إمام جماعة مسجد إمام موسى بن جعفر عليه السلام
وردة تفوح رائحة
كان عالم الدين المحترم واقفا إلى جانب ضريح الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ويترنم، اقترب إليه رجل وأهدى له وردة وطلب منه الدعاء، انه كان يسال الله تعالى ان يرزقه ولدا وقد لم يكن يعرف الحقيقة في تلك اللحظة بعد فترة وفي النصف الثاني من ارديبهشت عام 1308 أصبح حجة الإسلام الحاج احمد سعيدي والدا سمّي ابنه محمد رضا.
لم تمض فترة طفولته حتى فقد أمه وبدا بالدراسة في أكناف والده. تعلم الأدب العربي على يد أدباء مدينة مشهد المقدسة ومن ثم تعلم الفقه والأصول والمعارف عند أساتذة كالشيخ كاظم دامغاني والشيخ هاشم قزويني ولأنه كان عبقريا استطاع ان يجتاز المراحل العلمية بسرعة. انه يقول تلقيت التعليم في المرحلة الابتدائية والثانوية في مدينة مشهد حتى عام 1330 ومن ثم توجهت إلى قم لإكمال الدراسات العليا ودرست بإشراف السادة بروجردي والإمام الخميني قدس سره الشريف.
نفخت روحا جديدة في نفسي
انه كان يقوم برحلات كداعي إلى جانب الدراسة والتعليم. على سبيل المثال كان يطالب عدد من الإيرانيين في الكويت من آية الله بروجردي عالما صالحا وداعيا قديرا إذ قام آية الله سعيدي بهذه المهمة. في إحدى الرحلات الدعائية التي سافر فيها إلى آبادان وبسبب الخطابة التي ألقاها في فضح نظام البهلوي، ألقى في السجن وأطلق سراحه بجهود آية الله بروجردي.
في بداية عام 1341 وبداية النهضة حضر بقوة في النضال والأنشطة الثورية انه يقول: ذهبت يوما ما عند الغروب إلى بيت الإمام وأردت ان أتحدث معه لكن كان الإمام الخميني قدس سره ومستعدا إلى أداء الصلاة لكن بسبب حبه لي جلس وقلت له: سيدي وفقا لانطباعي منذ الآن فصاعدا ينخفض عدد أصحابكم وتصبحون وحيدا قال الإمام ماذا تقول يا سعيدي اقسم بالله تعالى لو وقف أمامي الجن والإنس متكاتفين لا أتوقف لأنني شاهدت طريق الحق، أصبحت قويا بكلام الإمام لدرجة نفخت روحا جديدة في نفسي وزاد إيماني بالنهضة وحركة الإمام.
هاجر إلى مدينة النجف الأشرف للدعاية للإمام ونهضته المباركة ومهد الأرضية بهمائمه وخدماته للاستقبال من الإمام بعد النفي إلى تركيا.
نموذج لإدارة المسجد
بعدما رجع من النجف الأشرف وبطلب من أهالي طهران بعام 1344، تولى إمامة مسجد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام الواقع في شارع غياثي وحول هذا المسجد إلى حصن للجهاد وقلعة راسخة في مواجهة النظام. عبر الإمام الخميني قدس سره الشريف في رسالة بتاريخ 13 شوال عام 1385 للهجرة عن راية خلال رسالة جاء فيها: إنني مسرور لأنكم تتواجدون في طهران لان المركز بحاجة إلى العلماء أكثر من أي مكان آخر.
كان يبذل مساعي كبيرة في هذه القاعدة للتوجيه والنضال إضافة إلى إقامة صلاة الجماعة والمحاضرة بعد إقامة الصلاة وإقامة جلسات لتفسير القرآن وإلقاء محاضرات متعددة والدعوة إلى إلقاء الخطابة في قم وإنشاء مكتبة وإقامة جلسات أسبوعية مختلفة لنقل المعلومات الحديثة والبحث فيها وإقامة جلسات عديدة لكتابة وطبع المجلات والكراسات المختلفة وتأسيس تنظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكوين الهيئات الدينية وطبع مجلة الإمام السابع عام 1348 التي كانت تتضمن استفتاءات الإمام وآراءه والتقدير منه وتكوين صفوف للنساء وتعليم 16 سيدة بشكل خاص في القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية منها كتابة المقالة من أمثال السيدة دباغ.
بعثت تلك النشاطات السرور في نفس الإمام الخميني قدس سره وانه أرسل رسالة إلى آية الله سعيدي مرة أخرى عبر فيها عن رضاه للنشاطات الثقافية والدعائية التي يقوم بها إذ قال: نحمد الله بأنه توفرت لديكم الفرصة لتربية المؤمنين ونشر الديانة المقدسة وإنني معجب بك وبأمثالك إذ لا أستطيع التعبير عن مشاعري كما هي (صحيفة الإمام، ج 2، ص 202).
أصبح مسجد الإمام موسي بن جعفر عليه السلام مكانا لتواجد الشباب الذين يسقون أرواحهم وأنفسهم بينابيع معرفة هذا العالم الديني المناضل. انه كان يقول للشباب: يجب ان نبدأ العمل بالفكر في جوانبه والاستفادة من نعمة التفكير كما أراد الله تعالى. لو لم تعرفوا عدوكم ولم تتمكنوا من مواجهته لستم على شيء، انتبهوا يا سادة ان ما أقوله لا يندرج ضمن السياسة بل انه الدين. كان يبذل كل ما لديه لاستقطاب الشباب. ويقوم بمساعدة الشباب ماديا ومعنويا وكان يبذل كل ما لديه في مجال حصولهم على عمل.
كان قد أمر بالتعرف إلى بيوت الفقراء المجاورين للمسجد كي يتم مساعدتهم. كان قد أنشا في المسجد صندوقا للتعاون ومساعدة الفقراء وبهذا الصندوق كان يحل مشكلة المحتاجين. كان يهتم كثيرا بزيارة المرضى في المنطقة التي يقطنها والمنطقة القريبة من المسجد وكان يهتم بزيارة المريض في أقرب وقت ممكن.
أسبوع واحد وهذا العمل الخير؟
كان يهتم بالشباب اهتماما كبيرا وفي يوم من الأيام عندما خرج من المسجد قال له شاب يبلغ من العمر 15 أو 16 عاما كان يقف خلفه: سلام عليكم سيدي
عليكم السلام كيف الحال تعال نجلس هنا تتعب وأنت في هذه الحالة.
ذهبوا إلى جنب المسجد معا وجلسا وجها بوجه
أين كنت لم أراك منذ يومين في المسجد؟
اعذرني سيدي لم أتمكن من الحضور يوم أمس كنت مشغول بأمر ما لوالدي
ما أحسن عملك وكان يجب عليك الذهاب ماذا عنك ماذا تفعل وما فعلت
سيدي العفو هذه هي قائمة الأعمال التي قمت لها طوال الأسبوع المنصرم
منحي ورقة وكانت قد دون عدة نماذج أعمال قد قام بها: قلت لصديقي الذي شتمني ان لا تشتم أحد. كنت قد ذهبت لأشتري سلعة من الحانوت فكان صاحب المحل يبيع السلع بسعر باهظ فإنني قلت له ان لا يقوم ببيع السلع بسعر مرتفع أعطني صديقي عدة صور قبيحة فقمت بتمزيقها ساعدت جارنا الذي كان يصلح بيته
ضرب بيده على ظهر الشاب حبا لي وقال بسرور تبارك الله تعالى أحسنت أسبوع واحد وكل هذا العمل الخير؟
أتحدث واقفا
ان إصرار الشهيد سعيدي في استمرارية النهضة أدت إلى منعه من اعتلاء المنبر في الـ 14 من شهر آذر عام 1346. انه قال خلال خطابته في المسجد: إخوتي في الدين طلبوا مني ان أحدق وإنني امتثلت لأمرهم لكن عندما كنت أُصلّي أخبرني بعض المسئولين بان لا تصعد المنبر، جيدا إنني أتحدث واقفا ولا اصعد المنبر.
لم يتوقف عن الجهود عندما كان ممنوعا من صعود المنبر وكان يذهب للقرى المجاورة لمدينة طهران.
ان الكثير من كتاباته قد ضاعت خلال الهجمات المتكررة لسافاك على بيته لكنه استطاع في هذه الفترة من تأليف كراسات وطبعها منها يمكن الإشارة إلى: حاشية على عروة الوثقى والاتحاد في الإسلام وضرورته في هذه الحقبة وترجمة رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للإمام الخميني قدس سره الشريف من كتاب تحرير الوسيلة وحرية المرأة والعمل في الإسلام وكراسات لأشرطة مسجلة بعنوان ولاية الفقيه التي كانت تأتي من النجف الأشرف وتنشر في المسجد. كما هناك كتاب غير منشور لآية سعيدي وعنوانه هل الدين هو السبب في التخلف؟
ستَرون في أيّ قطرة دم اسم الخميني المقدس
انه تحمل التعذيب والمعاناة الكبيرة في فترة النضال في سجون النظام البهلوي. عند دخوله إلى طهران، تم اعتقاله، أرسل بداية إلى سجن قلعة قزل وثم انتقل إلى سجن القصر. انه في الاستجواب كان يعبر عن عقيدته في قمة الشهامة والشجاعة وعندما تم تهديده بالقتل ذات مرة قال: اقسم بالله تعالى لو قتلتموني وأُريق دمي ستَرون اسم الخميني المقدس في كل قطرة من دمي.
كما قال: اعتقلوني وأودعوني السجن كي لا تبقى مسئولية على عاتقي، لأنني لو كنت حرا طليقا لأعبر عن الحقائق وأقوم بفضحهم إنني لبست هذا الزي واستلم راتبا من بيت المال كي أكون حافظا للإسلام ووفيا للقائد والإمام الخميني قدس سره الشريف على هذا يجب ان اصرخ وليس لدي شيء آخر.
عندما كان يتحدث عام 1345 حول جرائم الكيان الصهيوني تم اعتقاله مرتين وأودع في السجن لـ 61 يوما.
الشهيد المجاهد في مواجهة أمريكا
انه كان قد عرف منذ البداية جيدا بان أمريكا هي العدو الرئيس للمسلمين وان الشاه ليس الا عميلا. على هذا كان يؤكد على هذه النقطة في كافة خطاباته. فقال في خطاب له في 31 تير عام 1345 في مسجد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: ان أمريكا الاستعمارية تدار بواسطة اليهود وان جانسون نفسه يهودي انظروا كيف يريد الأمريكيون في فيتنام وبذريعة تحقيق السلام، ارتكاب المجازر، وكيف يقضون على الناس بشكل مروع. ان آية الله الخميني قدس سره الشريف أوضح ملامح هذا المجرم جانسون قبل 3 سنوات لكن قامت الحكومة الإيرانية بسجن مرجع تقليدنا ونفيه. يجب ان يكون لدينا تنظيم وان نتعلم درس النضال والدفاع عن البلاد والدين وعلماء الدين ومراجع التقليد وان نناضل مع دولة سجنت علماءها ونفتهم.
في السابع من ارديبهشت عام 49 نشرت الصحف الإيرانية الخبر الخاص بكنسرسيوم الاستثمار الأمريكي في إيران. ان هذه الحركة التي قامت به الحكومة تعد خطوة أخرى للاستعمار ونهب المصالح الإيرانية في غطاء الاستثمار وعلى هذا انه نشر إعلانا باللغة العربية وحذر من التداعيات الكبيرة لهذا العمل. مرة أخرى اعتقله السافاك وأودعه في سجن قول قلعة وتعرض لأبشع أنواع التعذيب وقامت باستشهاد العالم المجاهد في يوم الأربعاء العشرين من خرداد عام 1349.
يقول سيد محمد سعيدي ابن هذا الشهيد الكبير: كان أبي معتقلا في سجن غزل قلعة. ذات يوم ذهبت للقاء به. وكان الوقت قريب الظهر. فرأينا سيارة إسعاف بيضاء خرجت من السجن. فتعالت أصوات الحزن والأسى من أسر السجناء السياسيين الذين كانوا يجتمعون كل يوم عند باب السجن وراحوا يضربون على رؤوسهم، إذ كل منهم كان يتصور أن أحد أقربائه قد قتل في السجن. ولم أكن أدري أن جنازة أبي هي التي كانت في سيارة الإسعاف تلك. فبقينا ننتظر خارج السجن ساعات من بعد ظهر يوم 10/6/1970م حتى يئسنا من رؤية أبينا، فرجعنا أدراجنا إلى الدار. وبعد دقائق من وصولنا الدار، جاءتنا سيارة من سيارات السافاك وقال أحد رجالهم: هات جنسية أبيك وركبت السيارة وأنا لا اعرف أين اذهب بعد فترة عرفت بأنني اتجه نحو الطب الشرعي. عندما وصلنا هناك قال لي الدكتور جواني: أقدم لك التعازي! تحركوا بجنازة أبي إلى وادي السلام في قم وعندما اخرجوا الجثة كان عملاء السافاك يترقّبون ردة فعلي. في هذه الأثناء قلت لأبي: أبتاه! أنت أبيض الوجه أمام رسول الله. أبتاه! أنت أبيض الوجه أمام الخميني. أبتاه! أنت تعلم أفضل منّا بأن الدنيا سجن المؤمن.
استشهد وهو مظلوم
جاء في وصية الشهيد الذي كان قد وضعها في القرآن في السجن: قولوا لأبنائي ان يتلوا آيات 153و154و155 من سورة البقرة. يستنبط من هذه الآيات استشهاده ان العميل الذي قام بتعذيبه (الشهير بناصري) الذي كان من أكثرهم قسوة قال قمت بتعذيب لم يقم أحد بهذا التعذيب من قبل وقد لا يكون أحد تعرض إلى هذا التعذيب من قبل.
يقول الشهيد آية الله محلاتي في ذكرياته: عندما كنا في السجن كان ينقل السجناء كيفية استشهاده لي. انهم قالوا بان السجان يقوم بإخلاء السجن ويرسل كل منا إلى مكان ويريدون بهذا ان لا يبقى أحد من رفاقه ومن ثم جاءوا وخنقوه بمنديل.
هناك رواية أخرى وردت في كتاب أصحاب الإمام برواية وثائق السافاك وهي مماثلة لما سبقتها: ليلة الخميس 21 من خرداد 1342 انقطع التيار الكهربائي في سجن قزل قلعة فجأة وسادت الظلمة على السجن. بعد لحظة دخل عدة بسرعة في غرفة الشهيد سعيدي وخرج صوت من داخل الزنزانة ثم هيمن صمت رهيب على المكان سقط سعيدي في حالة غير عادية في زاوية من الزنزانة وكانت عمامته ملفوفة على رقبته بشدة. قال السافاك في توثيق الحادث: انه انتحر بإدخال إصبعه في حلقه مستغلا انقطاع التيار الكهربائي. لكن جاء في تقرير الطب الشرعي بان "موت الشخص المذكور بسبب انهيار تسبب عن ضربة في الشبكة العصبية". على هذا يبدو بان السبب الكامن وراء استشهاده هو التعذيب الكبير وان حادثة العمامة ليست سوى تمثيل السافاك لإقناع السجناء الآخرين بأنه قد انتحر.
بعد تشييع جثمان الشهيد سعيدي منع السافاك المشاركة في مجلس عزاءه في مدينة طهران وقم وسمح لعائلته بإقامة المجلس. بعد انتشار الخبر في صفوف أهالي قم والعلماء، في 22 من خرداد 1349 أقيمت مراسم في المدرسة الفيضية في قم بينما كانت دروس الحوزة العلمية مغلقة في نهاية فصل الربيع وبداية الصيف وكان هناك عدد قليل من الطلاب. وذهب آية الله الشيخ مرتضى الحائري داخل المدرسة الفيضية وقام بفرش الصحن وبعد المراسم قامت السافاك بتفريق الجمع المتواجد في قبر الشهيد سعيدي لكن قاوم الناس وقاموا بالمظاهرات وفي نهاية المطاف اعتقل عدد من الحاضرين وألقي بهم في السجن.
رسالة الإمام الخميني قدس سره بمناسبة استشهاده
جاء في جزء من رسالة الإمام الخميني قدس سره الشريف بمناسبة استشهاده: الحوادث الأخيرة التي شهدتها إيران والتي توّجت بالقتل الفجيع للمرحوم السيد سعيدي، تثير فينا بالغ الأسى. إن المرحوم سعيدي ليس الوحيد الذي فقد الحياة في غياهب السجون نتيجة هذا الوضع، فما أكثر الأبرياء والمظلومين الذين يتعرضون في غياهب السجون إلى أشد أنواع الضرب المبرح وأقذع الشتائم وأبشع صور التعذيب والتعامل الوحشي لمجرد قولهم الحق. إن اندفاع أصحاب الرساميل الشرقيين والغربيين صوب الأرض النهيبة إيران لغرض أسر الشعب الإيراني المظلوم، وأن هذه المائدة المشاع التي كانت لآماد طويلة مجتمعاً لليساريين واليمينيين والتي قسّمت بشكل علني فاضح أحياناً، أضحت اليوم أيضاً هدفاً يخطط لتقسيمه بمسميات أخرى وبمنتهى المكر والتضليل للرأي العام. فمن جهة اندفع الخبراء اليساريون الساعون إلى أسر الشرق والشعوب الإسلامية نحو إيران وتحت غطاء تأسيس مصانع الحديد والصلب (والتي يراد منها تحقيق منافع الاستعمار ونيل الحظوة لدى النظام الحاكم أكثر مما يراد منها تحقيق النفع للشعب). ومن جهة أخرى اندفع الخبراء وأصحاب الرساميل الأمريكان الكبار تحت غطاء (أضخم توظيف لرؤوس الأموال الأجنبية في إيران) لأسر وتقييد الشعب المظلوم، وإلا فما الذي يدعو أصحاب الرساميل الذين تقدر اللحظة الواحدة من أوقاتهم-على ما تذكر بعض الصحف-بعشرات الآلاف من الدولارات، للاجتماع في طهران؟ هل اجتمعوا بدافع العطف والإنسانية؟ ... إنني أعزّي الأمة الإسلامية عموماً والشعب الإيراني خصوصاً بمصابنا بمقتل هذا السيد الجليل القدر والعالِم المجاهد الذي قدَّم حياته في سبيل حفظ مصالح المسلمين وخدمة الإسلام. وأسأل الباري تعالى دفع شرور النظام المتجبر وعملاء الاستعمار القذرين. والسلام على من اتبع الهدى.
كان يدير حياتنا
يقول حجة الإسلام مجيدي: ذات يوم ذهبنا برفقة عدد من الأشخاص لتقديم العون إلى بيت أحد الفقراء رأينا رجلا كان جالسا على كرسي خشبي وكانت رجلاه مقطوعتين. بعدما عرف بأننا أتينا من مسجد موسى بن جعفر عليه السلام قال: هل تعرفون آية الله سعيدي؟ قلت نعم كيف تعرفه أنت؟ ضرب رأسه على الجدار وبكى ولعن الشاه ووالده وقال: قبل فيما سبق سائق سيارة أجرة. اصطدمت بسيارة في إحدى المدن وقطعت رجليه ولا أتمكن من القيام بشيء. ان هذا البيت الذي ترونه صنعه آية الله سعيدي لنا انه كان يدير حياتنا وكان يأتي منتصف الليل هنا وكان يتحدث معنا لساعتين كنا أصدقاء كان يشتري لنا الخبز واللحم انه كان رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
يكفيني واحد منها
يقول ابنه: ذات يوم عندما أردت الرجوع من المسجد رأيت انه خلع العباءة بعدما سألته أجاب رأيت رجلا فقيرا في طريقي وكان يرتجف من شدة البرد وضعت عبائي على كتفه وكنت امتلك لباس ولا احتاج إلى العباءة فلا يجب ان يرتجف مسلم من شدة البرد فانه كنا امتلك العباءة واللباس ويكفيني واحد منهما.
بالقرب منا كانت سائق سيارة أجرة وكانت ظروفه متردية انه يقول ذات يوم سمعت صوتا كان هناك من يعتلي الدرج ويأتي نحونا عندما رجعت شاهدت الرجل انه آية الله سعيدي وهو يحمل كما كبيرا من الفحم ويأتي لبيتنا.
قولوا له ان يتعلم شيئا ويعمل عوضا عن هذا
انه كان يؤكد بان على الفرد تعلم القضايا الدينية منذ الطفولة. انه كان يرى بان التربية الصحيحة تتكون عندما تكون بيئة الأسرة، بيئة دينية وان يلتزم كافة أعضاء الأسرة بالتعليم والالتزام الأحكام الشرعية. وحتى كتب في وصيته: من يريد ان يقرأ سورة الفاتحة لي قولوا لي بان يتعلم شيئا ما ويعمل به عوضا عن هذا.
تقول السيدة دباغ حول تأكيده على تعليم الأحكام: بعد فترة من إقامة الصفوف كان يقول لا يجب ان تتلقين الأشياء فحسب فيجب ان تنتجوا شيئا ما عليكن بإقامة الجلسات وطرح ما نقوله هنا في تلك الجلسات.
العمل لله في كافة الظروف
انه كان يولي اهتماما كبيرا للنظم والتخطيط في الشؤون الفردية والعامة تقول السيدة دباغ عن هذا الأمر: أتذكر بأنني قمت بإغلاق الصفوف لعدة أيام بسبب تقاعس صاحب البيت عندما عرف الأمر انزعج وقال إنني ما زلت حيا لماذا لم تقولي لي كي انقل الصفوف إلى مكان آخر أنتن أمهات المجتمع المستقبل لا يجب إغلاق الصفوف.
يحكي السيد محمد سعيدي الولد الأكبر للشهيد في مذكراته:"… في إحدى الليالي التي كان يذهب فيها أبي إلى قرية "بارجين"، لم يجد سيارة تقلّه إلى هناك. كان يصرّ هو على الذهاب إلى بارجين. وكان عندي دراجة نارية صغيرة، فطلب منّي أن آخذه بالدراجة. بعد ذلك قال لي: اذهب أنت بالدراجة إلى ميدان خراسان، ومن هناك سأركب خلفك لنذهب من مسير "كرمسار" إلى قرية أريد أن ألقي فيها خطبة. فسرنا مسافة حتى وصلنا إلى طريق فرعي، في هذه الأثناء حدث خلل في شمعة الإشعال وأخذت الدراجة تتقطع في سيرها حتى انطفأت. لم يكن لدينا شمعة إشعال احتياطية لتغييرها، والطريق إلى القرية طويل، ولم يكن ليلتها القمر طالعاً، بل كانت ليلة مظلمة تماماً. أخذ أبي عباءته وألقاها على كتفه، وسرت معه مصطحباً الدراجة العاطلة. وبعد مدة من السير، قال لي أبي: محمد! سأصلّي على النبي وآله، وأنت شغّل الدراجة فستشتغل إن شاء الله. ولمّا ذكر أبي الصلوات شغلت الدراجة وإذا بها تعمل! فركب أبي مرة أخرى خلفي على الدراجة وتحركنا إلى القرية. فارتقى أبي في تلك الليلة المنبر وخطب خطبته، وعدنا في اليوم التالي إلى طهران على تلك الدراجة نفسها"!