أربعون يوماً وأربعون منزلاً عانى ما عانى ما تبقى من أهل بيت الوحي والنبوة والامامة عليهم السلام ومن معهم، من الويلات والمصائب الشداد وإذلال من الارهاب التكفيري الأموي القائم على الأمة حتى يومنا هذا، ذلك الارهاب الذي لا يطيق وبكل ما للكلمة من معنى سماع قول أشهد أن محمداً رسول الله وهو يعلو المآذن خمس مرات في اليوم .
فها هو الطاغية "معاوية بن أبي سفيان" وأمه "هند" صاحبة "الرايات الحمر" يصرخ وبأعلى صوته بوجه صديقه ونديمه "المغيرة بن شعبة" عندما طلب منه ذات يوم أن يصل أرحام بني هاشم عندما كان حاكماً على الشام، قائلا: "هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل و فعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر و إن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عملي يبقى و أي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا و الله إلا دفنا دفنا" (شرح نهج البلاغة لأبن أي الحديد ج شرح نهج البلاغة ج5 -ص129قال: روى الزبير بن بكار في الموفقيات عن المطرف بن مغيرة بن شعبة).
تعيش الأمة الاسلامية وطيلة القرون الماضية الويلات والمصائب ذاتها لتعود بين الحين والآخر هنا وهناك وتتكرر فيها الصور المأساوية التي مر بها أهل بيت العصمة والطهارة (ع) ويتعرضون هم وشيعتهم ومحبيهم وأنصارهم ومواليهم لنكبات مشابهة لما تعرض لها حفيد رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن عليهما السلام لتضحى كل أرض كربلاء من العراق وحتى الشام ومن البحرين حتى اليمن مروراً بالسعودية وباكستان وغيرها من بلاد المسلمين .
أينما يوجد هناك أتباع ومحبين لآل بين الوحي والرسالة السماوية الخاتمية يكون هناك معاوية ويزيد وأبن زياد وآل مروان ليقتلون ويفجرون ويفسقون ويكفرون ويستبيحون النفس المحرمة ويسفكون الدماء الطاهرة والبريئة ويحرقون اليابس والأخضر ويعيثون في البلاد والعباد الفساد؛ يسيرون على النهج الأموي الاحترافي في التزوير والتزييف وحرف الأمة من مسارها المحمدي الأصيل يختلقون لهم فتاوى بثمن بخس من أموال البترول الخليجي ترعاه السعودية وقطر والامارات .
أربعون يوماً وأربعون منزلاً هي مسيرة سبايا كربلاء عاشوراء الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته المنتجبين وخيرة أصحابه الميامين مستمرة ومتواصلة منذ محرم الحرام عام 61 للهجرة وحتى يومنا هذا، حيث ما زال أنين وعويل وآهات الأطفال والنساء تدوي في آذان المعمورة من وحشية وقساوة الحكام الطغاة وفراعنة العصر وفسقة الأمة الذين أعادوا الأمة الى جاهليتها وقبليتها ووثنيتها لكن بأسم الاسلام الأموي المنحرف ليعيش المسلمون ما عاشه وعاناه رسول الله (ص) ووصيه (ع) وأبناؤه وأهل بيته من ظلم وعنف وطغيان وجبروت وشقاء يدفعون دمائهم الطاهرة والزكية ثمن ايمانهم ودفاعهم عن الرسالة المحمدية الأصيلة وحقيقة السماء التي أريد لها إنقاذ البشرية من الضلالة والجهالة والاستحمار والاستعباد والاستغلال نحو وحدانية الخالق الجبار في أمة أراد لها أن تكون "خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ" – آل عمران – الاية 110 .
لكن هذه الأمة بقياداتها وعلمائها المنحرفين والمزيفين وبدلاً من الأمتثال لما أمره به الله سبحانه وتعالى بأن يكونوا خير أمة أضحوا أكثرهم الفاسقون كما جاء الشق الثاني من الآية الشريفة "وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ"(آل عمران 110)، فأخذوا ينعقون مع كل ناعق ذو درهم ودينار وسطوة وسلطة وقوة كما وصفهم أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام لصاحبه كميل بن زياد (س): " همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح"، مضيفاً (ع): "(كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها).. يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويكفرون المؤمنين ويرفعون الفاسقين ويضربون بالاسلام والقرآن عرض الحائط إبتغاء مرضاة ولاة أمرهم وليس إبتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى .
التاريخ لا يزال يستذكر صرخة الامام الحسين بن علي (ع) في يوم عاشوراء عام 61 وهو يخاطب جيش أبن زياد المرواني الذي قدم بعشرات الآلاف لقتل أهل بيته وأصحابه لرفضهم مبايعة الفاجر الفاسق شارب الخمر مداعب القرود يزيد بن معاوية، قائلا: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون"؛ فسار الخلف على السلف في تكفير أخوته المسلمين المؤمنين وبقر بطونهم وإزهاق أرواحهم والدخول على أعراضهم يتبجحون بفعلتهم الشنيعة وسيرهم على خطى أجدادهم وأئمتهم وهم يرفعون يالثارات بدر والاحزاب والخندق وخيبر ويصدحون بها دون خجل أو أستحياء مطالبين بدم آل الأطهار (ع) وشيعتهم ومحبيهم وهم يتنغمون ويستشفون نفوسهم المريضة بقتلهم وتفجيرهم وتمزيق أجسادهم وتقطيع أوصالهم وأكل الأكباد على خطى جدتهم "هند" وفعلة سيدهم "يزيد" .
فها هو سيدهم الكبير الفاجر الفاسق يزيد بن معاوية ورمز اسلامهم وقساوة قلوبهم يتنغم على ثنايا أبي عبد الله الحسين (ع) قرة عين الرسول (ص) ونفسه الطاهرة "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسنا"، أمام أعين ما تبقى من عيال آل المصطفى (ص) في مجلسه يتبجح بأخذه الثأر لقتلى المشركين في معركة بدر ويقول:
قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك ، فلا خبر جاء ولا وحي نزل
(الاحتجاج، ج2، ص307)
ثم يقول:
لمّا بدت تلك الحمول، وأشرقت تلك الرؤوس على ربـا جـيرون
نعب الغراب فقلت: قل أو لا تقل فقد قضيت من الرسول ديوني
(جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام، ابن الدمشقي، 2/ 301)
أربعون يوماً وأربعين منزلاً وقرون طويلة والصوت والصدح الأموي يعلو قصور ملوك وأمراء السلطات الموروثية العربية الذين يتشدقون بدعم للارهاب التكفيري بكل ما يملكون من مال وسلاح ومعدات وخطط وأفراد، وينتهج الأحفاد سلوك الأسلاف في القتل والتفجير والنهب والسلب وانتهاك المحرمات وتدنيس المقدسات فعقدوا العزم على اسباحة الأعراض كما فعلها جدهم وسيدهم في مدينة الرسول (ص) لثلاثة أيام عام 63 للهجرة "ثم أباح مسلم بن عقبة ، الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله المدينة ثلاث أيام كما أمره يزيد ، لا جزاه الله خيراً، وقتل خلقاً من أشرافها وقرائها وإنتهب أموالاً كثيرة منها، ووقع شر عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد (بن كثير في البداية والنهاية- ثم دخلت سنة ثلاث وستين - الجزء: 11- رقم الحديث: 619 )؛ وقال المدائني: سألت الزهري كم كان القتلى يوم الحرة قال: سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي وممن لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة الآف ( نفس المصدر - رقم الحديث: 623 ).
وعزموا على تدمير بلاد المسلمين وإحراقها كما فعل فعلته ببيت الله الحرام عندما هدم الكعبة بالمنجنيق والنار عام 64 للهجرة "أرسل يزيد جيشه الجرار لقمع ثورة عبد الله بن الزبير في مكة، فهجم عليه وكان محتميا بالكعبة ، فضرب الكعبة المقدسة بأحجار ضخام ونار من المنجنيق حتى حطمها واحرقها ولم يبق منها سوى القاعدة، وقتل خلقاً كثيراً من أهلها، هتك بهذا الفعل حرمة وقداسة الكعبة والدين" وذلك في السنة الثالثة من حكمه؛ ووصفه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"- الجزء3- صفحة: 324.. يزيد "رجل ينكح أمهات الأولاد ، والبنات ، والأخوات ، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة.. كان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر إفتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، وإختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره"؛ ففعلوا شنعته وجريمته وأحرقوا ما في البلاد على رؤوس العباد دون ذنب سوى أنهم لا يدينون بدين بني أمية التكفير الوهابي السلفي المبتدع لا صلة له بالاسلام لا من قريب ولا من بعيد خدمة للأسياد .
وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محو وطمس دين خاتم الرسل (ص) ومدرسة أهل بيته عليهم السلام بكل ما أوتوا من قوة وإجرام ودناءة وبشاعة وفضاضة وفضاعة فلا يزداد أثرههم إلا ظهورا وأمرههم إلا علوا العالمة، كما خاطبة بذلك سيدتنا ومولاتنا زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام الطاغية "يزيد" وهي واقفة أمامه وفي مجلسه بالشام قائلة: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين" .