الآثار الأخلاقية للانتظار (٢)
عرفنا في الحلقة السابقة ان الشخص المنتظر للإمام عليه السلام انتظاراً ايجابياً, لابد ان يكون منسجما مع الروح التي يحملها الإمام عليه السلام, فيبتعد على الظلم والجور.
وفي هذه الحلقة سنتحدث عن صور أخرى من صور الانتظار الايجابي.
إن من صور الانتظار الايجابي الأخرى للإمام المهدي عليه السلام عند الأفراد والمجتمعات هو السعي للتمهيد للإمام المهدي عليه السلام تمهيداً عملياً، وهذا التمهيد يكون بشتى الوسائل, منها التمهيد الفردي بان يجهز الإنسان نفسه وان يعدها فعلاً لظهور الإمام المهدي عليه السلام.
فعندما نقرأ في دعاء الافتتاح (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك).فمعنى هذا انه لابد ان يكون للمنتظر طموح إلى المستوى الذي يهيئ نفسه لمستوى القيادة, ولمستوى الدعاة في دولة الإمام المهدي عليه السلام, بمعنى انه لا ينتظر فقط لاجل ان يستمتع بمكتسبات الدولة التي ستأتي وستقام.
ومعنى (تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك) الواردة في الدعاء هو ان يهيئ الفرد نفسه من الآن فلو ظهر الإمام عليه السلام فعلاً فهو _اي الفرد_ سيكون بالمستوى الذي يكون فيه من الدعاة ومن القادة في دولة الإمام المهدي عليه السلام.
ومن الدور الايجابي لانتظار لدولة الإمام المهدي عليه السلام تمهيداً عمليا هو التطوير العلمي _ان صح التعبير_، فهناك مسؤولية العقل ودور العلم ومؤهلات الفرد. أي الأسباب الطبيعية.
وهذا هو السر الذي تشير فيه الروايات إلى وجود دولة ممهدة للإمام المهدي عليه السلام وان يكون التمهيد تمهيداً على كل الأصعدة بما في ذلك الصعيد العلمي العملي والصعيد التكنولوجي.
والأمر الآخر الذي يعتبر من الانتظار الايجابي أيضاً هو ان الإنسان لابد ان يتحمل دفع ضريبة المعاناة, والروايات عندما تتحدث عن المنتظرين لدولة الإمام المهدي عليه السلام تتحدث عن المعاناة, وتتحدث عن الماسي, وتتحدث عن الصعاب التي تمر على هؤلاء المنتظرين, فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ان اجر الرجل منهم كأجر خمسين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) والسر في ذلك هو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إنكم لو حملتم ما حملوا لم تصبروا صبرهم) بمعنى ان الفرد المنتظر عليه ان لا يستسلم لأية مواجهة مهما كان نوعها وهذا هو معنى الضريبة.
وان أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام المنتظرين للإمام المهدي عليه السلام عموما يواجهون فعلاً شتى وسائل صور المواجهة من قبل أعداء الأمة وأعداء الإسلام وهذا كله ضريبة, تصب في مصب الانتظار الايجابي، فكلما كان الانتظار الايجابي أقوى كلما أثبت وجوده بقدر ما توُجه هؤلاء المنتظرون بشتى وسائل المواجهة سواء السياسية أو الإعلامية أو العسكرية أو غير ذلك فهم سائرون في طريق التمهيد لظهور الإمام الحجة عليه السلام.
ولا ننس ان للانتظار ناحية أخرى هي ناحية المشاعر والعواطف, فحالة الانتظار حالة قلق واضطراب وعدم استقرار وهي في الفكر المهدوي تختلف اختلافا كبيرا عما في غيرها فهي هنا سبب في الارتقاء المعنوي والقرب من الله سبحانه بمعنى ان الإنسان يبني نفسه بها ويقترب أكثر من الله سبحانه وتعالى. فالانتظار من أهم عوامل الارتقاء المعنوي والروحي للإنسان الفرد المسلم, لهذا ذكرت الأحاديث (بان أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج)، (أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج) وقد عبرت الأحاديث بعبارة الانتظار لأنه جهاد، وهذا أيضا يحمل الإنسان مسؤولية, فالأحاديث أو الروايات التي وردت عن أهل البيت عليه السلام والتي تعطي المنتظر عليه السلام صفة القمة في الرقي المعنوي، فعندما يقول الإمام الصادق عليه السلام ويتحدث عن أصحاب الإمام عليه السلام بأنهم (رهبان بالليل ليوث بالنهار) فالرهبنة تعني الانقطاع التام إلى الله عز وجل، ففي الليل تجد هذا الإنسان المنتظر الممهد من اعبد الناس لله سبحانه وتعالى, وفي النهار تجده الفاعل الحركي القوي الذي يؤدي دوره في ميادين الجهاد، وهذه الرواية تشير إلى المعنى القرآني الذي يقول فيه (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) إشارة إلى ان التعبد في الليل مما يعطي الإنسان الطاقة في النهار للقيام بالدور الحركي والعملي.
ان أصحاب الإمام المهدي عليه السلام او الممهدين له عليه السلام هم هكذا، من الرقي المعنوي, فهذا عمار الساباطي احد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام يسأله عليه السلام (أي العبادة أفضل مع الإمام الظاهر بالحق او الإمام المستتر) وإذا بالإمام الصادق عليه السلام يقول (الصلاة مع الإمام المستتر أفضل من الصلاة مع الإمام الظاهر بالحق)، وهذه إشارة إلى وجود هذا الرقي المعنوي لأثر الانتظار على الفرد المنتظر.
فهو إيمان بالغيب وهو من أهم صفات المؤمن (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ).
ومن الآثار الايجابية للانتظار هو ان المنتظر للإمام المهدي عليه السلام أيضا يجب ان يكون في أرقى صور التمثل بالأخلاق ومحاسنها, وهناك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام تقول بأن نعمل بالورع ومحاسن الأخلاق,التي لابد ان تكون سلوكا للإنسان بطبيعته وهو يمهد الأرضية عند الإنسان ويهيئ النفس لان يكون من أنصار الإمام المهدي عليه السلام وهي تعتبر من أهم المناهج للدعوة لدولة الإمام المهدي عليه السلام، فالروايات تقول كونوا (دعاة لنا بغير ألسنتكم، كونوا دعاة لنا صامتين)، هذه الدعوة هي دعوة للإمام المهدي عليه السلام.
وفي هذا الزمن يجب ان يكون سلوك الفرد الموالي لأهل البيت عليهم السلام بالأخص سلوكا ينسجم مع الدعوة كمنهج دعوة للإمام المهدي عليه السلام، فالفرد الموالي لأهل البيت عليهم السلام سواء كان في محيطه الموالي او في محيط آخر عليه ان يتمثل بأسمى الأخلاق ليجسد معنى الانتظار الواقعي للإمام المهدي عليه السلام.