حجة الإسلام سيد مهدي بهشتي
تعد قضية تنشئة الأطفال دينيا، في تعاليمنا الدينية ومنذ الميلاد حتى تكوين الشخصية، قضية تدريجية، كي يكون الإباء مربين لأطفال صالحين وأئمة متقين[1] يرضى الله عليهم، بمرور الزمن ومنذ ان يقرروا إنجاب الأطفال.
كان المسجد أول قاعدة منسجمة للرسول الأكرم صلى الله عليه واله بعد استقرار الحكومة، إذ تم تأسيس مركزا للأعمال العبادية والسياسية والعسكرية والتعليمية ومعالجة شؤون المسلمين، على هذا كانت تتم الأعمال المهمة والمصيرية في المجتمع في هذا المكان.
كانت من الأدوار المهمة التي يؤديها المسجد في المجتمع الذي أسسه الرسول الأكرم صلى الله عليه واله، هو الدور التربوي والثقافي، ذلك لأنه في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله تكونت حلقات تعليمية لتعليم القرآن وتعاليم الإسلام والقراءة والكتابة التي لم يكن لها دور في الجزيرة العربية. (الميانجي مكاتيب الرسول 1/108).
هذا ولم يختص التعليم بسن خاص دون غيره بل كان الجميع يجتمع في هذه الساحة الثقافية من الطفل والشاب والشيوخ وكبار السن ويقومون بالتعليم والتربية. بعد الانتصار في غزوة بدر قرر النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بان يطلق سراح الأسرى مقابل دفع الفدية فكان عدد منهم ليس لديه المبلغ كي يدفع كفدية فأمر الرسول صلى الله عليه واله وسلم بان يقوموا بتعليم أبناء الأنصار القراءة والكتابة ومن ثم يطلق سراحهم. (الواقدي المغازي 1/124) ولم يتم هذا التعليم إلا في المسجد، إذ يصبح قاعدة لإنتاج جيل فعال في مستقبل الإسلام.
لو ننظر إلى سيرة النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام في تعاملهم مع الأطفال، لنرى بأنهم كانوا يبحثون عن التربية الدينية، التي تبدأ منذ الطفولة للأطفال واستقطابهم وجعلهم يتذوقون لذة محورية الله. عندما كانوا يأتون بالأطفال لإطلاق الاسم عليهم وللتبرك من النبي انه كان يجلس الأطفال على ركبته ويتحدث معهم بالعطوفة والحنان وحتى عندما دنس طفل لباس النبي صلى الله عليه واله وسلم يوما ما، منع الإمام أخذه منه والتعامل معه بعنف (الطبطبائي سنن النبي 38)
ان النبي كان يعمل بهذا النوع من التربية الدينية، بنفسه كما كان يأمر الآباء بإتباع هذا المنهج: إذ قال: أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم. الطبرسي مكارم الأخلاق 222)
هكذا نرى بان رسول الله صلى الله عليه واله كان يأخذ بالأطفال إلى المركز السياسي والعبادي وهو المسجد كما يشجع الآخرين إلى الأخذ بيد أطفالهم إلى المسجد كما يقوم بأعمال تؤدي إلى استقطاب الأطفال استقطابا كاملا إلى المسجد هذا المكان المنور حتى تتكون علاقة الطفل بالمسجد.
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي إِحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ ، وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلاتِهِ ، سَجْدَةً أَطَالَهَا ، قَالَ أَبِي : فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ ، قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ ، وَأَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ ، قَالَ : " كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ " .
هناك قصص من هذا الصنف في سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وهي كثيرة، إذ تحمل في طياتها رسائل كثيرة لنا.
الأولى: ان اصطحاب الأطفال إلى المسجد لم يعد عملا سيئا بل انه عمل جدير بالأهمية ومنهج تربوي حتى كان أمير المؤمنين عليه السلام يصطحب الأطفال معه إلى المسجد عندما يذهب إلى القيام بأعمال ما عدى العبادة. (الطبرسي الاحتجاج 1/ 207). وكما يقول الأستاذ قرائتي في تفسيره لأية خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (الأعراف 31) بان الله تعالى يوصي بالزينة عند الذهاب إلى المسجد بينما يعرف القرآن نفسه الأبناء زينة [2](قرائتي تفسير نور 3/ 51).
الثاني: يجب الاستفادة من الأساليب الجذابة عند اصطحاب الأطفال إلى المسجد كي يرغب الأطفال بالذهاب إلى المسجد. فان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يحمل أحفاده على كتفه ويأخذهم إلى المسجد. (الصدوق، أمالي 438). وكان يلعب مع الأطفال في المسجد (نيشابوري، داستان ها وحكايت هاي مسجد 19).
الثالث: الاهتمام بالأطفال في المسجد وتبجيلهم أعلى مرتبة من كبار السن، ذلك إننا نقرا في السيرة النبوية بأنه كان يسرع في الصلاة عندما يبكي الطفل (الكليني الكافي 6/ 48 والبخاري الصحيح 1،1397) وكان لا يسرع في الصلاة عندما كان الحسن والحسين عليهما السلام يصعدان على ظهره (الصدوق من لا يحضره الفقيه، 1/ 391).
الرابع: بعد العودة من المسجد كان الآباء يسألون النبي عن أحكام المسجد فكان الإمام الحسين عليه السلام يجلس في مجلس النبي عندما كان طفلا ويحفظ كل ما يقوله النبي صلى الله عليه واله وسلم وكان يقوله لامه فاطمة الزهراء عليها السلام في البيت (القمي سفينة البحار 1/ 254).
الخامس: عندما نصطحب الأبناء إلى المسجد، يجب ان نجلسهم عندنا ونشجعهم. حكي عن عروة البارقي قال: حججت في بعض السنين فدخلت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدت رسول الله جالسا وحوله الحسن والحسين، وهو يقبل هذا مرة وهذا أخرى. (المجلسي بحار الأنوار 43/ 314) ويضمهم إلى صدره ويقبلهم (فيروز آبادي فضائل الخمسة من صحاح الستة، 3/ 195).
أو في قصة أخرى كان أمير المؤمنين جالسا في المسجد فراه طفلين دخلا المسجد فقام واستقبلهم وحضنهم. (الحلي كشف اليقين 312).
السادس علينا احترام الأطفال في المسجد وان نضعهم في أفضل الأمكنة ونكرمهم كان النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم يأخذ الحسنين إلى المنبر عند خطابه ويجلسهم على رجليه وحتى جاء بان الإمام الحسن عليه السلام كان يجلس على كتف النبي بحيث تقع رجليه على صدر جده إذ يظهر لمعان خلخاله حتى آخر المسجد (المجلسي بحار الأنوار 3/205).
السابع: لنسجل في ذاكرة الأطفال ذكرى طيبة. في يوم من الأيام عندما كان النبي صلى الله وعليه واله وسلم يخطب في الناس دخل الحسن والحسين المسجد بثوب احمر وسقطا على الأرض وهما يركضان نزل النبي من المنبر وحضنهما ورجع إلى المنبر وأجلسهما على رجليه (الترمذي الصحيح 2/ 306).
المصادر:
احمدي ميانجي، علي، مكاتيب الرسول، ١٤١٩، قم، دار الحديث.
بخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح بخاري،١٤١٩ق، رياض، بيت الافكار الدوليه.
ترمزي، محمد بن عيسي، صحيح سنن الترمزي، ١٤٢٠ق، رياض، مكتبه المعارف للنشر و التوزيع، چ اول.
حلي، حسن بن يوسف، كشف اليقين في فضائل اميرالمومنين، ١٤١١ق، تهران، وزارت ارشاد اسلامي.
صدوق، من لايحضره الفقيه، ١٤٠٤ق، قم، جامعه مدرسين، چ دوم.
صدوق، امالي، ١٤٠٠ق، بيروت، اعلمي، پنجم.
طباطبائي، سيد محمد حسين، آداب و سنن و روش رفتاري پيامبر گرامي اسلام، ترجمه حسين استاد ولي، ١٣٨١ش، تهران، پيام آزادي، چ سوم.
طبرسي، احمد بن علي، الاحتجاج علي اهل اللجاج، ١٤٠٣ق، مشهد، مرتضي، چ اول.
طبرسي، حسن بن فضل، مكارم الاخلاق، ١٣٧٠ش، قم، شريف رضي، چ چهارم.
فيروزآبادي، سيد مرتضي، فضائل الخمسه من صحاح السته، ١٣٩٢ ق، تهران، اسلاميه، چ دوم.
قرائتي، محسن، تفسير نور، ١٣٨٩ش، تهران، مركز فرهنگي درسهايي از قرآن، چ چهارم.
قمي، عباس، سفينه البحار و مدينه الحكم و الاثار، ١٤١٤ق، قم، اسوه، چ اول.
كليني، الكافي، ١٤٠٧ق، تهران، دارالكتب الاسلاميه، چ چهارم.
نسائي، احمد بن شعيب، السنن الكبري، ٢٠٠١م، موسسه الرساله، بيروت.
نيشابوري، غلامرضا، داستانها و حكايتهاي مسجد، ١٣٧٦ ش،قم، سيد جمال الدين اسدآبادي،چ دوم.
مجلسي، محمد باقر، بحارالانوار، ١٤٠٣ق، بيروت، دار احياء التراث العربي، چ دوم.
واقدي، محمد بن عمر (م ٢٠٧)،المغازي، تحقيق مارسدن جونس، ١٤٠٩/١٩٨٩، بيروت، موسسسه الاعلمي، ط الثالثه.
[1] . [١]. وجعلنا للمتقين اماما (فرقان/٧٤)
[2] . الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (الكهف/٤٦)