحوزات العلمية بحاجة إلى تعليم وتعلم المسائل الأخلاقية والعلوم المعنوية جنباً إلى جنب مع تدريس الموضوعات العلمية. فالإرشادات الأخلاقية وتربية القوى الروحية والإيمانية ومجالس الوعظ والإرشاد أمر ضروري. ينبغي أن تكون البرامج الأخلاقية والتربوية، ودروس التربية والتهذيب، وتعليم المعارف الإلهية التي مثلت الهدف الأساس من بعثة الأنبياء ـ عليهم السلام ـ رائجة وشائعة في الحوزات العلمية.
ولكن ما يؤسف له أن هذا النوع من البحوث المهمة والضرورية قلما يتم الاهتمام بها في المراكز العلمية. فالعلوم المعنوية والأخلاقية بدأت تتضاءل، وبات يخشى أن لا تتمكن الحوزات العلمية في المستقبل من تربية علماء أخلاق ومربّين مهذبين ومتقين ورجال ربانيين، إذ لم يبق البحث والتحقيق في المسائل المقدماتية مجالاً للاهتمام بالمسائل الأصلية والأساسية التي ركز عليها القرآن الكريم واهتم بها الرسول الأعظم (ص) وسائر الأنبياء والأولياء (ع).
من المفيد أن يهتم الفقهاء العظام والمدرسون الأعلام ممن هم محط اهتمام الجامعة ـ الحوزة ـ العلمية، بتربية الأفراد وتهذيبهم خلال تدريسهم وأبحاثهم، وأن يركزوا أكثر على القضايا المعنوية والأخلاقية. كما ينبغي لطلبة العلوم الدينية أن لا يتوانوا في سبيل اكتساب الملكات الفاضلة وتهذيب النفس، وأن يهتموا بالواجبات المهمة والمسؤوليات الخطيرة الملقاة على عاتقهم.
نصيحة إلى طلبة العلوم الدينية
أنتم الذين تدرسون اليوم في هذه المراكز العلمية وتتطلعون لأن تتسلموا في الغد زمام قيادة المجتمع وهدايته؛ لا تتصوروا أن كل واجبكم أن تحفظوا حفنة من المصطلحات، بل تقع على عاتقكم مسؤوليات أخرى أيضاً. ينبغي لكم أن تبنوا أنفسكم وتربوها في هذه الحوزات بحيث إذا ما ذهبتم إلى مدينة أو قرية وفقتم إلى هداية أهاليها وتهذيبهم. يؤمل منكم عند مغادرتكم الحوزات العلمية أن تكونوا قد هذبتم أنفسكم وبنيتموها بنحو تتمكنون من بناء الإنسان وتربيته وفقاً لأحكام الإسلام وتعاليمه وقيمه الأخلاقية. ولكن إذا ما عجزتم ـ لا سمح الله ـ عن إصلاح أنفسكم خلال مراحل الدراسة، ولم تكتسبوا الكمالات المعنوية والأخلاقية، فإنكم أينما ذهبتم ستضلون الناس ـ والعياذ بالله ـ وتسيئون إلى الإسلام وإلى علماء الدين.
تقع على عاتقكم مسؤولية ثقيلة وجسيمة. فإذا لم تعملوا بمسؤولياتكم في الحوزات العلمية ولم تفكروا بتهذيب أنفسكم، واقتصر همكم على تعلم عدد من المصطلحات وبعض المسائل الفقهية والأصولية، فإنكم ستكونون في المستقبل عناصر مضرة ـ لا سمح الله ـ للإسلام والمجتمع الإسلامي، ومن الممكن أن تتسببوا ـ والعياذ بالله ـ في إضلال الناس وانحرافهم. فإذا ما انحرف إنسان وضل بسبب سلوككم وسوء عملكم، فإنكم ترتكبون بذلك أعظم الكبائر، ومن الصعب أن تقبل توبتكم. كما لو أن شخصاً اهتدى بكم فإن ذلك خير لكم مما طلعت عليه الشمس، كما ورد في الحديث الشريف1.
إن مسؤوليتكم جسيمة للغاية.. وواجباتكم غير واجبات عامة الناس. فكم من الأمور مباحة لعامة الناس إلا أنها لا تجوز لكم، وربما تكون محرمة عليكم. فالناس لا تتوقع منكم أداء الكثير من الأمور المباحة، فكيف إذا ما صدرت عنكم ـ لا سمح الله ـ الأعمال القبيحة غير المشروعة، فإنها ستعطي صورة سيئة عن الإسلام وفئة علماء الدين. وهنا يكمن الداء. فإذا شاهد الناس عملاً أو سلوكاً من أحدكم خلافاً لما يتوقع منكم، فإنهم سينحرفون عن الدين ويبتعدون عن علماء الدين، وليس عن ذلك الشخص. وليتهم ابتعدوا عن هذا الشخص وأساءوا الظن به فحسب.
إذا ما رأى الناس تصرفاً منحرفاً أو سلوكاً لا يليق من أحد المعممين، فإنهم لا ينظرون إلى ذلك بأنه من الممكن أن يوجد بين المعممين أشخاص غير صالحين، مثلما يوجد بين الكسبة والموظفين أفراد منحرفون وفاسدون. لذا فإذا ما ارتكب بقال مخالفة، فإنهم يقولون إن البقال الفلاني منحرف. ولو ارتكب عطار عملاً قبيحاً، فإنهم يقولون: إن العطار الفلاني شخص منحرف. ولكن إذا ما قام أحد المعممين بعمل لا يليق، فإنهم لا يقولون: إن المعمم الفلاني منحرف، بل يقولون إن المعممين سيئون.
إن واجبات علماء الدين جسيمة للغاية، وإن مسؤولياتهم أعظم من مسؤوليات سائر الناس, فإذا ما رجعنا إلى (أصول الكافي)2 وكتاب (الوسائل)3، وتصفحنا الأبواب المتعلقة بواجبات علماء الدين فسوف نواجه بواجبات عظيمة ومسؤوليات خطيرة ذكرت لأهل العلم. ففي الحديث: "عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله الصادق يقول: إذا بلغت النفس ههنا (وأشار بيده إلى حلقه) لم يكن للعالم توبة. ثم قرأ: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة}1. وجاء في حديث آخر: عن حفص بن قياس عن أبي عبد الله (ع)، قال: "يا حفص، يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد."2، لأن معصية العالم تسيء كثيراً للإسلام والمجتمع الإسلامي. فإذا ارتكب العامي والجاهل معصية، فإنه يسيء إلى نفسه فحسب ويضرها. ولكن إذا ما انحرف العالم وارتكب عملاً قبيحاً فإنه سيحرف عالماً، وأسيء إلى الإسلام وعلماء الدين3، وأن ما ورد في الحديث من أن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه4، هو لأنه يوجد فرق كبير في الدنيا بين العالم والجاهل بالنسبة لنفعهم وضررهم للإسلام والمجتمع الإسلامي.
فإذا ما انحرف العالم فمن الممكن أن يضل أمة بأسرها ويجرها إلى الهاوية. وإذا كان مهذباً يراعي الأخلاق والآداب الإسلامية، فإنه يعمل على هداية المجتمع وتهذيبه.
فقد كنت أرى في بعض المدن التي كنت أذهب إليها في فصل الصيف، أهالي تلك المدن ملتزمين بآداب الشرع إلى حد كبير. والسبب في ذلك كما اتضح لي، هو أنه كان لديهم عالم صالح ومتق. فإذا كان العالم الورع والصالح يعيش في مجتمع أو مدينة أو إقليم ما، فإن وجوده يبعث على تهذيب أهالي تلك المدينة وهدايتهم، وإن لم يكن يمارس الوعظ والإرشاد لفظاً5.
لقد رأينا أشخاصاً كان وجودهم يبعث على الموعظة والعبرة.. إن مجرد النظر إليهم كان يبعث على الاتعاظ والاعتبار. وأنا أعلم الآن إجمالاً أن مناطق طهران تختلف عن بعضها. فالمنطقة التي يقطنها عالم ورع ومتق، يكون أهاليها مؤمنين صالحين. وفي محلة أخرى حيث أصبح أحد المنحرفين الفاسدين معمماً وأصبح إماماً للجماعة وفتح دكاناً له، تراه يخدع الناس ويلوثهم ويحرفهم.
إن هذا التلوث هو الذي يتأذى من رائحة تعفنه أهل جهنم.. إن هذا التعفن والأعمال السيئة التي يجترحها عالم السوء والعالم غير العامل والعالم المنحرف في هذه الدنيا، هي التي تتحول إلى روائح كريهة تؤذي مشام أهل جهنم في الآخرة، دون أن يضاف لها شيء في تلك الدنيا. فالذي يحدث في عالم الآخرة الشيء ذاته الذي كان في هذه الدنيا؛ فلا يضاف شيء إلى أعمالنا وإنما تتحقق ذاتها.
فإذا ما اتصف العالم بالإفساد والخبث فإنه سيجر المجتمع إلى الانحطاط والتعفن؛ غاية الأمر أن حاسة الشم في هذه الدنيا لا تشم رائحة تعفنه، ولكن في الآخرة تشم. بيد أن الشخص العامي ليس باستطاعته أن يوجد مثل هذا الفساد والتلوث في المجتمع الإسلامي. الشخص العامي لم يسمح لنفسه أبداً أن يدعي الإمامة والمهدوية والنبوة والألوهية. العالم الفاسد هو الذي يجر العالم إلى الفساد: إذا فسد العالم فسد العالم1.
أهمية تهذيب النفس وتزكيتها
إن غالبية الذين تظاهروا بالتدين وتسببوا في انحراف كثيرين وإضلالهم، كانوا من أهل العلم. فبعض هؤلاء درسوا في المراكز العلمية الدينية ومارسوا الرياضات النفسية2، حتى إن مؤسس إحدى الفرق الضالة قد درس في حوزاتنا العلمية هذه، ولكن نظراً لأن دراسته لم تكن مقترنة بتهذيب النفس وتزكيتها، لم يخط على الصراط المستقيم، ولم يتمكن من إبعاد نفسه عن الرذائل، فكانت عاقبته كل تلك الفضائح. فإذا لم يتخلص الإنسان من الخبائث، فإن دراسته وتعلمه لا تجديه نفعاً بل تلحق به أضراراً أيضاً.
فالعلم عندما يكون في أرضية غير صالحة، سوف ينبت نبتاً خبيثاً ويصبح شجرة خبيثة. وكلما تكدست هذه المفاهيم في القلب المظلم غير المهذب، ازدادت الحجب أكثر فأكثر: "العلم هو الحجاب الأكبر". ومن هنا كان شر العالم الفاسد بالنسبة للإسلام أخطر وأعظم من كل الشرور.
العلم نور، إلا أنه في القلب المظلم والقلب الفاسد، يجعل الظلمة أكثر عتمة. كما أن العلم يقرب الإنسان من الله تعالى، إلا أنه في النفس الطالبة للدنيا يبعث على الابتعاد ـ أكثر ـ عن محضر ذي الجلال. وعلم التوحيد أيضاً إذا لم يكن خالصاً لله فإنه يتحول إلى حجب ظلام، لأنه انشغال بما سوى الله. ولو أن شخصاً حفظ القرآن بالقراءات الأربع عشرة لغير ـ وجه ـ الله تعالى وتلاها، فإنه لن يجني سوى الحجاب والابتعاد عن الحق تعالى.
فلو درستم وتحملتم الصعاب في هذا السبيل، فقد تصبحون علماء، ولكن ينبغي أن تعلموا أن ثمة فرقاً كبيراً بين "العالم" و "المهذب".
كان أستاذنا المرحوم الشيخ الحائري1 (رحمه الله) يقول: "يقولون: من السهل أن تصبح معمماً ـ رجل دين ـ ولكن كم هم صعب أن تكون إنساناً". إلا أن هذا القول غير صحيح، إذ ينبغي القول: من الصعب أن تصبح عالماً ومن المستحيل أن تكون إنساناً.
إن اكتساب الفضائل والمكارم الإنسانية والمعايير الآدمية أصعب وأشق بكثير من التكاليف الملقاة على عاتقنا. فلا تتصوروا أنكم بانشغالكم الآن بطلب العلوم الشرعية ودراسة الفقه الذي هو أشرف العلوم، قد ارتحتم وعملتم بواجبكم وتكليفكم. فإذا لم يتوافر الإخلاص وقصد القربى، فإن هذه العلوم لا تنفع شيئاَ.
إذا كان تحصيلكم العلمي لغير الله والعياذ بالله، وبدافع الأهواء النفسية والاستحواذ على المراكز الاجتماعية والوجاهة الدنيوية، فإنكم لن تجنوا غير الوزر والويل والوبال.. إن هذه المصطلحات إن لم تكن لوجه الله تعالى، فستكون وزراً ووبالاً. إن هذه المصطلحات مهما كثرت وعظمت، إذا لم تكن مقرونة بالتهذيب والتقوى فإنها سوف تنتهي بضرر حياة المسلمين وآخرتهم..
إن مجرد تعلم هذه المصطلحات لا يجدي نفعاً. كما أن علم التوحيد إذا لم يقترن بصفاء النفس سيكون وبالاً. فما أكثر الأشخاص الذين كانوا علماء في علم التوحيد ولكنهم كانوا سبباً في انحراف جموع غفيرة من الناس.. فكم من الأشخاص كانوا يتقنون هذه الدروس التي تدرسونها بنحو أفضل منكم، ولكن نظراً لأنهم كانوا منحرفين ولم يصلحوا أنفسهم ويهذبوها، فإنهم عندما نزلوا إلى المجتمع أضلوا الناس وأفسدوا كثيرين.
فإذا تجردت هذه المصطلحات الجافة من التقوى وتهذيب النفس، فإنها كلما تكدست في الذهن أكثر، تعاظم التكبر والغرور في دائرة النفس أكثر فأكثر. وإن عالم السوء الذي سيطر عليه الغرور والتكبر، لم يتمكن من إصلاح نفسه والمجتمع، ولم يجلب غير الضرر للإسلام والمسلمين. وسوف يصبح بعد سنين من طلب العلم وإنفاق الحقوق الشرعية والتمتع بالحقوق والمزايا الإسلامية، عقبة في طريق تقدم الإسلام والمسلمين، ووسيلة في تضليل الشعوب وانحرافها؛ وتصبح ثمرة كل هذه الدروس والبحوث والانشغال في الحوزات، أن يحول دون نشر الإسلام وإطلاع العالم على حقائق القرآن. بل قد يصبح وجوده حائلاً دون تعرف المجتمع على حقيقة الإسلام وواقع علماء الدين.
أنا لا أقول: لا تدرسوا، لا تكسبوا العلم؛ بل ينبغي أن تلتفتوا إلى أنكم إذا أردتم أن تكونوا أبناء مفيدين وفاعلين للإسلام والمجتمع، وأن تتولوا قيادة الأمة وتوعيتها بالإسلام، وإذا أردتم أن تدافعوا عن حمى الإسلام وتذودوا عن حياضه؛ ينبغي لكم أن تعززوا قواعد الفقاهة وأن تصبحوا من أصحاب الرأي فيها. فإذا لم تدرسوا فإنه يحرم عليكم البقاء في المدرسة، ولا يمكنكم الاستفادة من الحقوق الشرعية المخصصة لدارسي العلوم الإسلامية. طبعاً إن كسب العلم واجب، ولكن مثلما تجدّون وتجتهدون في المسائل الفقهية والأصولية يجب أن تسعوا في طريق إصلاح أنفسكم أيضاً. فأي خطوة تخطونها على طريق كسب العلم، ينبغي أن تقابلها خطوة أخرى على طريق استئصال الأهواء النفسية الخبيثة القوى الروحية واكتساب مكارم الأخلاق وتحصيل التقوى.
إن تحصيل هذه العلوم هو في الواقع مقدمة لتهذيب النفس واكتساب الفضائل والآداب والمعارف الإلهية. وحاذروا أن تبقوا إلى آخر العمر تراوحون في هذه المقدمة دون أن تحققوا النتيجة المرجوة.
إنكم تبغون من وراء كسب هذه العلوم هدفاً سامياً ومقدساً يتمثل في معرفة الله تعالى وتهذيب النفس وتزكيتها. ولابد لكم من التفكير بثمرة عملكم ونتيجة جهدكم. وابذلوا كل ما بوسعكم لتحقيق هدفكم الأصلي والأساس.
فأنتم عندما تنتسبون إلى الحوزات العلمية ينبغي لكم أن تفكروا بإصلاح أنفسكم قبل كل شيء. وما دمتم في الحوزة فيجب أن تكونوا بصدد تهذيب أنفسكم وإصلاحها، لكي يتسنى لكم إذا ما تركتم الحوزة وأخذتم على عاتقكم هداية أبناء مدينة أو محلة ما، يتسنى للناس أن يستفيدوا من الفضائل الأخلاقية التي تتحلون بها ويتعظوا ويصلحوا أنفسهم بالتأسي بها.
حاولوا أن تصلحوا أنفسكم وتهذبوها قبل النزول إلى المجتمع. فإذا لم تهتموا الآن ـ حيث تمتلكون متسعاً من الوقت والطاقة ـ بتهذيب أنفسكم، فسوف لا تقدرون على إصلاح أنفسكم عندما يلتف الناس حولكم وتصبح مسؤولياتكم جسيمة.
فثمة أشياء كثيرة يبتلى بها الإنسان وتحول دون التهذيب واكتساب العلم. وإن أحد هذه الموانع ـ لبعض الناس ـ هي هذه اللحية والعمامة! فإذا كبرت عمامة أحدكم وطالت لحيته، يصعب عليه ـ إذا لم يكن قد هذب نفسه ـ أن يواصل تحصيل العلوم الدينية ويكون مفيداً، ويكون من الصعب عليه كبح جماح النفس الأمارة، وحضور دروس أحد. فالشيخ الطوسي1 (رحمه الله) كان يذهب إلى الدرس كتلميذ وهو في سن الثانية والخمسين، في حين كان قد صنف بعض مؤلفاته ما بين سن العشرين والثلاثين. ويبدو أنه صنف كتاب "التهذيب" في هذا السن2. وفي سن الثانية والخمسين كان يحضر دروس السيد3 المرتضى (رحمه الله) وهذا ما أهّله لأن يصل إلى ما وصل إليه.
فلا قدر الله أن تصبح لحية طالب العلوم الدينية بيضاء بعض الشيء وتكبر عمامته، قبل أن يتمكن من اكتساب الملكات الخلقية الفاضلة وتنمية قواه الروحية؛ لأنه والحال هذه سوف يبقى محروماً من الاستفادات العلمية والمعنوية وجميع البركات.
اغتنموا الفرصة وجدوا واجتهدوا قبل المشيب، فإذا لم تحظوا باهتمام الناس وتوجههم، فقد تتوافر لكم الفرصة لأن تفعلوا شيئاً لأنفسكم. فلا قدر الله تعالى أن يهتم المجتمع بشخص ما قبل أن يتمكن ذلك الشخص من تربية نفسه، ويصبح ذا نفوذ ومنزلة بين الناس؛ فعندها سوف يضيع نفسه ويخسرها. فابنوا أنفسكم وأصلحوها قبل أن يفلت الزمام من أيديكم. تحلوا بالأخلاق الفاضلة وتخلصوا من الأخلاق الذميمة. وليكن الإخلاص رائدكم في درسكم وبحثكم لكي يقربكم من الله تعالى. فإذا لم تتوافر النية الخالصة في الأعمال، فسوف يبتعد الإنسان عن عرش الربوبية.
حاذروا أن تكونوا بنحو إذا ما فتحت صحيفة أعمالكم بعد سبعين سنة من العمر، يرى فيها ـ والعياذ بالله ـ أنكم أضحيتم سبعين سنة بعيدين عن الله عز وجل.
لا شك أنكم سمعتم حكاية ذلك "الحجر" الذي ألقي في جهنم وسمع صداه بعد سبعين سنة. وقد نقل عن رسول الله (ص) قوله: إنه رجل هرم كان في السبعين من عمره، وخلال هذه السبعين عاماً كان يسير نحو جهنم1. فحاذروا أن تكون عاقبة أحدكم أن يقضي خمسين عاماً ـ أو أكثر أو أقل ـ في الحوزات العلمية مع كد اليمين وعرق الجبين ولا يجني غير جهنم.. يجب أن تتعظوا. عليكم أن تضعوا برنامجاً لتهذيب نفوسكم وإصلاح الفاسد من أخلاقكم. وليتخذ كل واحد منكم مدرساً للأخلاق، وشكلوا مجالس الوعظ والنصح والإرشاد. فالإنسان وحده يعجز عن تهذيب نفسه. فإذا ما بقيت الحوزات العلمية هكذا خالية من مدرسي الأخلاق ومجالس الوعظ والإرشاد فستكون محكومة بالفناء.
فكما يحتاج علم الفقه والأصول إلى أستاذ ودرس وبحث، وكل علم وصناعة في الدنيا لابد لها من أستاذ ومدرس. والشخص المغرور والعنيد الذي لا يتخذ لنفسه مرشداً وموجهاً لا يصبح فقيهاًُ وعالماً؛ فكذلك العلوم المعنوية والأخلاقية التي هي هدف بعثة الأنبياء ومن ألطف العلوم وأدقها، بحاجة إلى تعليم وتعلم. إن بناء الإنسان لا يتحقق بدون معلم. لقد سمعت مراراً أن الشيخ الأنصاري2 (رحمه الله)، وهو أستاذ الفقه والأصول، كان يحضر درس الأخلاق والمعنويات لدى سيد جليل3. لقد بعث أنبياء الله لبناء الإنسان وتربيته، وإبعاده عن القبائح والخبائث والنقائص والرذائل، وترغيبه بالفضائل والآداب الحسنة: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"4.
إن علماً اهتم به الله تعالى كل هذا الاهتمام وبعث من أجله الأنبياء، أصبح الآن مهملاً في حوزاتنا ولا نجد أحداً يهتم به الاهتمام الذي يستحقه. وقد وصل الأمر بسبب ضعف العلوم المعنوية والمعارف في الحوزات، إلى أن تنفذ الأمور المادية والدنيوية إلى أوساط علماء الدين وأبعدت الكثيرين عن الأجواء المعنوية والروحية بدرجة باتوا يجهلون ماذا يعني عالم الدين أصلاً؟ وما هو واجبه؟ وما هي المهام التي ينبغي له الاضطلاع بها؟.
فبعض ليس لهم غير تعلم بضع كلمات ثم الرجوع إلى مناطقهم أو أي مكان آخر للحصول على الجاه والمنصب والمقام والتملق للآخرين؛ مثلما كان أحدهم يقول: دعني أدرس "اللمعة" وحينها سوف أفهم كيف أتصرف مع مختار القرية.
يجب أن لا يكون الأمر بنحو تتلخص نظرتكم وغايتكم من الدراسة منذ البداية في الحصول على المنصب الفلاني وكسب المقام الكذائي، أو أن تصبحوا رؤساء المدينة الفلانية أو شيوخ القرية الفلانية.. فمن الممكن أن تحققوا هذه الأهواء النفسية والأماني الشيطانية، ولكن لن تكسبوا لأنفسكم ولأمتكم ولمجتمعكم الإسلامي غير التعاسة والشقاء. فمعاوية ترأس وتأمّر لفترة طويلة إلا أنه ما جنى لنفسه سوى اللعن والذم وعذاب الآخرة.
لابد لكم من تهذيب أنفسكم، حتى إذا ما أصبح أحدكم رئيس قوم أو فئة، اشتغل في تهذيب نفوسهم أيضاً. حاولوا أن تخطوا على طريق إصلاح المجتمع وبنائه. ليكن هدفكم خدمة الإسلام والمسلمين. فإذا خطوتهم من أجل الله تعالى، فإن الله مقلب القلوب، يجعل القلوب تهفو إليكم: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً}1.
فإذا ما جاهدتم في سبيل الله وضحيتم من أجله تعالى، فإنه سبحانه لم يترككم دون أجر وثواب. وإن لم يكن ذلك في هذه الدنيا فستحصلون عليه في الآخرة. وإذا لم تنالوا أجركم وثوابكم في هذه الدنيا فذلك أفضل لكم، لأن الدنيا لا تعني شيئاً ولا قيمة لها. فكل هذا الصخب والضجيج وهذه الاعتبارات سوف تنتهي خلال أيام معدودات وتمر من أمام عين الإنسان كالحلم؛ بيد أن الأجر الأخروي خالد ليس له نهاية أو حد.
تحذير الحوزات
من الممكن أن تحاول بعض الأيادي الخبيثة من خلال بث السموم ودعايات السوء، التقليل من أهمية البرامج التربوية والأخلاقية، وتصوير ارتقاء المنبر للوعظ والإرشاد على أنه يتنافى مع المكانة العلمية؛ وتحاول من خلال نسبتها صفة "المنبرية" للشخصيات العلمية المرموقة التي تمارس دورها في إصلاح الحوزات وتنظيمها، أن تحول دون تأدية واجبها. فقد تجد اليوم في بعض الحوزات من يعتبر ارتقاء المنبر عملاً مشيناً، غافلين عن أن الإمام أمير المؤمنين (ع) كان منبرياً، وكان يعظ الناس ويرشدهم من على المنابر.. كان يوعيهم ويرشدهم ويوجههم. كما أن سائر الأئمة (ع) كانوا يفعلون ذلك أيضاً.
لعل عناصر خفية تشيع هذه الأفكار الخبيثة في حوزاتنا لكي تجردها من المعنويات والأخلاقيات، فتمسي حوزاتنا وضيعة ومنحطة ينتشر فيها النفاق وتسيطر على أفرادها الأنانية وتتسع رقعة الاختلاف، وينشغل أفرادها بمحاربة بعضهم بعضاً، وينقسمون أحزاباً وشيعاً يكذب كل منهم الآخر ويوجه إليه التهم والإهانات، ويسقط بعضهم بعضاً، لمكي يتمكن الأجانب وأعداء والإسلام من التطاول على الحوزات ويسددوا ضربة قاصمة لها والقضاء عليها.
فالأعداء والسيئون يعلمون أن الحوزات تتمتع بدعم وتأييد الشعوب. ومادام هذا الدعم والتأييد قائمين فمن غير الممكن سحق الحوزات والقضاء عليها أبداً. ولكن عندما يفقد رجال الحوزات وطلابها المباني الأخلاقية والآداب الإسلامية، ويصبح شغلهم الشاغل تسقيط بعضهم بعضاً، ويتحولون إلى جماعات متنافرة ومتناحرة لا تتورع عن الأعمال اللاأخلاقية والقبيحة، فمن الطبيعي أن تسوء نظرة الأمة الإسلامية إلى الحوزات الدينية وعلماء الدين، وتسحب دعمها وتأييدها لها، وفي النهاية يفتح الطريق أمام الأعداء لتحكيم سلطتهم وتسديد ضرباتهم. وإذا ما كنتم ترون الحكومات تخشى علماء الدين والمراجع ويحسبون لهم حساباً، فهو لأنهم يتمتعون بدعم وتأييد الشعوب، وفي الحقيقة أن الحكومات تخشى الشعوب، ولهذا فهي تحتمل إذا ما أهانت وتجاسرت وتعرضت إلى أحد علماء الدين، أن ذلك سوف يثير سخط الأمة ويفجر غضبها ضدها.. ولكن إذا ما كان علماء الدين مختلفين فيما بينهم ويسيء بعضهم لبعض، ولم يكونوا متأدبين بآداب الإسلام، فإنهم سيفقدون اعتبارهم ويخسرون ثقة الأمة بهم1.
إن الأمة تتوقع منكم أن تكونوا متأدبين بآداب الإسلام. أن تكونوا حزب الله، تنبذوا بهارج الدنيا وزخارفها ولا تهتموا بها؛ وأن لا تألوا جهداً في سبيل تحقق الأهداف الإسلامية وخدمة الأمة الإسلامية.. تتوقع منكم أن تخطوا على طريق الله تعالى، وأن لا يكون توجهكم إلا لله وطلباً لمرضاته.
ولكن إذا رأت الأمة منكم خلاف ذلك، وكان كل همكم الدنيا والمصالح الشخصية كما هو حال الآخرين، بدلاً من التوجه إلى ما وراء الطبيعة؛ ورآكم الناس تتنازعون وتتخاصمون على حطام الدنيا، وجعلتم من الإسلام والقرآن ألعوبة بأيديكم والعياذ بالله، واتخذتم الدين دكاناً ومتجراً للوصول إلى مطامعكم وأغراضكم الدنيوية الدنيئة.. إذا ما رأت الأمة ذلك منكم فسوف تبتعد عنكم وتسيء الظن بكم، وستكونون أنتم المسؤولين عن كل ذلك.
فإذا كان بعض المعممين العالة على الحوزات، يتكالبون فيما بينهم بدوافع شخصية ومنافع دنيوية، ويهتك بعضهم حرمة بعضهم الآخر، ويفسق هذا منهم ذاك، ويثيرون ضجة وجدلاً تافهاً، ويتنافسون على بعض الأمور الحقيرة؛ فإنهم بذلك يخونون الإسلام والقرآن، ويخونون الأمانة الإلهية. فالله تبارك وتعالى وضع الدين الإسلامي المقدس بمثابة أمانة بين أيدينا. فالقرآن الكريم أمانة الله الكبرى، والعلماء هم المؤتمنون عليها، وإن واجبهم الحفاظ على هذه الأمانة الكبرى وعدم خيانتها. وما التشتت والاختلاف واللغط والضجيج الذي لا طائل من ورائه، إلا خيانة للإسلام ولنبيه الأعظم (ص).
أنا لا أدري لم هذه الاختلافات والتحزبات؟! فإن كانت من أجل الدنيا، فأنتم لا تملكون شيئاً في الدنيا! وإن كنتم تتمتعون باللذائذ والمنافع الدنيوية، فإن ذلك لا يستحق الاختلاف. ألستم روحانيين، أم أنكم لم ترثوا من الروحانية غير العمامة والعباءة؟! إن عالم الدين الذي يؤمن بما وراء الطبيعة.. عالم الدين الذي يتحلى بتعاليم الإسلام الحية وأحكامه البناءة.. عالم الدين الذي يعتبر نفسه من شيعة علي بن أبي طالب (ع).. إن عالم الدين هذا من غير الممكن أن يهتم بشهوات الدنيا، ناهيك أن يثير الخلاف بسببها.
أنتم الذين تُدعون أتباع الإمام أمير المؤمنين (ع)، تمعنوا ـ على الأقل ـ في حياة هذا الرجل العظيم لتروا هل تقتدون حقاً بسيرته وسلوكه؟ هل تعلمون شيئاً عن زهده وتقواه وحياته البسيطة والمتواضعة، وهل تلتزمون بشيء من ذلك في حياتكم؟ هل تعون شيئاً عن جهاد هذا القائد العظيم ضد الظلم والاستبداد والتفاوت الطبقي، ودفاعه الحازم عن المظلومين والمعذبين، وعن تصوراته وفهمه عن طبقات المجتمع المحرومة والمستضعفة؟ وهل تعلمون بذلك؟ هل إن معنى "الشيعة" هو مجرد التحلي بالزي الظاهري للإسلام1.
بناء على ذلك، فما هو فرقكم عن سائر المسلمين وبماذا تمتازون عنهم؟ إن أولئك الذين يؤججون النيران في أنحاء من العالم، ويمهدون الطريق لارتكاب المجازر، إنما يتسابقون للسيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها ومصادرة خيراتها وإبقاء الدول الضعيفة والمتخلفة تحت أسرها وسلطتها؛ ولذلك يفجرون كل يوم باسم الحرية والبناء والإعمار والدفاع عن استقلال البلدان وأراضيها، وبذرائع خادعة أخرى، حرباً في كل منطقة من العالم، ويلقون ملايين الأطنان من القنابل الحارقة على رؤوس أبناء الشعوب المستضعفة.
إن مثل هذه الصراعات والنزاعات تبدو مبررة طبقاً لمنطق أهل الدنيا مع تلك العقول الملوثة. أما نزاعاتكم فإنها تفتقد للتبريز حتى بمنطق هؤلاء. فإذا سئلوا لماذا تتنازعون، سيقولون إننا نسعى للاستيلاء على البلد الفلاني، ولابد من فرض سيطرتنا على ثروات وموارد البلد العلاني. ولكن إذا سئل منكم: لم تتنازعون، ومن أجل أي شيء، ماذا ستجيبون؟ فما الذي تملكون من الدنيا ويستحق التنازع من أجله؟ إن مرتب أحدكم الشهري الذي يأخذه من المراجع، أقل مما ينفقه الآخرون على سجائرهم في الشهر الواحد. لقد قرأت في إحدى الصحف عن الميزانية التي يدفعها "الفاتيكان" لقسيس في واشنطن، فعندما حسبت ذلك وجدت أنه أكثر من جميع الأموال التي تمتلكها الحوزات العلمية لدى الشيعة! فهل من المعقول مع هذه الحال التي عليه حياتكم من بساطة وزهد، أن تختلفوا فيما بينكم وتتكالبوا على الدنيا ويعادي أحدكم الآخر؟.
إن جذور كل الاختلافات التي تفتقد إلى الهدف المحدد والمقدس، تعود على حب الدنيا. وإذا ما وجدت الاختلافات في أوساطكم فهو لأنكم لم تخرجوا حب الدنيا من قلوبكم. ونظراً لأن المنافع الدنيوية محدودة، فإن كل واحد يتنافس مع الآخر للاستحواذ عليها. أنت تريد المقام الفلاني وغيرك أيضاً يكافح من أجله، فمن الطبيعي أن يقود ذلك إلى التحاسد والاختلاف.
بيد أن رجال الله الذين أخرجوا حب الدنيا من قلوبهم، وليس لهم هدف غير رضا الله تعالى، لن يبتلوا بأمثال هذه المفاسد والمصائب. فلو اجتمع اليوم أنبياء الله في مدينة واحدة، لما وقع بينهم أي اختلاف مطلقاً، لأن هدف الجميع واحد، والقلوب جميعها متوجهة نحو الله تعالى، وخالية من حب الدنيا.
فإذا بقيت أعمالكم وأفعالكم وأوضاع معيشتكم وسلوككم بالصورة التي هي عليها الآن، فاحذروا أن تغادروا هذه الدنيا وأنتم لستم من شيعة علي أبي طالب (ع).. احذروا أن لا توفّقوا للتوبة النصوح، وأن تحرموا من شفاعته (ع).. فكروا قبل فوات الأوان بطريقة تنجيكم.. كفوا عن هذه الاختلافات المبتذلة والمفضوحة.. اقلعوا عن هذه التحزبات والمحوريات الخاطئة.. هل أنتم أهل ملّتين؟ هل في ملتكم ومذهبكم شعب وطرق متعددة؟ لماذا لا تفيقون؟ لماذا لا يوجد بينكم صفاء وأخوة ومحبة؟.. لماذا؟
إن هذه الاختلافات خطيرة وتترتب عليها مفاسد لا تعوض. إنها تسيء إلى الحوزات العلمية وتدمرها، كما أنها تفقدكم مكانتكم الاجتماعية وتحقركم في عيون المجتمع.. إن هذه التحزبات والفئويات لا تنتهي بضرركم فحسب، ولا تسيء إلى سمعتكم وحدكم؛ بل تسيء إلى سمعة المجتمع وكيانه.. تسيء إلى الأمة وإلى الإسلام. وإن المفاسد التي تترتب على اختلافاتكم ذنوب لا تقبل العفو والغفران، وهي عند الله تبارك وتعالى أعظم من كثير من المعاصي، لأنها تفسد المجتمعات وتفتح الباب واسعاً أمام تسلط الأعداء وبسط نفوذهم.
فليس مستبعداً أن تعمل أيادٍ خفية على إيجاد الفرقة والاختلاف لتداعي أركان الحوزات العلمية، وزرع النفاق والشقاق، وتسميم الأفكار والأذهان حتى يصبح التكليف الشرعي مشوباً بالنزاعات مثقلاً بالاختلافات، وبذلك يوجدوا الفساد في الحوزات، وبهذه الوسيلة يتم تسقيط الأشخاص الذين يعلق الإسلام عليهم الآمال، لكي لا يكون بمقدورهم خدمة الإسلام والمجتمع الإسلامي في المستقبل.
يجب أن تكونوا واعين يقظين. لا تجعلوا أنفسكم ألعوبة بيد الشيطان؛ كأن يقول أحدكم: إن تكليفي الشرعي يقتضي كذا، ويقول الآخر: إن تكليفي الشرعي عكس ذلك. ففي بعض الأحيان يتولى الشيطان نسج التكاليف الشرعية للإنسان ويملي عليه واجبات معينة، وفي أحيان أخرى تدفع الأهواء النفسية الإنسان لأداء بعض الأعمال على أنها واجب الشرعي. فليس من الواجب الشرعي أن يهين مسلم مسلماً. ليس من الواجب الشرعي أن يسيء المسلم إلى أخيه في الدين. إنه حب الدنيا وحب النفس. إن الإيحاءات الشيطانية هي التي توصل الإنسان إلى هذا اليوم الأسود. إن هذا التخاصم تخاصم أهل النار: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار}1. ففي جهنم مكان للخصومات والنزاعات. أهل جهنم يتنازعون ويتخاصمون ويتكالبون فيما بينهم. فإذا ما تنازعتم على الدنيا فاعلموا أنكم تعدون جهنم لأنفسكم وتسيرون نحوها.
الأمور الأخروية لا صراع عليها ولا اختلاف فيها. فأهل الآخرة يعيشون مع بعضهم في سلام وصفاء، قلوبهم مفعمة بحب الله وعباده، ذلك أن حب الله تعالى يقود إلى حب الذين يؤمنون بالله. وإن محبة عبادة الله هي ظلال محبة الله تعالى.
فلا تؤججوا النار بأيديكم.. لا تضرموا نار جهنم. إن نيران جهنم تتأجج بوحي من أعمال الإنسان وأفعاله القبيحة. قال (ع): "جُزْنا وهي خامدة"2. فإذا لم يفعل الإنسان ما يحرك نار جهنم ويؤججها فإن جهنم خامدة.. إن باطن هذه الدنيا جهنم، وإن الإقبال على الدنيا إقبال على جهنم ولعب بنارها. ولا يدرك الإنسان هذه الحقيقة إلا حين ينتقل إلى الدار الآخرة عارياً وتسقط الحجب، حينها يدرك أن {ذلك بما قدمت أيديكم}3، {ووجدوا ما عملوا حاضراً}4. فكل ما يصدر عن الإنسان في هذه الدنيا يجده أمامه في العالم الآخر يتجسم له. قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}5.
إن كل أعمال الإنسان وأفعاله وأقواله تعرض عليه هناك وكأن حياتنا يتم تصويرها في فيلم سوف يعرض في العالم الآخر وليس بوسع أحد إنكاره. سوف تعرض علينا جميع أعمالنا وحركاتنا وسكناتنا، إضافة إلى شهادة الأعضاء والجوارح: {قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء}1.
أمام الله تعالى حيث جعل كل شيء ناطقاً، لا يمكن التنصل عن أعمالنا القبيحة وإنكارها. فكروا قليلاً وكونوا بعيدي النظر. زنوا عواقب الأمور.. تذكروا العقبات الخطيرة التي ستواجهونها. تذكروا عذاب القبر وعالم البرزخ والشدائد والأهوال التي تعقبه، ولا تغفلوا عنها. آمنوا على الأقل بجهنم. فإذا آمن الإنسان حقاً بهذه العقبات الخطيرة، فسوف يتخلى عن سلوكه المشين. فلو كنتم تؤمنون بهذه الأمور ومتيقنين منها، لما تركتم حياتكم حرة طليقة تفعلون ما يحلو لكم؛ ولصنتم أقلامكم وألسنتكم وخطواتكم، ولسعيتم لإصلاح أنفسكم وتهذيبها.
العناية الإلهية
من عناية الله تعالى بعباده أن وهبهم العقل ومنحهم القدرة على تهذيب نفوسهم وتزكيتها، وبعث الأنبياء والأوصياء ليعملوا على هدايتهم وإصلاحهم لئلا يبتلوا بعذاب جهنم الأليم. وإن لم تكن هذه الوسائل نافعة في تنبيه الإنسان وتهذيبه، فالله عز وجل الرحمن ينبه بوسائل وطرق أخرى: عن طريق مختلف الابتلاءات والمصائب والفقر والمرض؛ كالطبيب الحاذق، كالممرض الماهر والرؤوف، الذي يحاول معالجة هذا الإنسان من الأمراض الروحية الخطرة.
إذا كان العبد محل عناية الله تعالى، فإنه يبتلى بصنوف الابتلاءات حتى يلتفت إلى خالقه تعالى ويهذب نفسه. هذا هو الطريق ولا يوجد طريق آخر. ولكن ينبغي للإنسان أن يطوي هذا الطريق بنفسه لكي يحصل على النتيجة. وإن لم يحصل على النتيجة المرجوة عن هذا الطريق أيضاً ولم يشف الإنسان المريض وكان مستحقاً لنعمة الجنة، فإن الله تعالى يشدد عليه في حال النزع لعله يتذكر ويتنبه. وإذا لم يؤثر فيه ذلك أيضاً، تأتي موقظات القبر وعالم البرزخ والعقبات التي تتبعه، لكي تطهره وتزكيه وتحول دون دخوله جهنم.
كل هذه المراحل الإيقاظية عنايات إلهية تستهدف إبعاد الإنسان عن جهنم وإنقاذه منها. فكيف بالإنسان إذا لم تنفع معه كل هذه الموقظات والمنبهات، وماذا ستكون عاقبته؟ فلا مفر من آخر الدواء وهو الكي. فكم من إنسان لم يهتد ولم ينصلح ولم تنفع معه هذه المعالجات، فلا توجد وسيلة أخرى غير النار لكي يصلح الله الكريم الرحيم عبده، كالذهب الذي يعرض للنار لتنقيته وتحويله إلى معدن خالص.
فقد ورد في تفسير الآية الكريمة {لابثين فيها أحقاباً}1، إن هذه "الحقب" هي لأهل الهداية والذين يكون أصل إيمانهم محفوظاً2. إنها تنطبق علينا أنا وأنت. وما طول الحقبة؟ الله أعلم، لعلها آلاف السنين.. المهم أن نعمل لئلا يصل الأمر بنا إلى مرحلة لم تعد تنفع فيها هذه المعالجة، فنكون بحاجة إلى آخر الدواء من أجل استحقاق ولياقة النعيم المقيم. ويكون من اللازم ـ لا سمح الله ـ أن يذهب الإنسان فترة في جهنم وأن يحترق بنارها لكي يتطهر من الرذائل الأخلاقية والتلوثات الروحية والصفات الشيطانية الخبيثة، ويصبح لائقاً ومستعداً للتنعم بـ {جنات تجري من تحتها الأنهار}3. علماً أن هذا يتعلق بتلك الفئة من العباد الذين لم تتسع دائرة معصيتهم ولم تبلغ تلك الدرجة التي يستحقون فيها الطرد من رحمة الله، والحرمان من مغفرته ولطفه؛ بل لا يزالون يمتلكون بعض الاستحقاق الذاتي لدخول الجنة.. فلا قدر الله أن يلفظ الإنسان من باب رحمته نتيجة لكثرة المعاصي، ويحرم من الرحمة الإلهية؛ إذ لا سبيل أمامه غير الخلود في نار جهنم.
احذروا أن تحرموا ـ لا سمح الله ـ من الرحمة والعناية الإلهية، فيحل عليكم غضب الله ويحيط بكم عذابه . احذروا من أن تكون أعمالكم وأفعالكم بنحو تسلبكم توفيقات الله تعالى، ولم يكون أمامكم سبيل غير الخلود في النار.. إن أحدكم الآن لا يستطيع أن يقبض على حصى محماة لمدة دقيقة واحدة، فاتقوا نار جهنم. أبعدوا هذه النيران عن الحوزات العلمية وعن مجتمع علماء الدين.. طهّروا قلوبكم من هذه الاختلافات وهذا النفاق.. حسّنوا سلوككم مع عباد الله تعالى وانظروا إليهم بعطف وحنان.. ليكن لكم موقف حازم من العصاة لعصيانهم، أو مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وأكرموا عباد الله الصالحين والطيبين؛ فاحترموا العالم منهم لعلمه، واحترموا من هو في سبيل الهداية لأعماله الصالحة. ليكن سلوككم مثالياً. توددوا إلى الناس وحادثوهم وآخوهم. هذبوا أنفسكم وتحلوا بالصدق والإخلاص، أنتم الذين تريدون هداية المجتمع وإرشاده. فالذي لا يستطيع إصلاح نفسه، كيف يتسنى له هداية الآخرين وإرشادهم وإدارتهم؟ هاهو شهر شعبان شارف على الانتهاء، فاسعوا في هذا الأيام المعدودة لعل الله تعالى يوفقكم للتوبة وإصلاح النفس، ولتستقبلوا شهر رمضان بنفوس صالحة وقلوب سليمة.
لمحات عن المناجاة الشعبانية
هل ناجيتم الله تعالى، في شهر شعبان هذا، بـ "المناجاة الشعبانية"1، التي نصت الأحاديث الشريفة على قراءتها في كل يوم من هذا الشهر؟ وهل انتفعتم من معانيها الإيمانية السامية والإحاطة بمضامينها حول مقام الربوبية؟ فقد ذكرت الأحاديث الواردة بهذا الشأن بأن الإمام أمير المؤمنين (ع) وأبناءه وجميع الأئمة الأطهار (ع)، كانوا يناجون الله تعالى بها2. وقلما نجد دعاء ومناجاة نصت الأحاديث الواردة بشأنها من أن الأئمة جميعهم كانوا يقرأونها ويناجون الله تعالى بها. إن هذه المناجاة هي في الحقيقة مقدمة تعد الإنسان وتهيئه للقيام بأعمال شهر رمضان المبارك. ولعله لهذا السبب تم تذكير الإنسان الواعي للالتفات إلى دوافع الصيام وجني فوائده العظيمة.
لقد كان الأئمة الأطهار (ع) يوضحون كثيراً من المسائل عن طريق الأدعية. فهناك فرق كبير بين أسلوب الأدعية والأساليب الأخرى التي كان يستعين بها هؤلاء العظام في بيان الأحكام؛ إذ غالباً ما كانوا يوضحون المسائل المعنوية ومسائل ما وراء الطبيعة والمسائل الإلهية وتلك التي ترتبط بمعرفة الله سبحانه يوضحونها بلغة الدعاء. بيد أننا نقرأ نحن هذه الأدعية ونمر عليها مرور الكرام دون أن نلتفت إلى معانيها مع الأسف، بل لا نعي أساساً ماذا كان يريد الأئمة (ع) منها.
فنحن نقرأ في هذه المناجاة: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك3.
إن جملة (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك) ربما تريد أن توضح هذا المعنى، وهو أن الرجال الربانيين الواعين ينبغي لهم أن يعدوا أنفسهم ويهيئوها قبل حلول شهر رمضان، لصوم هو في الحقيقة انقطاع عن الدنيا واجتناب لذائذها (وهذا الاجتناب في صورته الكاملة هو هذا الانقطاع إلى الله).
إن كمال الانقطاع لا يتحقق بهذه البساطة. إنه بحاجة إلى ترويض للنفس غير اعتيادي ويحتاج إلى جهد ورياضة واستقامة وممارسة، لكي يمكن الانقطاع بكل القوى عن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى، وأن لا يكون هناك توجه لغير الله تعالى. فجميع الصفات الإيمانية الجليلة وكل مستويات التقوى كامنة في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى؛ ومن يتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة فقد بلغ غاية السعادة. ولكن من المستحيل أن يستطيع الإنسان بلوغ هذه الذرى مادام في قلبه مثقال ذر من حب الدنيا. والذي يريد أن يقوم بأعمال شهر رمضان بالصورة المطلوبة، عليه أن يحقق في نفسه هذا الانقطاع إلى الله، وإلا لن يستطيع مراعاة آداب الضيافة ولن يتسنى له إدراك عظمة المضيف.. لن يمكنه أن يدرك أنه في رحاب من وعلى مائدة من؟
طبقاً لقول الرسول الأكرم (ص) ـ حسبما ورد في الخطبة المنسوبة إليه (ص) ـ فإن عباد الله كافة قد تمت دعوتهم في شهر رمضان المبارك إلى ضيافة الله تعالى، وإن مضيفهم هو الله تبارك وتعالى: "أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله"1.
فما عليكم في هذه الأيام القلائل التي تفصلنا عن شهر رمضان المبارك، إلا أن تفكروا في إصلاح أنفسكم والتوجه إلى بارئكم.. استغفروا الله من أفعالكم وأقوالكم التي لا تليق. وإذا كنتم قد ارتكبتم ـ لا سمح الله ـ ذنباً فتوبوا إلى الله قبل الدخول في شهر رمضان المبارك.. عوّدوا ألسنتكم على ذكر الله ومناجاته.. إياكم أن تصدر منكم غيبة أو تهمة أو نميمة أو أي ذنب في هذا الشهر، وأن تدنسوا أنفسكم بالمعاصي وتسيئوا آداب الضيافة وأنتم ضيوف الله سبحانه.
لقد دعيتم في هذا الشهر الفضيل إلى ضيافة الحق تعالى: "دعيتم فيه إلى ضيافة الله"، فهيئوا أنفسكم لهذه الضيافة العظيمة.. تحلوا ـ على الأقل ـ بالآداب الصورية والظاهرية للصيام. (فالآداب الحقيقية موضوع آخر، حيث هي بحاجة إلى جهد وجد وتعب). فالصوم لا يعني الإمساك عن الطعام والشراب فحسب؛ بل ينبغي اجتناب المعاصي أيضاً. إن هذه من الآداب الأولية للصوم بالنسبة للمبتدئين. (أما آداب الصيام بالنسبة لرجال الله الذين يتطلعون لبلوغ معدن العظمة فهي شيء آخر). فاعملوا ـ على الأقل ـ بالآداب الأولية للصيام. فمما تمسكون البطن عن الطعام والشراب، فامسكوا عيونكم وأسماعكم وألسنتكم عن المعاصي. عاهدوا أنفسكم من الآن أن تكفوا اللسان عن الغيبة والتهمة والكذب والإساءة، وأخرجوا من قلوبكم الحسد والحقد وسائر الصفات الشيطانية القبيحة. حاولوا قدر المستطاع أن تحققوا معنى الانقطاع إلى الله تعالى، وأن تؤدوا أعمالكم بعيدة عن الرياء، وخالصة لوجه الله تعالى، وانقطعوا عن شياطين الإنس والجن.
لكن يبدو أننا لسنا أهلاً لتحقيق هذه الدرجة من الإيمان وكسب هذه السعادة الكبرى. فحاولوا ـ على الأقل ـ أن لا يكون صومكم مقروناً باقتراف الذنوب. وفيما عدا ذلك، وعلى فرض أن صيامكم كان صحيحاً من الناحية الشرعية، فإنه لن يقبل ولا يرفع إلى الله، لأن ارتفاع الأعمال إلى الله وقبولها لديه ـ جل وعلا ـ يختلف كثيراً عن صحتها الشرعية.
فإذا انقضى شهر رمضان المبارك ولم يطرأ على أعمالكم وسلوككم أي تغيير، ولم يختلف نهجكم وفعلكم عما كان عليه قبل شهر الصيام، فاعلموا أن الصوم الذي طلب منكم لم يتحقق، وأن ما أديتموه لم يكن أكثر من صوم الحيوانات.
لقد دعيتم في هذا الشهر الشريف إلى ضيافة الله تبارك وتعالى؛ فإذا لم تتحقق معرفتكم بالله، أو لم يضف لها، فاعلموا أنكم لم تلبوا دعوة الله كما ينبغي ولم تؤدوا حق الضيافة.
يجب أن تعلموا أنه إذا لم تتمكنوا في هذا الشهر المبارك، الذي هو شهر الله وتفتح فيه أبواب الرحمة الإلهية لعباده وأن الشياطين والمردة ـ كما تفيد الأحاديث1 ـ يرسفون في الأغلال والقيود، إذا لم تتمكنوا من إصلاح نفوسكم وتهذيبها ومراقبة النفس الأمارة والتحكم بها، وإذا لم تتمكنوا من سحق الأهواء النفسية وقطع علائقكم المادية بالدنيا؛ فإن من الصعب أن تقدروا على ذلك بعد انتهاء شهر الصيام.
فاغتنموا الفرصة وهبّوا قبل انقضاء هذا الفيض الأعظم، لإصلاح أموركم وتزكية النفوس وتطهيرها، وهيئوا أنفسكم لأداء واجبات شهر الصيام، ولا تكونوا كمن عبّأه الشيطان ـ مثلما تعبأ الساعة ـ وشحنه قبل حلول شهر رمضان لأن يفعل بشكل تلقائي في هذا الشهر حيث يرسف الشياطين في الأغلال، في ارتكاب المعاصي والانشغال بالأعمال المنافية التعاليم الإسلام.
إن الإنسان المرتكب للذنوب والمعاصي ينغمس في الظلم والجهل نتيجة لبعده عن الحق وكثرة الذنوب والمعاصي، إلى درجة لم يعد معها بحاجة إلى وسوسة الشيطان، بل ينطبع سلوكه وينصبغ بصبغة الشيطان، لأن "صبغة الله"2 مقابل صبغة الشيطان، وأن الذي يساير هوى النفس ويتبع الشيطان يكتسب صبغته بالتدريج.
عاهدوا أنفسكم ـ على الأقل في هذا الشهر ـ بمراقبة سلوككم وتجنب الأفعال والأقوال التي لا ترضي الله تبارك وتعالى. الآن وفي هذا المجلس، عاهدوا الله تعالى بأن تتجنبوا في شهر رمضان المبارك، الغيبة والتهمة والإساءة للآخرين، وأن تتحكموا بألسنتكم وعيونكم وأيديكم وأسماعكم وبقية الأعضاء والجوارح، وراقبوا أقوالكم وأفعالكم عسى أن يكون ذلك سبباً في استحقاقكم عناية الله تعالى ورحمته وتوفيقه، وتكونوا بعد انقضاء شهر الصيام وتحرر الشياطين من الأغلال، قد هذبتم أنفسكم وأصبحتم من الصالحين ولم يعد بمقدور الشيطان إغواءكم وخداعكم.
أعود وأكرر: اتخذوا قراركم وعاهدوا أنفسكم بمراقبة جوارحكم في هذه الثلاثين يوماً من شهر رمضان المبارك، وكونوا حذرين دائماً وملتفتين إلى الحكم الشرعي لهذا العمل الذي تنوون الإقدام عليه، والقول الذي تريدون أن تنطقوا به، والموضوع الذي تستمعون إليه.
هذه آداب الصوم الأولية، فتمسكوا بهذه الآداب الظاهرية على الأقل.. فإذا رأيتم شخصاً يريد أن يغتاب، حاولوا أن تردعوه وقولوا له: لقد تعهدنا أن نجتنب المحرمات في هذا الشهر. وإذا لم تستطيعوا منعه من الاغتياب اتركوا المجلس، فلا تجلسوا وتستمعوا إليه؛ إذ يجب أن يأمن المسلمون جانبكم. ومن لا يأمن المسلمون يده ولسانه وعينه فهو في الحقيقة ليس بمسلم1. إنما هو مسلم في الظاهر والاسم، وينطق بـ (لا إله إلا الله) فحسب.
فإذا أردتم ـ لا سمح الله ـ إهانة أحد من المسلمين واغتيابه والمساس بكرامته، فاعلموا أنكم في محضر الربوبية وفي ضيافة الله تبارك وتعالى، وأنكم بمحضره تسيئون الأدب مع عباده. وأن إهانة عباد الله هي بمثابة إهانة الله تبارك وتعالى. فهؤلاء عباد الله لا سيما إذا كانوا من أهل العلم والتقوى وعلى الصراط المستقيم. فأحياناً ترون أن الإنسان ونتيجة لهذه الأفعال، يصل إلى مرحلة تكون عاقبته عند الموت بأن يكذّب الله تعالى وينكر آياته: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون}2.
وإن مثل هذه النتيجة السيئة المدمرة لا تحصل دفعة واحدة، بل بالتدريج، فاليوم نظرة غير سليمة وغداً كلمة غيبة، وفي يوم آخر إهانة مسلم و... هكذا شيئاً فشيئاً تتكدس هذه المعاصي في القلب فيسود. وإن القلب الأسود المظلم يمنع الإنسان من معرفة الله تعالى حتى يصل إلى مرحلة ينكر الحقائق الإيمانية ويكذّب بآيات الله تعالى.
إن أعمال الإنسان ـ طبقاً لبعض الآيات واستناداً إلى تفسير بعض الأحاديث ـ تعرض على رسول (ص) والأئمة الأطهار (ع)3 وتمر من أمام أنظارهم المباركة. فعندما ينظر الرسول (ص) إلى أعمالكم ويراها مليئة بالأخطاء والذنوب، فكم سيتأثر ويتألم؟ فلا تكونوا ممن يؤلم رسول الله ويثير تأثره. لا تكونوا ممن يثير الحزن والألم في قلب رسول الله.
فعندما يرى (صلوات الله عليه وآله) صفحات أعمالكم زاخرة بالغيبة والتهمة والإساءة إلى المسلمين، ويرى كل توجهاتكم وهمومكم منحسرة في الدنيا والماديات، ويشاهد قلوبكم طافحة بالبغضاء والحسد والحقد وإساءة الظن بعضكم ببعض؛ عندما يرى رسول الله (ص) كل هذه، من الممكن أن يستحي أمام الله تبارك وتعالى وملائكته؛ لأن أمته وأتباعه لم يشكروا نعم الله تعالى، وخانوا بكل وقاحة وجرأة أمانات الله تبارك وتعالى. فالشخص الذي يرتبط بك ـ ولو كان خادمك ـ يخجلك إذا ما ارتكب عملاً مشيناً، وأنتم مرتبطون برسول الله (ص). إنكم بمجرد دخولكم الحوزات العلمية تكونون قد ربطتم أنفسكم بفقه الإسلام وبالرسول الأكرم والقرآن الكريم. فإذا ما ارتكبتم عملاً قبيحاً فسوف يمس رسول الله (ص) ويسيء إليه، ومن الممكن أن يلعنكم لا سمح الله. فلا تسمحوا لأنفسكم أن تحزنوا قلب رسول الله (ص) وقلوب الأئمة الأطهار، وتكونوا سبباً في آلامهم.
إن قلب الإنسان كالمرآة صافٍ ومضيء، ولكنه يتكدر نتيجة تكالبه على الدنيا وكثرة المعاصي. فإذا استطاع الإنسان أن يؤدي ـ على الأقل ـ الصوم بنية خالصة منزهة من الرياء (ولا أقول إن العبادات الأخرى لا ينبغي توافر الإخلاص فيها، بل إن الصدق والنية الخالصة شرط في جميع العبادات)، وإذا تمكن أن يبقى طيلة هذا الشهر المبارك معرضاً عن الشهوات مجتنباً اللذائذ منقطعاً عما سوى الله تعالى، وقام بعبادة الصوم كما ينبغي، فقد تشمله عناية الله فتزول عن مرآة قلبه ما علق بها من الغبش وما اعتراها من الكدر وما خيّم عليها من ظلام الذنوب، ويكون ذلك سبباً في أن يعرض الإنسان كلياً عن الدنيا المحرمة ولذائذها، وحينها يرغب في ورود "ليلة القدر" يكون قد أصبح أهلاً لأن ينال الأنوار التي يتحقق في تلك الليلة للأولياء والخلص من المؤمنين.
وإن الذي يجزي مثل هذا الصوم هو الله تبارك وتعالى كما قال عنه جل وعلا: "الصوم لي وأنا أجزي به"4. فليس بمقدور شيء آخر أن يكون ثمناً لمثل هذا الصوم؛ حتى جنات النعيم لا تعني شيئاً أمام صومه ولا يمكن أن تكون ثمناً له.
أما إذا أراد الإنسان أن يكون صيامه حبس الفم عن الطعام وإطلاقه في اغتياب الناس وفي قضاء ليالي شهر رمضان المبارك حيث تكون المجالس الليلية عامرة وتوافر فرصة أكبر لتمضية الوقت إلى الأسحار في اغتياب المسلمين وتوجيه التهم والإهانة لهم، فإنه لن يجني من صومه شيئاً؛ بل يكون بهذا الصوم قد أساء آداب الضيافة وأضاع حق ولي نعمته الذي خلق له كل وسائل الحياة والراحة، ووفّر له أسباب التكامل، حيث أرسل الأنبياء لهدايته وأنزل الكتب السماوية ومنح الإنسان القدرة للوصول إلى معدن العظمة والنور الأبهج، وأعطاه العقل والإدراك وكرّمه بأنواع الكرامات.
وها هو قد عاد إلى ضيافته، والجلوس إلى مائدة نعمته، وحمده وثنائه بكل ما تقدر على أدائه الأيدي والألسن. فهل يصح أن يتمرد العباد الذين نهلوا من نعمته واستفادوا من وسائل وأسباب الراحة التي وضعها تحت تصرفهم، يتمردوا على مولاهم ومضيفهم وينهضوا لمعارضته ويطغوا؟. لقد هيّأ لهم الله تبارك وتعالى كل الأسباب، فهل يصح أن يسخروها لمعصيته وخلافاً لمرضاته؟
أليس هذا كفراناً للنعمة؛ بأن يجلس الإنسان إلى مائدة مولاه ثم يتجرأ عليه بأفعاله القبيحة وتصرفاته المشينة ويسيء أدبه مع مضيفه وولي نعمته، ويرتكب أعمالاً قبيحة لدى مضيفه؟
ينبغي ـ على الأقل ـ للضيف أن يكون عارفاً بالمضيف مدركاً لمقامه؛ ومن خلال اطلاعه على عادات وتقاليد المجلس يحرص أن لا يصدر عنه ما ينافي الأخلاق ويسيء إليه.. فلابد لضيف الله سبحانه أن يكون عارفاً بمقامه العظيم ذي العزة والجلال.. المقام الذي كان الأنبياء العظام والأئمة الكرام يسعون دوماً للاستزادة من معرفته والإحاطة به إحاطة كاملة، وكانوا يتمنون أن يصلوا إلى معدن العظمة هذا: "وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة"، وإن ضيافة الله هي "معدن العظمة" هذا. وقد دعا الله سبحانه عباده واستضافهم ليمكنهم من بلوغ معدن النور والعظمة. ولكن إذا لم يكن العبد لائقاً، فلن يتمكن من بلوغ مثل هذا المقام السامي والعظيم.
لقد دعا الله تبارك وتعالى العباد لكل الخيرات والمبرات والكثير من اللذائذ الروحية والمعنوية. ولكن إذا لم يكن العباد أهلاً للحضور في مثل هذه المقامات السامية، فلن يتمكنوا من بلوغ ذلك؛ فكيف يمكن الحضور في حضرة الحق تعالى والدخول في ضيافة رب الأرباب الذي هو "معدن العظمة"، مع كل هذه التلوثات الروحية والرذائل الأخلاقية والمعاصي القلبية والظاهرية؟.
إن الأمر بحاجة إلى لياقة واستحقاق، ولا يمكن إدراك هذه المعاني بوجوه مسودة وقلوب ملوثة بالمعاصي وملطخة بالآثام. فلابد من تمزيق هذه الحجب وإزالة هذه الغشاوة المظلمة والمضيئة التي كست القلوب ومنعتها من الوصول إلى الله، حتى يمكن الدخول في المجلس الإلهي النوراني ذي العظمة.
حجب النور والظلام
إن التوجه إلى غير الله تعالى يحجب الإنسان بحجب "ظلمانية" وحجب "نورانية". فالأمور الدنيوية بأجمعها إذا ما تسبب في انشداد الإنسان إلى الدنيا وغفلته عن الله تبارك وتعالى، فإنها تبعث على الحجب "الظلمانية". وعندما تكون الدنيا وسيلة التوجه إلى الله تعالى والوصول إلى دار الآخرة، التي هي "دار التشريف"، فإن حجب الظلام هذه تتبدل بحجب النور. وإن "كمال الانقطاع" هو تبدد كل الحجب النورانية منها والمظلمة، لكي يمكن الورود إلى الضيافة الإلهية التي هي "معدن العظمة". ولذا نرى في هذه "المناجاة" يطلبون من الله تعالى، البصيرة والنور القلبي حتى يتسنى لهم خرق حجب النور وبلوغ معدن العظمة: "حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة".
ولكن الإنسان الذي لم يبدد بعد حجب الظلم؛ الإنسان الذي ما تزال كل توجهاته إلى عالم الطبيعة ومنحرفاً عن الله ـ والعياذ بالله ـ ويجهل أساساً عما وراء الطبيعة والعالم الروحي وهو منكوس إلى الطبيعة، ولن يفكر ـ في أي وقت ـ بتهذيب نفسه والاستفادة من القوى الروحية والمعنوية الذاتية لإزالة ما ران على قلبه من ظلمة الذنوب.. إن إنساناً هذا شأنه هو في الحقيقة في أسفل سافلين، الذي هو أدنى حجب الظلام وأشدها: {ثم رددناه أسفل سافلين}5؛ في حين إن الله سبحانه خلق الإنسان في أسمى مرتبة ومقام: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}6.
إن الإنسان الذي يتبع هوى نفسه ولا يهتم منذ أن عرف نفسه بغير عالم الطبيعة المظلم، ولا يفكر مطلقاً في أنه من الممكن أن يكون بعد هذا العالم الملوث ثمة مكان ضيق ومنزل آخر، ولذا تراه غارفاً في حجب الظلمة؛ إن مثل هذه الإنسان هو مصداق لقوله تعالى: {أخلد إلى الأرض واتبع هواه}7. فقد ابتعد عن الله تعالى لأن قلبه ملوث بالذنوب وتغلف بحجب الظلام، ولأن روحه ضمرت نتيجة كثرة معاصي؛ ذلك أن عبادة الأهواء وحب الدنيا والجاه، يعمي العقل والعين ويحول دون رؤية الحقيقة، فلا يعود بمقدوره التخلص من حجب الظلام، ناهيك عن التخلص من حجب النور وتحقق مرتبة الانقطاع إلى الله سبحانه.
أجل، فمثل هذا إذا كان يؤمن بشيء، فإن غاية إيمانه لا تتعدى عدم إنكاره لمقام أولياء الله، ولا يصف عوالم البرزخ والصراط والمعاد والقيامة والحساب والكتاب والجنة والنار، بالخرافة! فالإنسان يبدأ يتنكر لهذه الحقائق بالتدريج نتيجة لكثرة ارتكابه المعاصي وتعلقه الشديد بالدنيا. إنه ينكر مكانة الأولياء ومقامهم، مع أن ذلك أمر جلي لا يتعدى عدة عبارات وردت في الدعاء والمناجاة.
مرحلة العلم والإيمان
تارة نرى الإنسان يعلم بهذه الحقائق ولكنه لا يؤمن بها.. إن من يتولى غسل الميت لا يخاف منه لأنه متيقن أنه غير قادر على إيذائه، فهو عندما كان على قيد الحياة وكانت الروح تدب في بدنه، كان عاجزاً عن الإيذاء، فكيف به الآن وقد أصبح جثة هامدة لا حراك فيها.. أما أولئك الذين يخافون من الموتى، فهو لأنهم لا يؤمنون بهذه الحقيقة وإنما على علم بها فحسب..
إنهم عالمون بالله ويوم الحساب، ولكنهم غير متيقنين. فالقلب لا علم له بما أدركه العقل. إنهم يعلمون بأن الدليل يقودهم إلى الإيمان بالله والمعاد ويوم القيامة. ولكن هذا البرهان العقلي نفسه من الممكن أن يكون حجاباً على قلوبهم يمنع نور الإيمان من أن يسطع عليها، ولا ينقذهم من ذلك إلا الله سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظمات إلى النور}8. فالذي وليّه الله ويخرجه من الظلمات، لا يرتكب الذنوب، لا يغتاب، ولا يتهم، ولا يحقد على أخيه المؤمن أو يحسده، ويشعر بالنور يملأ قلبه فلا يعود يقيم وزناً للدنيا وما فيها، ويصبح كما قال أمير المؤمنين (ع): "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت"9.
إلا أن بعضكم يدوس على كل شيء ويغتاب عظماء الإسلام. فإذا كان الآخرون يغتابون بقال المحلة ويتحدثون ضده، فإن هؤلاء ينسبون التهم لعلماء الإسلام ويهينونهم ويتطاولون عليهم، لأن الإيمان لم يترسخ في النفوس ولم يؤمنوا بجزاء أعمالهم وأفعالهم.
"فالعصمة" ليست غير الإيمان الكامل. إن عصمة الأنبياء والأولياء لا تعني أن جبرئيل ـ مثلاً ـ يأخذ بأيديهم ويرشدهم إلى ما ينبغي فعله. (وبطبيعة الحال لو أن جبرائيل أخذ بيد شمر بن ذي الجوشن على هذا النحو لما ارتكب محرماً أبداً). بل العصمة وليدة الإيمان؛ فإذا آمن الإنسان بالله تعالى ورآه بعين القلب كما يرى الشمس بناظريه، فمن غير الممكن أن يرتكب ذنباً أو معصية. فإذا كنت على رأى ومسمع من رجل قوي مسلح، فإنك تجتنب القيام بما يسوءه. وهكذا الإنسان الذي يعتقد ويتيقن من أنه على مرأى ومسمع من الله تبارك وتعالى وأنه حاضر بين يديه سبحانه دائماً، فإنه لن يتجرأ على ارتكاب ما لا يرضاه الله تعالى.
فالمعصومون (ع) وبعد أن خلقوا من طينة طاهرة ونتيجة للرياضات واكتساب الملكات الخلقية الفاضلة، أصبحوا يرون أنفسهم دائماً في محضر الله سبحانه الذي يعلم ويحيط بكل شيء، ويؤمنون بمعنى "لا إله إلا الله"، وعلى يقين من أن كل شيء زائل إلا الله وليس بمقدور أحد التأثير على مصائرهم: {كل شيء هالك إلا وجهه}10. فإذا ما تيقن الإنسان وآمن بأن كل العوالم الظاهرة والباطنة هي في محضر الله تعالى، وأنه سبحانه حاضر وناظر في كل مكان، يستحيل أن يصدر منه ذنب أو معصية.
إن الإنسان ليمتنع عن ارتكاب ذنب على مرأى من طفل مميز. إنه يمتنع عن كشف عورته أمامه، فكيف ياترى يكشف عوراته بحضور الله تعالى دوى أي حياء أو خجل؟ والسبب في ذلك هو إيمانه بوجود الطفل. ولكن رغم علمه بحضور الله تعالى إلا أنه لا يؤمن به. بل إن قلبه أصبح مظلماً نتيجة لكثرة المعاصي ولذا لا يستطيع أن يقبل هذا النوع من الحقائق أصلاً. بل ربما لا يحتمل حتى صحة وحقيقة وجودها أيضاً. إن الإنسان لو كان يحتمل ـ ولا أقول يتيقن ـ صحة هذه الإخبارات التي وردت في القرآن الكريم، وصحة هذا الوعد والوعيد، لأعاد النظر في سلوكه وأفعاله ولم يترك العنان لنفسه يفعل ما يشاء دونما حياء أو خجل.
إنكم إذا احتملتم ـ مجرد احتمال ـ أن في الطريق الذي ستقطعونه حيواناً مفترساً من الممكن أن يلحق بكم أذى، أو قاطع طريق يمكن أن يتعرض لكم؛ فإنكم لا شك سوف تتوقفون عن المسير وتتدارسون الموقف وتتأكدون من مدى صحة ذلك.. فهل من الممكن أن يحتمل الإنسان وجود جهنم والخلود في النار، ومع ذلك يقدم على ارتكاب المعاصي؟ هل يمكن القول أن شخصاً يعتبر الله سبحانه حاضراً وناظراً ويرى نفسه في محضر الربوبية، ويحتمل أن ثمة جزاء لأفعاله وأقواله، وأن كل كلمة ينطق بها في هذه الدنيا وكل خطوة يخطوها وكل عمل يرتكبه، تكتب وتحفظ، ذلك أن ملائكة الله "رقيب" و"عتيد"، حيث يقول عز من قائل: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}11، يراقبونه ويكتبون كل أعماله وأقواله.. فهل من الممكن أن يعتقد إنسان بكل هذا أو يحتمله، ولا يتورع عن معصية الله تبارك وتعالى؟
إن الطامة الكبرى هي أنهم لا يحتملون حتى وقوع هذه الحقائق. إذ إن ما يستفاد من سلوك بعض الناس وطريقتهم في الحياة، أنهم حتى لا يحتملون وجود عالم ما وراء الطبيعة؛ لأن مجرد احتمال ذلك كاف في ردع الإنسان عن ارتكاب كثير من الأمور الشائنة.
الخطوة الأولى في التهذيب
حتى متى تريدون أن تظلوا تغطون في نوم الغفلة، ومنغمسين في الفساد والضياع؟.. اتقوا الله.. اخشوا عاقبة الأمور.. أفيقوا من غفلتكم.. إنكم لم تفيقوا بعد ولم تخطوا الخطوة الأولى. إن "اليقظة" تمثل الخطوة الأولى في السلوك. ولكنكم مازلتم تغطون في نوم عميق. فلو لم تكن الأفئدة ملوثة بنوم الغفلة، والقلوب اسودت وصدئت نتيجة للذنوب، لما كنتم هكذا غير مبالين وغير مهتمين، تواصلون الأعمال والأقوال المشينة. فلو فكرتم قليلاً بأمور آخرتكم وعقباتها الكأداء لأوليتم اهتماماً أكبر للمسؤوليات الجسام الملقاة على عواتقكم.
إن وراءكم حساباً، كما أن أمامكم معاداً وقيامة (فلستم كسائر الكائنات التي لا معاد لها ولا حساب عليها). فلماذا لا تتعظون؟ لماذا لا تفيقون وتتيقظون؟ لماذا تخوضون مطمئنين في الاغتياب والإساءة إلى إخوتكم المسلمين أو تستمعون إلى ذلك؟. هل تعلمون أن هذه الألسن التي تمتد لاستغابة الآخرين، سوف تداس بأرجل الآخرين يوم القيامة؟ هل تعلمون أن الغيبة إدام كلاب النار12. هل فكرتم أصلاً في العواقب الوخيمة السيئة لهذه الاختلافات والعداوات والحسد وإساءة الظن والأنانية والغرور والتكبر؟ هل تعلمون أنه من الممكن أن تكون جهنم عاقبة هذه الأفعال الدنيئة المحرمة وتقود إلى الخلود في نار جهنم؟
لا قدر الله أن يبتلى الإنسان بأمراض لا تبدو آلامها. إن الأمراض المؤلمة تدفع الإنسان لأن يفكر بعلاجها، فيذهب إلى مراجعة الطبيب أو المستشفى. بيد أن المرض الذي لا يرافقه الألم ولا يشعر الإنسان بتبعاته، مرض خطر لأنه عندما يتنبه الإنسان إليه يكون قد فات الأوان واستحال العلاج.
والأمراض النفسية هي من هذا النوع. فلو كانت مصحوبة بالألم المباشر لحرّكت المصاب ودفعته إلى معالجتها. ولكن ماذا نفعل؟ ماذا نفعل مادامت هذه الأمراض لا يحس بآلامها رغم خطورتها؟
إن مرض الغرور والأنانية، من الأمراض التي لا تظهر آلامها.. المعاصي الأخرى تفسد القلب والروح دونما ألم. إن هذه الأمراض ليست فقط غير مصحوبة بالألم، بل تتسم بظاهر يبعث على التلذذ. إذ إن مجالس الغيبة والنميمة قد تكون محببة!. فالإنسان يشعر مع حب النفس وحب الدنيا ـ اللذان هما مصدر جميع الذنوب13 ـ بلذة ونشوة.
إن المبتلى بالاستسقاء يقضي عليه الماء، إلا أنه يتلذذ به إلى آخر نفس من أنفاسه. ولا شك في أن الإنسان إذا ما تلذذ بمرض لا يصاحبه ألم، لم يذهب لمعالجته ولا يعبأ بكل من يحذره من خطورة هذا المرض.
فإذا ما ابتلي الإنسان بحب الدنيا واتباع الهوى، واستحوذ حب الدنيا على قلبه، فإنه يتألم من كل شيء عدا الأمور الدنيوية، ويعادي ـ والعياذ بالله ـ الله وعباد الله والأنبياء والأولياء وملائكة الله، ويحس بالحقد والبغضاء. وحينما يأتي أجله وتأتي ملائكة الله لتتوفاه يشعر بالاستياء الشديد وينفر منهم، لأنهم يريدون أن يبعدوه عن محبوبته (الدنيا والأمور الدنيوية)، ولذلك يبغضهم وينفر منهم، وربما يخرج من هذه الدنيا وهو عدو لله تعالى.
حدث أحد الأكابر من أهالي قزوين ـ رحمة الله ـ فقال: إنه كان جالساً عند رأس شخص يحتضر فسمعه يقول: إن الظلم الذي ظلمني إياه الله تعالى لم يظلمني مثله أحد. لقد بذلت مهجتي في تربية أولادي، وهاهو يريد أن يبعدني عنهم! فهل هناك ظلم أشد من هذا وأعظم؟
فإذا لم يهذب الإنسان نفسه، ولم يعرض عن الدنيا ويخرج حبها من قلبه، فيخشى عليه أن يترك الدنيا وقلبه مملوء بالحقد على الله وأوليائه وأن يواجه مثل هذا المصير المشؤوم.
هل حقاً إن هذا الإنسان الصلف هو أشرف المخلوقات، أم هو في الحقيقة أشر المخلوقات؟: { والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}14.
إن المستثنى في هذه السورة هم "المؤمنون" الذين عملوا الصالحات فحسب. و"العمل الصالح" هو الذي ينسجم مع الروح. ولكن كثيراً من أعمال الإنسان ـ كما ترون ـ تنسجم مع الجسم دون أن يوجد من التواصي المذكور في السورة المباركة عين أو أثر.
فإذا كان الأساس أن يسيطر عليكم حب الدنيا وحب النفس ويحول دون درككم للحقائق والواقعيات، ودون أن يكون عملكم خالصاً لوجه الله تعالى، ويمنعكم عن التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وسد طريق الهداية أمامكم؛ فإذا كان هذا الأساس فستبوؤون بالخسران المبين وتكونون ممن خسر الدنيا والآخرة، لأنكم قد أضعتم شبابكم وحُرمتم من نعم الجنة ونعيم الآخرة، أضعتم دنياكم وآخرتكم. فالآخرون إذا ما أغلقت طريق الجنة أمامهم، وسدت في وجوههم أبواب رحمة الله، واستحقوا الخلود في النار، فإنهم قد حظوا ـ على الأقل ـ بالدنيا وتمتعوا بلذائذها. أما أنتم..
احذروا أن يستفحل ـ لا سمح الله ـ حب الدنيا وحب النفس شيئاً فشيئاً في نفوسكم، ويصل بكم الأمر إلى أن يتمكن الشيطان من سلب إيمانكم؛ إذ يقال أن كل جهود الشيطان تتكرس لسرقة الإيمان وسلبه15..
إن كل جهود إبليس ومساعيه مكرسة لاختطاف إيمان الإنسان. فلم يقدم لكم أحد تعهداً أو مستنداً ببقاء إيمانكم. فما أدراكم لعله إيمان مستودع16 يتمكن الشيطان في النهاية من سلبه منكم، فتخرجون من الدنيا بعداوة الله وأوليائه.. عمر قضيتموه تتنعمون بالنعم الإلهية وتجلسون على مائدة الإمام صاحب الزمان (عج)، وفي النهاية تفارقون الحياة عديمي الإيمان والعياذ بالله، وتعادون ولي نعمتكم.
وعليه، فإذا كانت لديكم علاقة بالدنيا ومحبة لها، فحاولوا بكل جهدكم أن تقطعوا هذه العلائق. إن هذه الدنيا مع كل زخارفها وبهارجها، أحقر من أن تستحق المحبة، فكيف إذا ما كان الإنسان محروماً حتى من هذه المظاهر. فماذا تملكون أنتم من الدنيا حتى تنشد قلوبكم إليها؟ فهل لديكم غير المسجد والمحراب والمدرسة؟ فهل من الصحيح أن تتنافسوا على المسجد والمحراب وتثيروا النزاعات وتفسدوا المجتمع؟ وإذا افترضنا أن لكم من الدنيا ما للمرفهين والمترفين، فإنكم ستقضون ـ لا سمح الله ـ عمركم باللذائذ ثم ترون عند انتهاء العمر أن كل ذلك ليس أكثر من حلم جميل سرعان ما انقضى، بيد أن تبعاته ومسؤولياته سوف تبقى تلاحقكم وتأخذ بخناقكم دوماً. فما قيمة هذه الحياة السريعة الفناء الحلوة الظاهر ـ هذا إذا انقضت دونما غصص ـ في مقابل العذاب الدائم؟.
إن عذاب "أهل الدنيا" يكون أحياناً غير متناه؛ هذا فضلاً عن أن أهل الدنيا يتصورون أنهم قد ملكوا الدنيا واستمتعوا بجميع مزاياها ومنافعها، إلا أنهم مخطئون وغافلون. إن كل واحد ينظر إلى الدنيا من نافذة محيطه وبيئته، ويتصور أن الدنيا هي كما يرى. بيد أن هذا العالم أوسع من أن يستطيع الإنسان أن يتصوره ويتمكن من اكتشافه وسبر أغواره. وقد ورد في الحديث الشريف عن هذه الدنيا، بأن الله تبارك وتعالى "ما نظر إليها نظر رحمة"17.
وعليه ينبغي لنا أن نتعرف على حقيقة ذلك العالم الذي نظر إليه الله تعالى "نظرة رحمة".. ما هو "معدن العظمة" الذي دُعي إليه الإنسان؟ وما هي حقيقته؟. إن الإنسان أصغر من أن يدرك حقيقة "معدن العظمة".
إنكم إذا أخلصتم نواياكم وأصلحتم أعمالكم وأخرجتم من قلوبكم حب النفس وحب الحياة، فإن الدرجات الرفيعة والمقامات العالية قد أعدت لكم وهي في انتظاركم.. إن الدنيا وما فيها بكل بهارجها وزخارفها لا تساوي ذرة من المقام الذي أعد لعباد الله الصالحين. فجدوا واجتهدوا لبلوغ هذه المقامات السامية. وإذا ما استطعتم فابنوا أنفسكم واسموا بها إلى درجة لا تعبأوا حتى بهذه المقامات العالية والدرجات الرفيعة.
لا تعبدوا الله تعالى من أجل نيل هذه الأمور. بل اعبدوه لأنه أهل للعبادة18.. اسجدوا لله وعفّروا جباهكم بالتراب، حينها تخترقون "حجب النور" وتصلون إلى "معدن العظمة". فهل بمقدوركم أن تحققوا هذه المكانة والمنزلة من خلال أعمالكم هذه وهذا الطريق الذي تسلكونه؟. هل تتصورون أن النجاة من عقاب الله تعالى واجتياز العقبات المهولة والتخلص من نار جهنم، يتحقق بهذه السهولة؟ هل تتصورون أن بكاء الأئمة الأطهار ونحيب الإمام السجاد (ع)، هو من أجل تعليمنا؟ إنهم رغم منزلتهم العظيمة السامية ومقامهم الذي لا يضاهى، كانوا يبكون من خشية الله تعالى، لأنهم يعلمون مدى خطورة الطريق الذي سيجتازونه. كانوا مطلعين على المشاكل والصعوبات التي تعترض اجتياز الصراط؛ الصراط الذي يمثل أحد طرفيه الدنيا وطرفه الآخر الآخرة.. كانوا مطلعين على عوالم القبر والبرزخ والقيامة وعقباتها الكأداء؛ لذلك لم يكن يقر لهم قرار، وكانوا دائماً يلجأون إلى الله ويدعونه للنجاة من هول يوم القيامة.
فماذا أعددتم أنتم لهذه العقبات الكأداء والعقوبات التي لا تطاق، وأي طريق نجاة اخترتم؟ متى تريدون أن تهتموا بأنفسكم وتعلموا على تهذيبها وإصلاحها؟ إنكم الآن في ريعان الشباب قادرين على التحكم بقواكم ولم يدب الضعف بعد إلى أبدانكم؛ فإذا لم تفكروا الآن بتزكية أنفسكم وبناء ذواتكم، فكيف ستتمكنون من ذلك غداً عندما يتغلب الضعف عليكم ويسيطر الوهن، وتفقدون العزم وتضمحل فيكم الإرادة، فيكون ثقل الذنوب قد زاد من ظلمة القلب، عندها كيف يتسنى لكم بناء أنفسكم وتهذيبها؟
إن كل نفس تتنفسونه، وكل خطوة تخطونها، وكل لحظة تنصرم من أعماركم، يزيد من صعوبة إصلاحكم أنفسكم، وربما زاد أيضاً في ظلمة القلب والتباهي والغرور. فكلما يتقدم العمر بالإنسان تزداد هذه الأمور التي تتعارض مع سعادة الإنسان، وتضعف القدرة على الإصلاح. فإذا بلغتم مرحلة الشيخوخة فمن الصعب أن توفقوا لاكتساب الفضيلة والتقوى. ليس بمقدوركم أن تتوبوا، لأن التوبة لا تتحقق بمجرد لفظة "أتوب إلى الله"، بل تتوقف على الندم والعزم على ترك الذنوب19. وإن الندم والعزم على ترك الذنوب لن يحصلا للذين أمضوا عمراً في الغيبة والكذب وابيضت لحاهم على المعصية والذنوب، فمثل هؤلاء يظلون أسارى ذنوبهم إلى آخر أعمارهم.
فليتحرك الشباب قبل أن يداهمهم المشيب. ـ لقد بلغنا هذه المرحلة ونحن أعلم بمعاناتها ومصائبها ـ. إنكم مادمتم في مرحلة الشباب تستطيعون أن تفعلوا كل شيء. فما دمتم تملكون عزيمة الشباب وإرادة الشباب، باستطاعتكم أن تتخلصوا من أهواء النفس ورغباتها الحيوانية. ولكن إذا لم تبادروا إلى ذلك، ولم تفكروا بإصلاح أنفسكم وبنائها، فسوف يكون ذلك ضرباً من المحال عندما تبلغون مرحلة الهرم.. فكروا بأنفسكم مادمتم شباباً ولا تنتظروا إلى أن تصبحوا شيبة ضعافاً عاجزين.
إن قلب الشباب قلب رقيق وملكوتي، ودوافع الفساد فيه ضعيفة. ولكن كلما كبر الإنسان استحكمت في قلبه جذور المعصية إلى أن يصبح استئصالها من القلب أمراً مستحيلاً. كما ورد في الحديث الشريف عن أبي جعفر (ع) أنه قال: ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا تغطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً20.
إن إنساناً من هذا النوع قد لا يمر عليه يوم أو ليلة دون أن يعصي الله تعالى، وحينها يكون من الصعب أن يرجع قلبه في سن الشيخوخة إلى حالته الأولى. فإذا لم تصلحوا أنفسكم ـ لا سمح الله ـ وخرجتم من الدنيا بقلوب سوداء وعيون وآذان وألسنة ملوثة بالذنوب، فكيف ستقابلون الله تعالى؟ كيف ستؤدون هذه الأمانات الإلهية التي استودعكم الله إياها بمنتهى الطهارة والبراءة، مدنسة بالقذارة والرذالة؟
هذه العين وهذه الأذن اللتان هما تحت تصرفكم، وهذه اليد وهذا اللسان اللذان تحت سلطتكم، وهذه الأعضاء والجوارح التي تعيشون معها، كلها أمانات الله سبحانه وتعالى، وقد منحكم إياها في غاية السلامة والطهارة، فإذا ابتليت بالمعاصي فسوف تتلوث، وإذا تلوثت ـ لا سمح الله ـ بالمحرمات فسوف تجد طريقها إلى الرذالة، وآنذاك عندما تريدون إعادة هذه الأمانة فقد تسألون: أهكذا تحفظ الأمانة؟ هكذا كان القلب عندما أعطي لكم؟ العين التي استودعناكم إياها، هكذا كانت؟ وسائر الأعضاء والجوارح التي جعلناها تحت تصرفكم، هل كانت هكذا ملوثة وقذرة؟
بماذا ستجيبون عن هذه الأسئلة؟ وكيف ستواجهون الله الذي خنتم أماناته إلى هذا الحد من الخيانة؟ إنكم الآن شباب، وقد قررتم أن تفنوا شبابكم في هذا الطريق الذي لن ينفعكم دنيوياً بما يستحق الذكر. فإذا أمضيتم أوقاتكم الثمينة هذه وقضيتم ربيع شبابكم في طريق الله ومن أجل هدف مقدس، فإنكم ليس فقط لم تخسروا شيئاً بل تربحون الدنيا والآخرة.
ولكن إذا ما استمرت أوضاعكم على هذا المنوال الذي عليه الآن، فإنكم تتلفون شبابكم وتهدرون خيرة سنوات عمركم، وستكونون مسؤولين أعظم مسؤولية عند الله تعالى في العالم الآخر. علماً أن جزاء أعمالكم الفاسدة والمفسدة هذه لا ينحصر بالعالم الآخر، بل إنكم سترون أنفسكم في هذه الدنيا وقد أحاط بكم البلاء من كل جانب، وسدت عليكم الآفاق وضيق الخناق.
تحذير آخر
إن مستقبلكم مظلم؛ يحيط بكم أعداء كثيرون من كل صوب، وقد وضعوا الخطط الجهنمية الفتاكة للقضاء عليكم وعلى الحوزات العلمية.. لقد وضعت الأيادي الاستعمارية خططاً خطيرة للإحاطة بكم.. خططاً جهنمية تستهدف الإسلام والمسلمين. إنهم وتحت ستار الإسلام وضعوا لكم خططاً خطيرة، وإنكم لن تستطيعوا أن تتخلصوا من خططهم الشيطانية إلا في ظل بنا الذات والتهذيب والنظم والترتيب السليم. فبهذا وحده تستطيعون أن تحبطوا محاولاتهم المجرمة هذه.
إنني أقضي الآن آخر أيام حياتي، وسأفارقكم عاجلاً أو آجلاً، ولكني أتوقع لكم مستقبلاً مظلماً وأياماً سوداء. فإذا لم تصلحوا أنفسكم وتتجهزوا وتجعلوا النظام والانضباط حاكماً على دراستكم وحياتكم، فإنكم محكومون بالفناء والاندثار ـ لا سمح الله ـ.
ففكروا قبل أن تضيع الفرصة، وقبل أن يستولي الأعداء على جميع شؤونكم الدينية والعلمية. فكروا وانتبهوا وتحركوا.. ففي المرحلة الأولى اهتموا بتهذيب النفس وتزكيتها، وإصلاح ذات بينكم. خذوا بوسائل العصر.. نظموا أموركم، وابسطوا النظام والانضباط على كل شؤون الحوزات العلمية.. لا تدعوا الآخرين يحاولون تنظيم هذه الحوزات. لا تسمحوا للأعداء أن يتسلطوا عليها زاعمين أن العلماء ليسوا أهلاً لشيء ولا يقدرون أن يفعلوا شيئاً، إنما هم مجموعة عاطلين عن العمل.. إنهم بهذه الذرائع يريدون إفساد هذه الحوزات بذريعة إصلاحها وتنظيمها. يريدون أن يتسلطوا عليكم، فلا تدعوا لهم عذراً. فإذا نظمتم أموركم وهذبتم أنفسكم وضبطتم كل أوضاعكم فلن يطمع الآخرون بكم، ولن يعد بمقدورهم النفوذ إلى حوزاتنا العلمية ومؤسساتنا العلمائية.
هذبوا أنفسكم، وتجهزوا واستعدوا للحيلولة دون وقوع المفاسد التي يمكن أن تعترضكم. حصنوا الحوزات العلمية واجعلوها قادرة على التصدي للمشاكل التي ستواجهها.. إن أياماً سوداء بانتظاركم، ويبدو أن أياماً عجافاً ستواجهكم.. إن عملاء الاستعمار يتطلعون للقضاء على الإسلام ومحو كل أثر له. ولابد لكم من الوقوف في وجه ذلك وقفة شجاعة. ولن يتسنى لكم ذلك مع وجود حب النفس والجاه والغرور والتكبر.
إن عالم السوء.. العالم الغارق في حب الدنيا.. العالم الذي لا يفكر بغير البقاء في مركزه والحفاظ على زعامته؛ إن مثل هذا العالم لا يستطيع مجاهدة أعداء الإسلام، وإن ضرره أكثر من غيره.. فلتكن خطواتكم ربانية.. أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم، وآنذاك يمكنكم أن تجاهدوا.. فليحاول كل واحد منكم أن يلقن نفسه من الآن بأنه يتطلع لأن يكون جندياً يضحي من أجل الإسلام.. يتطلع للتضحية من أجل الإسلام.. لا تتشبثوا بالذرائع وتخلقوا لأنفسكم الأعذار بأن المرحلة لا تقتضي ذلك.. جدوا واجتهدوا لتكونوا في المستقبل نافعين للإسلام، وباختصار أن يكون كل واحد منكم إنساناً.
إن عملاء الاستعمار يخشون الإنسان.. المستعمرون الذين لا يفكرون بغير نهب ثرواتنا، ولا يسمحون أن يتربى في جامعاتنا "إنسان"، لأنهم يخشون الإنسان. فإذا ما وجد إنسان في دولة ما فإنه سوف يهدد مصالحهم.
إنكم تتحملون مسؤولية بناء أنفسكم ليصبح كل واحد منكم إنساناً سوياً ومتكاملاً، يقف في وجه مخططات أعداء الإسلام المشؤومة. فإذا لم تنظموا أنفسكم وتعدوا العدة للتصدي للضربات التي تكال كل يوم للإسلام، فسوف تقضون على أنفسكم وكذلك على أحكام الإسلام، وستكونون مسؤولين عن ذلك كله.
أنتم أيها العلماء.. وأنتم أيها الطلاب.. يا طلبة العلوم الدينية.. ويا أيها المسلمون، كلكم مسؤولون.. مسؤوليتكم أيها العلماء وطلبة العلوم الدينية تأتي في الدرجة الأولى، ثم مسؤولية بقية المسلمين. "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"21.
أنتم أيها الشباب، ينبغي لكم أن تقووا من إرادتكم لكي يتسنى لكم مجابهة كل أنواع الظلم والاستبداد، ولا سبيل غير ذلك.. إن كرامتكم وكيان الإسلام وكرامة الدول الإسلامية منوطة بمدى استعدادكم للتضحية والبذل والعطاء.
نسأل الله تعالى أن يحفظ الإسلام والمسلمين والدول الإسلامية من شر الأعداء، وأن يحمي الإسلام والحوزات العلمية الإسلامية من المستعمرين والخونة، وأن يوفق علماء الإسلام والمراجع العظام للدفاع عن أحكام الشريعة المقدسة ونشر تعاليم القرآن المجيد، وأن يوفق العلماء وطلاب العلوم الدينية للتنبه للأخطار المحدقة بهم، ووعي مسؤولياتهم الجسيمة في عصرنا الحاضر.
كما نسأله تعالى أن يحفظ الحوزات العلمية الإسلامية والمؤسسات العلمائية ويصونها من أيدي ونفوذ أعداء الإسلام وعملاء الاستعمار، وأن يوفق الجيل الشاب من طلبة العلوم الدينية والجامعيين وعامة المسلمين لبناء أنفسهم وتهذيبها وتزكيتها. كذلك يوفق الأمة الإسلامية للتحرر من نوم الغفلة واجتناب الخمول والتحجر والكسل، لكي تعود إلى ذاتها من خلال استلهام تعاليم القرآن النورانية والثورية، وينهضوا ويقطعوا أيادي الاستعمار وأعداء الإسلام الألداء عن البلدان الإسلامية بوحي من الاتحاد والوحدة، ويحققوا الحرية والاستقلال والمجد والعظمة الضائعة.
{ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}22. ربنا وتقبل دعاء.
أقوال مختارة
* كل الصفات الإنسانية الحميدة تمكن في الانقطاع الكامل إلى الله.
* إن الدنيا وما فيها بكل بهارجها وزخارفها، لا تساوي ذرة من المقام الذي أُعدّ لعباد الله الصالحين.
* إن هذه الدنيا بكل مظاهرها الساحرة، أحقر من أن تستحق المحبة.
* ما قيمة هذه الحياة الفانية ذات المظهر الخادع، في مقابل العذاب الأبدي؟.
* التوجه إلى غير الله تعالى يحجب الإنسان يحجب ظلمانية وحجب نورانية.
* الأمور الدنيوية بأجمعها إذا ما تسببت في انشداد الإنسان إلى الدنيا وغفلته عن الله تبارك وتعالى، فإنها تبعث على الحجب الظلمانية.
* كونوا حزب الله، وابتعدوا عن زخارف الحياة الدنيا ومظاهرها الخادعة.
* إن رجل الدين الذي يعتبر نفسه من أتباع وشيعة علي بن أبي طالب (ع)، لا يمكن أن ينخدع ببهارج الدنيا.
* إن جذور كل الاختلافات التي تفتقد إلى الهدف المحدد والمقدس، تعود إلى حب الدنيا.
* لقد بعث أنبياء الله تعالى لبناء الإنسان وتربيته، وإبعاده عن القبائح والخبائث والمفاسد والرذائل الأخلاقية، وترغيبه بالفضائل والآداب الحسنة.
* إذا خطوتم من أجل الله، فإن الله تبارك وتعالى مقلب القلوب يجعل القلوب تهفو إليكم.
* لا تعبأوا بأحد غير الخالق الصمد.
* إن قلب الإنسان كالمرآة صاف ومضيء، ولكنه يتكدر نتيجة تكالبه على الدنيا وكثرة المعاصي.
* كيف يتسنى الحضور في حضرة الحق تعالى والدخول في ضيافة رب الأرباب، الذي هو "معدن العظمة"، مع كل هذه التلوثات الروحية والرذائل الأخلاقية والمعاصي القلبية والظاهرية؟
* اتقوا الله.. واخشوا عاقبة الأمور، وأفيقوا من نوم الغفلة.
* كونوا بعيدي النظر.. زنوا عواقب الأمور.. تذكروا العقبات الخطيرة التي ستواجهونها.. تذكروا عذاب القبر وعالم البرزخ والشدائد والأهوال التي تعقبه.
* إن نيران جهنم تتأجج بإيحاء من أعمال الإنسان وأفعاله القبيحة.
* إذا لم يفعل الإنسان ما يؤجج نار جهنم فإن جهنم خامدة.. إن باطن هذه الدنيا جهنم، وإن الإقبال على الدنيا إقبال على جهنم ولعب بنارها.
* ما يحصده الإنسان في العالم الآخر، هو ثمرة زرعه في هذه الدنيا.
* فكروا بعاقبة أموركم قبل أن تضيع الفرصة من أيديكم.
* أنتم أيها الشباب، تسيرون نحو الهرم والشيخوخة، ونحن الشيوخ نسير نحو الموت.
* إن كل نفس تتنفسونه، وكل خطوة تخطونها، وكل لحظة تنصرم من أعمالكم؛ يزيد من صعوبة إصلاحكم أنفسكم، وربما زاد من ظلمة القلب والتباهي والغرور.
* مادمتم تملكون عزيمة الشباب وإرادته، باستطاعتكم أن تتخلصوا من أهواء النفس ورغباتها الدنيوية وغرائزها الحيوانية.
* إن قلب الشاب قلب رقيق وملكوتي ودوافع الفساد لديه ضعيفة. ولكن كلما تقدم العمر بالإنسان استحكمت في قلبه جذور المعصية إلى أن يصبح استئصالها من القلب أمراً مستحيلاً.
* التوبة النصوح لا تتحقق بمجرد النطق بكلمة أتوب إلى الله، بل من الضروري تحقق الندم والعزم على ترك المعاصي.
* توددوا إلى خلق الله وتعاملوا معهم بالحسنى، وانظروا إليهم نظرة عطف ومحبة.
* أحسنوا إلى عباد الله الصالحين.
* إن الذي لا يسلم بقية المسلمين من يده ولسانه ونظره، فهو في الحقيقة ليس بمسلم.
* الإساءة إلى عبد الله هي إساءة إلى الله تعالى.
* الذي ينصاع لهوى النفس ويتبع الشيطان، يكتسب صبغته بالتدريج.
* أهل الآخرة يعيشون في سلام ومحبة، وقلوبهم مفعمة بحب الله وعباده.
* محبة عباد الله هي ظل محبة الله.
* القرآن الكريم أمانة الله العظمى، وعلماء الدين ورجاله هم الأمناء الربانيون.
* وظائف العلماء خطيرة للغاية، ومسؤولية العلماء أعظم من مسؤولية باقي الأفراد.
* ورد في الحديث الشريف أن الروح عندما تكون في النزع الأخير، لم يعد للعالم موضع للتوبة.
* إذا انحرف العالم فقد يحرف أمة ويجرها للانحطاط.
* إذا كان العالم مهذباً ومراعياً للأخلاق والآداب الإسلامية، فسوف يعمل على تهذيب المجتمع وهدايته.
* العلم في النفس التي لم تهذب ليس أكثر من حجاب ظلماني.
* العلم نور، إلا أنه في الفؤاد المظلم والقلب الفاسد يزيد من دائرة الظلمة والعتمة.
* العلم الذي يقرب الإنسان إلى الله تعالى، يمسي في النفس المتعلقة بالدنيا سبباً في ابتعادها أكثر عن عرش ذي الجلالة.
* علم التوحيد أيضاً إذا كان لغير الله تعالى يمسي حجاب ظلماني.
* إذا لم يخرج الإنسان الخبائث من باطنه، فمهما درس وتعلم لن يجديه نفعاً، بل يلحق به أضراراً.
* العالم الفاسد يقود العالم إلى الفساد.
* (مخاطباً طلبة العلوم الدينية): إذا لم تدرسوا ـ لا سمح الله ـ فإنه يحرم عليكم الإقامة في المدارس الدينية.
* في كل خطوة تخطونها على طريق كسب العلم، اخطوا خطوة أخرى أيضاً على طريق كبح جماع الأهواء النفسية، وتقوية القوى المعنوية، وكسب مكارم الأخلاق، وتحصيل المعنويات والتقوى.
* إذا لم يكن الإخلاص وقصد القربى، فلا جدوى من هذه العلوم.
* اسعوا لإصلاح أنفسكم وتهذيبها قبل أن تنزلوا إلى المجتمع.
* عندما تغادرون مركز الفقه ـ الحوزة ـ ينتظر منكم أن تكونوا قد هذبتم أنفسكم وزكيتموها لكي يتسنى لكم تربية الناس وإصلاحهم.
* إذا انحرف شخص وارتد عن الإسلام بسبب أعمالكم وأفعالكم وسلوككم غير السليم، فإنكم ترتكبون بذلك أعظم الكبائر.
* لا قدر الله أن يحتفي المجتمع بإنسان قبل أن يهذب نفسه، وأن يجد له نفوذاً ومكانة في أوساط الناس، فإنه سوف يخسر نفسه.
* هذبوا أنفسكم واعملوا على إصلاحها قبل أن يسلب زمام الاختيار من أيديكم.
* تحلوا بالأخلاق الحسنة، وابتعدوا عن الرذائل الأخلاقية، وليكن رائدكم الإخلاص في الدراسة والبحث ليقربكم إلى الله تعالى.
* إذا لم تتوافر النية الصادقة في الأعمال، فسوف يبتعد الإنسان عن عرش الربوبية.
* احرصوا على إشاعة النظم والانضباط في الحوزات العلمية.
* أيادي الاستعمار تتطلع للقضاء على كيان الإسلام، وينبغي لكم مواجهة مخططاتهم.
* مع وجود حب النفس والجاه والكبر والغرور، لا يمكن المقاومة.
* ليس باستطاعة عالم السوء، العالم المشدود إلى الدنيا، العالم الذي لا يفكر بغير الحفاظ على المنصب والرئاسة؛ أن يجاهد ضد أعداء الإسلام.
* اخطوا خطوة إلهية، وأخرجوا حب الدنيا من القلب، عندها يتسنى لكم النضال.
1 يذكر أن بحوث كتاب الجهاد الأكبر مستقاة من إرشادات وتوجيهات سماحة الإمام الخميني، كانت قد صدرت عن سماحته في فترات مختلفة أثناء وجوده في النجف الأشرف بالعراق، وقام بتدوينها سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد روحاني.
1 قال أمير المؤمنين (ع): "لما وجهني رسول الله (ص) إلى اليمن قال: يا علي لا تقاتل أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، وأيم الله لأن يهدي الله عز وجل على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه". الكافي، ج5، ص36، "كتاب الجهاد"، "باب الدعاء إلى الإسلام قبل القتال"، حديث2.
2 أصول الكافي، "كتاب فضل العلم"، أبواب: صفة العلماء، بذل العلم، النهي عن القول بغير علم، استعمال العلم، المستأكل بعلمه والمباهي به، لزوم الحجة على العالم، و"باب النوادر".
3 وسائل الشيعة، ج18، ص9 ـ 17، وص98 ـ 129، "كتاب القضاء"، "أبواب صفات القاضي"، باب4، 11، 12.
1 أصول الكافي، ج1، ص59، "كتاب فضل العلم"، "باب لزوم الحجة على العالم.."، الحديث3.
2 أصول الكافي، ج1، ص59، "كتاب فضل العلم"، "باب لزوم الحجة على العالم.."، الحديث2.
3 قال رسول الله، (ص): "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي. قيل: ومن هم؟ قال (ص): العلماء والأمراء" كتاب الخصال، "باب الاثنين"، ص37. وكذلك انظر تحف العقول، ص50.
4 عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يحدث عن النبي (ص) أنه قال في كلام له: "العلماء رجلان: رجل عالم آخذ بعلمه، فهذا ناج. وعالم تارك لعلمه، فهذا هالك. وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه" كتاب أصول الكافي، ج1، ص55، "كتاب فضل العلم"، "باب استعمال العلم"، الحديث1.
5 ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: "كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع" كتاب الكافي، ج3، ص164، "كتاب الإيمان والكفر"، "باب الصدق وأداء الأمانة"، الحديث 10.
1 غرر الحكم، ج7، ص269.
2 من أمثال محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية, والشيخ أحمد الإحسائي والسيد الكاظم الرشتي مؤسسي الفرقة الشيخية، وأحمد كسروي، وغلام أحمد مؤسس القاديانية.
1 آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (1276 ـ 1355هـ)، أحد الفقهاء العظام ومراجع التقليد الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري. حضر في مدينتي النجف وسامراء دروس أساتذة كبار أمثال الميرزا الشيرازي الكبير والميرزا محمد تقي الشيرازي، والآخوند الخراساني، والسيد الكاظم اليزدي، والسيد محمد الإصفهاني الفشاركي. انتقل عام 1340هـ إلى مدينة قم للإقامة فيها وتأسيس حوزتها العلمية. من مصنفاته: درر الفوائد في الأصول، والصلاة والنكاح والرضاع والمواريث في الفقه.
1 أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460هـ)، ويلقب بشيخ الطائفة، من فحول علماء الإمامية. كان رئيس فقهاء ومتكلمي عصره، وكان بارعاً في الأدب وعلم الرجال والتفسير والحديث أيضاً. ومن أساتذته الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن غضائري وابن عبدون. والشيخ هو صاحب كتابي الاستبصار والتهذيب في الحديث، اللذين يعدان من كتب الإمامية الأربعة. وكان الشيخ الطوسي قد جعل من النجف الأشرف مركزاً علمياً للشيعة.
2 بدأ الشيخ الطوسي بتأليف كتاب التهذيب، الذي هو شرح لكتاب المقنعة للشيخ المفيد، في حياة أستاذه (الشيخ المفيد المتوفى عام 413هـ)، وكان له من العمر وقتئذ نحو 26 عاماً. راجع مقدمة تفسير التبيان بقلم الشيخ آقا بزرك الطهراني.
3 علي بن الحسين بن موسى المعروف بالسيد المرتضى أو علم الهدى (355 ـ436هـ). من عظام علماء الإسلام والشيعة. حضر درسه العديد من كبار علماء الإمامية بما فيهم الشيخ الطوسي. من تصانيفه: الأمالي، والذريعة إلى أصول الشريعة، والناصريات، والانتصار، والشافي.
1 الكلمات المكنونة للفيض الكاشاني، ص123.
2 الشيخ مرتضى الأنصاري (1214 ـ 1281هـ) الملقب بـ "خاتم الفقهاء والمجتهدين"، وهو من أحفاد الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري. كان من نوابغ علم الأصول، وقد أوجد تحولاً كبيراً في هذا العلم. ومن أساتذته: الشيخ موسى كاشف الغطاء، والشيخ علي كاشف الغطاء، والملا أحمد النراقي والسيد محمد مجاهد. ربى الشيخ الأنصاري فقهاء كباراً؛ منهم الآخوند الخراساني، والميرزا الشيرازي، والميرزا محمد حسن آشتياني. من تصانيفه: فرائد الأصول (المعروف بالرسائل)، والمكاسب وهو من الكتب الحوزوية الشهيرة.
3 هو السيد علي بن السيد محمد (المتوفى عام 1283هـ) من كبار زهاد وعرفاء عصره. وقد أجازه كل من الشيخ الأنصاري والسيد الحسين إمام جمعة شوشتر. اشتغل فترة في القضاء والإفتاء في مدينة شوشتر، ثهاجر إلى النجف الأشرف ليحضر دروس الشيخ الأنصاري في الفقه. وكان الشيخ بدوره يحضر دروس السيد في الأخلاق. وكان السيد وصي الشيخ الأنصاري، وبعد وفاة الشيخ حل محله في التدريسذلك كان المرحوم السيد علي أستاذ ومربي الآخوند ملا حسين قلي الهمداني الذي كان لديه تلامذة كثيرون وكان يتولى إرشادهم، وإن أساتذة كبار نظير الميرزا جواد ملكي التبريزي، والسيد أحمد الكربلائي، والشيخ محمد البهاري، والسيد علي قاضي التبريزي، والعلامة الطباطبائي، هم من خريجي مدرسته.
4 مجمع البيان، تفسير الآية الرابعة من سورة "القلم".
1 سورة مريم، الآية 96.
1 ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) قوله: "لو أن حملة العلم حملوه بحقه، لأحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه. ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس" تحف العقول، ص201، باب كلمات أمير المؤمنين (ع).
1 صفات الشيعة تأليف الشيخ الصدوق، كذلك يراجع بحار الأنوار، ج65، ص83 ـ 95 وص149 ـ 196، "كتاب الإيمان والكفر"، "باب أن الشيعة هم أهل دين الله..."، "باب صفات الشيعة وأصنافهم...". ويراجع أيضاً شرح الأربعين حديثاً للإمام الخميني، الحديث 29.
1 سورة ص، الآية 64.
2 إشارة إلى الحديث: ولهذا لما سئل بعض أئمتنا عن عموم الآية المذكورة (آية 71 من سورة مريم)، قال: "جزناها وهي خامدة". كتاب علم اليقين، ج2، ص917.
3 سورة آل عمران، الآية 182.
4 سورة الكهف، الآية 49.
5 سورة الزلزال، الآيتان 7 و8.
1 سورة فصلت، الآية 21.
1 سورة النبأ، الآية 23.
2 أورد العياشي باسناده عن حمران قال: "سألت أبا جعفر (ع) عن هذه الآية: {لابثين فيها أحقاباً} فقال: هذه في الذين يخرجون من النار". مجمع البيان، ج10، ص424، في تفسير آية 23 من سورة النبأ.
3 سورة المجادلة، الآية 22.
1 إقبال الأعمال، أعمال شهر شعبان، ص685.. مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ص374. بحار الأنوار، ج91، ص97 ـ 99. "كتاب الذكر والدعاء"، الباب 32، الحديث 12.
2 المصدر نفسه.
3 بحار الأنوار: الأدعية والمناجاة.
1 وسائل الشيعة، ج7، ص227، "كتاب الصوم"، "أبواب أحكام شهر رمضان"، الباب 18، الحديث20.
1 عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: "كان رسول الله (ص) يقبل بوجهه إلى الناس فيقول: معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان، غلت مردة الشياطين وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار واستجيب الدعاء" كتاب وسائل الشيعة، ج7، ص224، "كتاب الصوم"، "أبواب أحكام شهر رمضان"، الباب 18، الحديث14.
2 مستوحى من الآية 138 من سورة البقرة: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}.
1 عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): "ألا أنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم. ألا أنبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده". كتاب الكافي، ج3، ص331، "كتاب الإيمان والكفر"، "باب المؤمن وعلاماته وصفاته"، الحديث 19.
2 سورة الروم، الآية 10.
3 كما تشير إلى ذلك الآية 105 من سورة التوبة: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}. وينقل أبو بصير عن الإمام الصادق (ع) قوله: "تعرض الأعمال على رسول الله (ص)، أعمال العباد كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله}." أصول الكافي/ ج1، ص318، "كتاب المحجة"، "باب عرض الأعمال على النبي (ص) والأئمة عليهم السلام"، الأحاديث 1 ـ6.. كذلك انظر تفسير البرهان، ج2، ص157.
4 الكافي، ج4، ص63، "كتاب الصوم"، "باب ما جاء في فضل الصوم والصائم"، الحديث6.
5 سورة التين، الآية 5.
6 سورة التين، الآية 4.
7 سورة الأعراف، الآية 176.
8 سورة البقرة، الآية 257.
9 نهج البلاغة، الخطبة: 215.
10 سورة القصص، الآية 88.
11 سورة ق، الآية 18.
12 جاء في موعظة أمير المؤمنين (ع) لنوف البكالي: "اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار.." وسائل الشيعة، ج8، ص600، كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 16.
13 عن أبي عبد الله (ع) قال: "رأس كل خطيئة حب الدنيا". الكافي، ج2، ص2، كتاب الإيمان والكفر، باب حب الدنيا والحرص عليها، الحديث 1. انظر أيضاً: بحار الأنوار، ج70، ص1، وج74، ص178.
14 سورة العصر.
15 {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم}، سورة الأعراف، الآية 16. وقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل الآية 17 من سورة الأعراف: "إذ ما سلك الأفراد طريق الهداية، فإن الشيطان يسعى لحرفهم عن طريق الدين". تفسير علي بن إبراهيم. ج1، ص224.. انظر أيضاً تفسير البرهان، ج2، ص5.
16 نقل محمد بن الفضيل عن الإمام موسى بن جعفر (ع) قوله: "ما كان في الإيمان المستقر، فمستقر إلى يوم القيامة [أو أبداً]؛ وما كان مستودعاً سلبه الله قبل الممات". انظر تفسير العياشي، ج1، ص401. كما ورد في نهج البلاغة أيضاً قوله (ع): "فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، وما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم".. نهج البلاغة، الخطبة 231.
17 ونص الحديث: "فما لها عند الله عز وجل قدر ولا وزن؛ ولا خلق فيما بلغنا خلقاً أبغض إليه منها، ولا نظر إليها مذ خلقها" انظر بحار الأنوار، ج70، ص110، كتاب الإيمان والكفر، الباب 122، الحديث 109.
18 روي عن الإمام الصادق (ع) قوله: "العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفاً، فتلك عبادة العبيد. وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأجراء. وقوم عبدوا الله عز وجل حباً، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة". انظر وسائل الشيعة، ج1، ص45، أبواب مقدمة العبادة، الباب 9، الحديث 1. كذلك أصول الكافي، ج3، ص131، كتاب الإيمان والكفر، باب العبادة، الحديث5.
19 عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إن الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى. والثاني العزم على ترك العَوْد إليه أبداً". انظر نهج البلاغة، الحكمة409. وللمزيد من الاطلاع حول التوبة، انظر شرح الأربعين حديثاً للإمام الخميني، الحديث 17.
20 الكافي، ج3، ص274، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، الحديث20.
21 عوالي اللئالي، ج1، ص129، الفصل8، الحديث3. كذلك انظر الجامع الصغير، ج2، ص45، و95.
22 سورة البقرة، الآية 250.