امام جماعة جامع "فرحزاد" (جامع الامام الخميني)
التلميذ الممتاز:
في يوم الخامس من شهر تيرعام 1325 ولد طفل في أسرة فقيرة في قرية ايلور في قضاء كردكوي وسُمّي محمد علي، انهي دروسه الابتدائية في مدرسة زيار بالقرية نفسها في حين يعوزه الفقر والمعوزة، وكان منذ تلك السنين محبا للعلوم الدينية والشرعية، ومن ثم تلقي دروس الحوزة الابتدائية في مكتب قرية الاجاوه عند الشيخ حسين مهدوي، ثم دخل حوزة جرجان العلمية عام 1338 وتلقي مقدمات العلوم الشرعية لدي أساتذة كبار كالسيد سجاد علوي وسيد حسن نبوي وسيد محمد رضا معيري وغيرهم.
في خضمّ الكفاح:
كان يترجم القرآن ويوضح الشعائر الاسلامية في المجالس العامة في شهور المحرم والصفر وكان هو اول من هتف ضد النظام الشاهنشاهي بصوته الغراء للاطاحة بهذا النظام الغاشم ولانتصار الثورة الاسلامية وعافية الامام، كما خالف متزامنا مع مخالفة الامام وباقي العلماء ورجال الدين مع اللجنات الولأية، وشارك لأول مرة في خطاب آية الله الخامنئي بعد القاء القبض علي الامام الخميني قدس سره الشريف، فألقيَ القبض عليه بتهمة المساس ضد الأمن العام في البلد وذكر اسم الامام الخميني، ووقعوه تحت اشد التعذيب في سجن جرجان.
وشارك في المحكمة العسكرية ومحكمة آية الله طالقاني ومهندس بازركان والسبحاني، وكان يكتب مرافعاتهم الدفاع في المحكمة بحرفها. هذا وأن ساواك كان يطلبه علي الدوام ولم يغفل عنه للحظة. وفي اليوم الذي نُفي الامام الخميني قدس سره الشريف، خرج من المنزل وكانت الحكومة حَظَرت التجوال العام، الاأنه شارك في المظاهرات التي لم تكن تتجاوز عدد مشاركيها سبعين رجلا، فألقي القبض عليه علي مقربة من منزل آية الله قمي وزجّوه في سجن الشرطة.
في خراسان:
انتقل في سنة 1344 الي حوزة خراسان العلمية وتلقّي العلوم المختلفة كالفقه واصول الفقه في مدرسة خيرات خان علي قرب من الضريح المطهر لامام رضا عليه الصلاة والسلام عند كبار الاساتذة والحوزويين كالاديب النيشابوري وحجت هاشمي وواعظ الطبسي، كما كان له صلة متينة وتعاون تعاونا وثيقا مع حجة الاسلام هاشمي نجاد، ولبّسه آية الله هاشمي نجاد في ليلة ولادة جواد الائمة عليه السلام لباس رجل الدين وبرعاية المرشد الأعلي للثورة الاسلامية آية الله الخامنئي، ولم يكن يتجاوز حينذاك ثمانية عشرة سنة وفي اليوم التالي من هذه الليلة القي ساواك القبض عليه وزجه في السجن. وفي مشهد رغم تواصله الدروس الحوزوية كان دائم الكفاح ضد النظام الشاهنشاهي، بحيث كان ينشر لوائح وصور وفتاوي في ايام العيد والساعات المزدحمة في الحرم ومسجد كوهرشاد، الي أن تم القاء القبض عليه بجريمة نشر صور الامام والاساءة الي الشاه، فسجن لمدة ثلاثة أشهر في سجن ساواك بمشهد، وما عتم حتي أن اطلق سراحه بعد محاكمته! و عاد بسنة 1345 الي حوزة جرجان العلمية من جديد.
حقيبة مليئة بصور الامام الخميني قدس سره الشريف:
بدأ كفاحه بشكل جدي من سنة 1346 وكان يسعي في تنوير الناس وتوعيتهم عن طريق الاعلان ونشر صور الامام، وفي أحد ايام المحرم بينما كان يسافر من مشهد الي جرجان ويحمل حقيبة ملئها صور الامام والاعلانات المختلفة، وقف الساواك علي امره وقام الجيش بمحاصرة قرية ايلور وتم هناك القبض عليه. ثم أرسلوا ملفه الي محكمة اعادة النظر، وأصدر المحكمة الرأي لسجنه بمدة سنة واحدة، فسجن لمدة في سجن مصلحة الشرطة ومن هنا الي سجن القصر وكان في السجن مع آية الله أنواري، وسجنوا الاخير برفقة شيخ محمد باقر داوودي بجريمة المشاركة في التشكيلات السياسية والثوروية ضد النظام الشاهنشاهي الخبيث في جرجان، كما وقع تحت أشد التعاذيب في سجن انفرادي بمدة تسعة أشهر، الاأنه ما باح بسره ولابسر أحدا من أصدقائه المجاهدين أبدا. وفي سنة 1347 وبعد أن اُطلق سراحه من السجن رحل الي حوزة قم العلمية وتلقي هناك لدي غيرواحد من الاساتذة وكبار العلماء كآية الله جعفر سبحاني و آية الله علي مشكيني وآية الله ناصر مكارم الشيرازي و آية الله حسين نوري همداني و سيد ابوالفضل موسوي تبريزي و صالحي نجف آبادي و فاضل هرندي علوم الفقه واصول الفقه والفلسفة و... ودخل في الوقت نفسه قلب الكفاح والثورة.
من العلم الي الكفاح:
انه كان متواجدا منذ سنة 1353 في مدرسة فيضية التي تقع في مدينة قم والتي كانت مقرا للكفاح الاسلامي آنذاك، واضطر الي الفرار بعد أن ألقي السواك القبض علي مايزيد عن 500 طلاب، ولكنه في شهر شهريورمن السنة نفسها تم القبض عليه في أحد شوارع جرجان وسجن بمدة أربعة أشهر في السجن، وتواصل نشاطاته العلمية بعد اطلاق سراحه، كما كان ينشر الاعلانات الثوروية في قم، وخلال سنوات 56 و 57 رحل الي غيرواحد من القري والمدن وكان يحث الشعب للكفاح والوقوف في وجه النظام الغاشم الشاهنشاهي.
تقول زوجته: عندما اندلع الثورة أو قبيل اندلاعها لم يكن يقيده التبليغ، في حين أن كثيرا من رجال الدين كانوا يكفون عن هذه المهمة الخطيرة و الحساسة بذرائع مختلفة، غيرأنه كان يجشم عناء كل تلك المشاكل والمضايقات وكان يحمل اشرطة واعلانات عديدة الي المناطق المختلفة ويحث الشعب بخطاباته الحماسية الحارة الي الوقوف في وجه الظلم والفساد. وانني افتخرت بمرافقته في احدي رحلاته التبليغية لقرية كانت لها خطيبا، وقلت له: لهذه القرية خطيب، تعال لنذهب الي قرية اخري! فاجابني: خطيب القرية هذه يخاف من القوات الشاهنشاهية ومرتزقة النظام، ولهذا التزم بالصمت المطبق، ولذلك هذه هي وظيفتنا جميعا أن نعي الشعب والناس. فالاستاذ رغم أن ساواك كان علي علم من نشاطاته وأعماله لم يفتر لحظة في الدفاع عن الدين والاسلام، وكان يتحمّل في سبيل ذلك جميع المشاكل والمصائب.
المؤلفات والمقالات:
فقد كان الاستاذ هائما بالكتابة وكتابة المقالات والنشاطات الثقافية، حيث طُبع غيرواحد من مقالاته السياسية والاعتقادية والدينية في مجلات مختلفة كـ"مكتب اسلام" و"بيام اسلام(رسالة الاسلام)" و"نور دانش" و"نداي حق" و"معارف جعفري" و"سنوية الشباب" و ... وهو بالاضافة الي تعلم الشريعة الاسلامية كان يتعلم العلوم الجديدة والحديثة، بحيث حصل علي شهادة البكالوريا، وأخيرا وليس آخرا ألقي ساواك القبض عليه بسنة 1344 وذلك لكتابته اسم الامام الخميني في مجلة "بيام اسلام" او مجلة "نداي حق".
قام بدراسة معمّقة عن الحركات التحريرية الاسلامية في العالم والثورة الليبية، غيرأن ساواك حصل علي تلك الدارسات واحرق كلها، وكان الاستاذ يشارك في حلقات كبار الاستاتذة كحسين نوري همداني ومصطفي زماني نجف آبادي وغيرهم. وكان ما خلّف من الكتب والمصنفات يربو علي عشرين مجلدا، منها كتاب : "ما ومسائل روز" والذي طبع بمشاركة علماء الحوزة العلمية في قم وكتاب "اسلام در ايالات متحده ي آمريكا و كانادا" والذي طبع ثلاث مرات لحد الآن.
في اشتياق دخول الامام الخميني قدس سره الشريف:
كانت قد انتهت أيام الفراق من قائد الثورة الاسلامية وكان الجميع بانتظار الاستقبال عن هذا الشيخ المرشد، وكان له مشاركة فعالة في لجنة الاستقبال عن الامام، وله نشاطات بارزة مع الشهيد القدوسي وحجة الاسلام صفايي في أعمال السلطة القضائية، كما كان له تعاون وثيق مع آية الله الكاشاني في الاعمال التبليغية لدفتر الامام الخميني قدس سره الشريف، ووكّل اليه جمعيّة المدرسين في حوزة قم العلمية مهمة الاشراف علي الوضع الديني والسياسي في الثكنات، فبذل الاستاذ مساع حميدة ومشكورة بهذا الصدد، كما انه أقام بنيابة الحزب الجمهوري الاسلامي مكتب هذا الحزب في "كردكوي" و "جرجان".
في خدمة العمران:
رحل في سنة 1357 الي المشهد لتواصل دراساته الجامعية في مستوي البكلاريوس في فرع الفقه و مبادي القانون، وفي سنة 1358ه.ش أصبح الرجل الثالث في الدورة الاولي من انتخابات المجلس وفي الدورة الثانية من الانتخابات نفسها حصل علي 21000 صوت، وبذلك لم يتمكن من الدخول في المجلس هذه المرة. تولي لمدة منصب محقق المحكمة في جرجان وعُيّن منذ تاريخ 26/ 5/ 59 و بحكم وزير الوقت حجة الاسلام مهدوي كني قائدا لكردكوي وتمكن من اسداء خدمات جليلة لمدة أربع سنين لعمران المنطقة، ومن تلك الخدمات احياء قنوات لتحسين الزراعة وايجاد قنوات مختلفة وطرق بين المزراع وتعبيد طرق جرجان وكردكوي واحداث مستشفي امير المؤمنين في كردكوي والخدمات الاخري. كما أسس بتاريخ 17/ 9/ 59 مؤسسة "متابعة شؤون الشهداء" للثورة الاسلامية في نفس القضاء وعيّن متوليا لهذا المنصب، وأسدي خلال تلك المدة خدمات جليلة لعوائل الشهداء.
هذا وانه بأعماله الجليلة في قضاء كردكوي كتأسيس ستة صناديق لحساب توفير المستضعفين وتأسيس دائرة الاتصالات ومنظمة حكومية للاغاثة (بهزيستي) ولجنة الامام الخميني للاغاثة ومنظمة التعاون في القري و ثمان شركات تعاونية للانتاج والاستهلاك و ... كان شخصية محببة ومشهورة بين الناس.
في خدمة الثقافة و السياسة:
انه جنبا الي خدماته المذكورة قام بنشاطات ثقافية كبيرة، حيث بقي منه في الراديو جرجان ما زهاء 150 خطابة، ونشر أولي اسبوعية تحت عنوان "بيام مستضعفين" لبيان آلام الشعب وهمومهم، وبدأ نشاطاته الادبية من مركز الكتاب والشعراء الايرانيين وكان قريب الصلة مع النخب والطلاب. وكما أسس جمعية رجال الدين المناضلين (جامعه روحانيت مبارز) في جرجان وبدأ نشاطاته كالأمين العام للجميعة هذه، كما له تعاون وثيق مع معهد جرجان الاسلامي والثقافي والاتحاد الاسلامي للقرويين والزراع المقيمين في جرجان وكنبد و من خدماته توليه رئاسة مركز الوثائق والاحصاء للثورة الاسلامية في جرجان.
في خندق المسجد:
رحل في سنة 1363 برفقة وزير الامور الخارجية الي بلاد مالي وسنغال، ومنذ تاريخ 9/ 7/ 1364 تولي منصب نيابة الادارة التاسعة السياسية في الوزارة الخارجية، وتم تنصيبه من قبل جمعية علماء الدين المناضلين كامام لمسجد فرحزاد وبدأ نشاطاته المذهبية والدينية هناك كما كان يستنفر الشعب الي جبهات القتال والكفاح.
حب الموت:
انه قضي ايامه منذ اليوم العاشر من شهر ارديبهشت/ ايار حتي اليوم الثاني من شهر شهريور/ ايلول لسنة 64 في جبة الغرب وفي جيش 25 كربلا، ثم عاد الي طهران. يقول زوجته: عندما كان يخرج من البيت كان يقول: لاتظني أنني الآن خرجت من البيت أنني سأرجع، بل فكّري أنه ليس من المستبعد أن أستشهد في أية لحظة من اللحظات، ولذلك يجب أن تكوني مستعدة تماما.
استعد في الساعة السابعة والنصف من اليوم الذي كان من المقرر أن يذهب الي الجبهة، جاء اليّ قبل انطلاقه نحو المطار بقامته المعتادة ومحبته المأنوسة ليودعني وداعه الأخير وكنت أري في ملامح وجهه حبه للذهاب، وكانت وجنتاه محمرتان وكأنه ملك لايقر له قرار لسروره وفرحه، فسألته : ليست هذه المرة هي الوحيدة تذهب أنت الي الجبهة للقتال، ولكنني لم أراك من قبل بهذا الشوق والفرح؟ أتريد أن تبقاني وحيدة مع ستة اولاد؟ فأجابني : أفوض أمر أولادي الي الله ثم اليك، وخلال السنوات الماضية ما عشنا معا لمدة مديدة، ولكنني اذا عدت أستأنف الحياة من جديد واذا متت سألتقي بك في يوم القيامة ان شاء الله! فتفوه بهذا الكلام وغادرني، والساعة لم تكن تتجاوز الحادية والنصف عندما كنت أريد أن أنوّم الطفل حتي غيرت احوالي، واختلجتني هموم، الي أن نعوني بخبر استشهاده والتحاقه بالرفيق الأعلي. وصلني خبر استشهاده في اليوم الأول من شهر اسفند/ آذار لسنة 1364 عندما كان يطير برفقة الشهيد المحلاتي علي سماء اهواز لرؤية المناطق الحربية بحيث استهدفت الطائرات الحربية العراقية طيارته، فسقطت من أعلي المرتفعات وانفجرت.
لم تبق منه اية وصية ويحتمل أن كانت وصيته قد احترقت خلال هذا الحادث الجوي، و كتب المرشد الأعلي للثورة الاسلامية آية الله الخامنئي وهو اذذاك كان بصفة الرئيس الجمهوري: انه شهيد عزيز وكريم كان حياته ومماته في سبيل الله والثورة الاسلامية الايرانية.