دراسة السند الذي يدعي بان الاصطحاب مكروه
حجة الإسلام سيد مصطفى بهشتي / مكتب دراسات قم
ان مفردة الصبيان هي جمع لمفردة الصبي التي تعني لغويا الطفل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يفيد ان المفردة تختص بأي فترة من فترت الطفولة؟ هل هو الطفل الرضيع أو الصغير أو المميز أو اليافع أو الناشئ؟
ان المقالة التي بين أيديكم تنظر إلى دراسة الحكم الفقهي والوثائق التي تتحدث عن تواجد الأطفال في المسجد، نظرة وجيزة ومقتضبة. غني عن القول بان هناك نقد للموضوع كما توجد آراء في هذا المجال. ان موقع المركز مستعد لنشر النقد الوارد على هذا الموضوع.
ان المقالة هذه لا تعبر عن موقف المركز.
يستقطب المسجد باعتباره أهم قاعدة دينية للمسلمين مختلف طبقات الناس بكافة مراتبهم ومكانتهم وأعمارهم. مع هذا يطرح سؤال يكتسي أهمية كبرى وهو هل حدد الإسلام العزيز حدا لأعمار الأطفال الذين يترددون على المسجد؟ وإذا ما وجدت مثل هذه المحدودية فهل أنها تشتمل على كافة الأطفال أو هناك قيود وشروط في هذا المجال؟
ان الإجابة المقتضبة على هذا السؤال تفيد بان بعض الفقهاء ووفقا على رواية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواية للإمام جعفر الصادق عليه السلام، اعتبروا اصطحاب الأطفال إلى المسجد مكروها لكن إلى جانب مثل تلك الفتاوى، هناك فقهاء من الشيعة يرون بان كون الأمر مكروها لا يختص بفئة خاصة من الأطفال وإنهم لا يرون بان اصطحاب الأطفال لا يعد مكروها فحسب، بل له أولوية أو انه مستحب وهناك من ذهب إلى انه واجب.
فتاوى المراجع المعاصرة:
لو نظرنا إلى فتاوى المراجع المعاصرين يتبين بان بعض الفقهاء أفتوا بكراهية الأمر بوجه عام ولم يضعوا شروطا في الأمر. هناك من يذهب إلى ان فتوى الكراهية تنحصر بفئة خاصة من الأطفال (كالذين قد يلوثون المسجد لو دخلوا فيه أو لم يحترموا آداب المسجد). أما البعض والى جانب وضع تلك الشروط أفتوا بان اصطحاب الأطفال الآخرين يعد أمرا مستحبا أو حتى هناك من قال بأنه واجب.
ان كافة المراجع وبشكل عام قالوا في رسالتهم: ان اصطحاب الطفل والمجنون إلى المسجد مكروه (المسالة 915 رسالة الإمام قدس سره).
لكن بعدما صرحوا بهذا الأمر، أضاف بعض الفقهاء عبارات كما يلي:
يذهب آية الله بهجت (رضوان الله تعالي عليه) بان كون اصطحاب الأطفال إلى المسجد يعد مستحبا يختص بالأطفال غير المميزين الذين لا يراعون آداب المسجد.
يذهب آية الله السيستاني إلى ان كراهية اصطحاب الأطفال إلى المسجد تختص بالأطفال الذي يتسببون المتاعب للمصلين أو يخاف منهم تلويث المسجد. وفي غير هذه الحالات لا مانع في الأمر بل له أولوية. (المسالة 901).
يرى آية الله فاضل لنكراني بان دخول الأطفال إلى المسجد مستحب شريطة ان لا يسببوا المتاعب ويؤدي اصطحابهم إلى رغبتهم في الصلاة.
أما آية الله مكارم الشيرازي يرى ان دخول الأطفال مستحب وقد يكون واجبا بتلك الشرطين أعلاه أي لا يسببوا الإزعاج ويؤدي دخولهم إلى رغبتهم في الصلاة.
آراء وفتاوى العلماء السابقين
مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (ط-حديثة) ج 6 ص 287.
الرؤية الأولى: الكراهية
أفتى الكثير من العلماء السابقين بكراهية اصطحاب الأطفال إلى المسجد بسبب وجود روايتين في هذا المجال ويأتي من ضمن هؤلاء الكبار: الشيخ الطوسي في النهاية والمبسوط وابن إدريس الحلي في السرائر والمحقق الحلي في المعتبر والعلامة الحلي في المنتهى ونهاية الأحكام والتذكرة والشهيد الأول في الدروس والبيان والذكرى والنفلية وفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع والسيد اليزدي في العروة الوثقى.
الرؤية الثانية: الإباحة
ان الكثير من العلماء ومع انهم كانوا بصدد تقرير المسالة لكنهم لم يصدروا حكم الكراهية ولم يروا مانعا في اصطحاب الأطفال. ان هؤلاء الكبار هم: المحقق الحلي في الشرائع والمختصر النافع والعلامة الحلي في إرشاد الأذهان والمحقق سبزواري في كفاية الأحكام.
الرؤية الثالثة: اختصاص الكراهية بفئة خاصة من الأطفال واستحباب دخول باقي الأطفال في المسجد.
ذهب بعض الكبار إلى ان كراهية اصطحاب الأطفال إلى المسجد مختص بمن يخاف منه التلويث، فأما من يوثق به منهم ليس الأمر مكروها بل يستحب تمرينهم على إتيانها. وان جعلهم يتمرون على عبادة يعد من المستحبات ان هؤلاء الكبار هم:
المحقق الكركي في جامع المقاصد والشهيد الثاني في مسالك الإفهام والروضة البهية وصاحب المدارك في المدارك والمقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان كما نقل المجلسي هذا الأمر بداية في روضة المتقين وثم نقل الأمر في بحار الأنوار وقبل به.
الثالث: وثائق فتوى الكراهية:
ان مستند هذا الفتوى هو روايتين وردت في عدة كتب روائية شيعية قديمة:
الرواية الأولى:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمُ الشِّرَاءَ والْبَيْعَ والْمَجَانِينَ والصِّبْيَانَ والْأَحْكَامَ والضَّالَّةَ والْحُدُودَ ورَفْعَ الصَّوْتِ.
وردت هذه الرواية في ثلاثة كتب دون اختلاف في السند وهي تهذيب الأحكام ج 3 ص 249 وعلل الشرائع ص 319 والخصال ص 410.
الرواية الثانية:
عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ ومَجَانِينَكُمْ (ورَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ) وشِرَاءَكُمْ وَ بَيْعَكُمْ (وَ الضَّالَّةَ وَ الْحُدُودَ وَ الْأَحْكَامَ) اجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ.
وردت هذه الرواية في 4 كتب وهي تهذيب الأحكام ج 3 ص 254 ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 23 ونوادر الراوندي نقلا عن بحار الأنوار والجعفريات ص 51. والفارق هنا هو ان ما ورد بين القواسين لم يذكر في كتاب التهذيب كما لم تذكر العبارة الأخيرة في كتاب من لا يحضره الفقيه وهي اجعلوا مطاهركم.
الرابع: دراسة الرواية في جانب السند
لو قمنا بدراسة إسناد الروايتين في الكتب أعلاه ليتضح بان كافة الوثائق ضعيفة ونبين فيما يلي وبإيجاز السبب الكامن وراء ضعف سند كل منها:
سند الرواية الأولى:
كما أسلفنا فان الرواية وردت في الكتب الثلاثة بسند مماثل تماما وان سند الرواية في الكتب الثلاثة هو مرسل وضعيف. مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ)
سند الرواية الثانية:
ان سند الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ضعيف ومرد هذا هو ضعف عبد الله الدهقان: (عَنْهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدِّهْقَانِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص).
ان الشيخ الصدوق لم ينقل سندا لهذه الرواية في: من لا يحضره الفقيه ونسبها مباشرة إلى الإمام.
نقل العلامة المجلسي في بحار الأنوار هذه الرواية من نوادر الرواندي وليس من الواضح سندها. (النوادر لراوندي، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص) لم يتم العثور على هذه الرواية في نوادر الراوندي الذي متوفر بين أيدينا.
لا يعد موسى بن إسماعيل موثقا بشكل خاص في جانب سند هذه الرواية الذي وردت في كتاب الجعفريات وان رواية الكتاب ستكون ضعيفة السند (أخبرنا محمد حدثني موسى حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ع قال رسول الله ص)
الخامس دراسة الرواية في الجانب الدلالي:
مع ان سند الروايتين ضعيف لكن وفقا لقاعدة التسامح في أدلة السنن يمكن غض الظرف عن ضعف السند ذلك لأنه بناءا على تلك القاعدة المأخوذة من أخبار من بلغ، يمكن غض الطرف على الضعف في السند والحكم بالاستحباب أو الكراهية أما الآن فيجب ان ننظر في أمر دلالة هذه الروايات.
المعنى اللغوي للصبيان:
ان مفردة الصبيان هي جمع لمفردة الصبي التي تعني لغويا الطفل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يفيد ان المفردة تختص بأي فترة من فترت الطفولة؟ هل هو الطفل الرضيع أو الصغير أو المميز أو اليافع أو الناشئ؟
ان دراسة المفردة لغويا تظهر بان الصبي يطلق على كافة فترات الطفولة ولا يمكن تحديد فترة خاصة لهذه المفردة.
قد يطلق على الطفل الرضيع حتى يفطم: الصَّبِيُ: من لَدُنْ يُولَد إِلى أَنْ يُفْطَم. (لسان العرب، ج١٤، ص ٤٤٩). صبي ... يدل علي صغر السن. (معجم مقاييس اللغة).
وقد يطلق على الأطفال وصغيري السن؛ يقال: رأيته في صِباه أي في صغره. (كتاب العين، ج ٧، ص ١٦٨)
وقد يطلق على الطفل الصغير القريب من سن البلوغ الصَّبِيُ: من لم يبلُغ الحلم (مفردات ألفاظ القرآن، ص ٤٧٣)
وقد يطلق على الناشئين: الصبي: الغلام. (لسان العرب، ج١٤، ص ٤٤٩).
كما وردت المفردة في القرآن الكريم إذ تشير إلى فترة خاصة من الطفولة. ان هذه المفردة وردت في آية تعني الرضيع: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (سورة مريم آية 29).
وورد في آية أخرى بمعنى الناشئ أو صغير السن: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (سورة مريم آية 12).
على هذا ان المفردة تعني الطفل وتطلق على كافة مراحل سنين الطفولة.
تعارضها مع السيرة
لم يقبل بعض من الفقهاء بعبارات من هذه الرواية أساسا. ذلك لأنه لو نظرنا إلى سيرة المعصومين لخرجنا بنتيجة مفادها ان هذا العمل أي اصطحاب الأطفال لم يكن له كراهية منذ بداية الأمر. على سبيل المثال ان عبارة الأحكام تعد من أجزاء هذه الرواية والتي تعني الحكم إذ يقول العلامة الحلي في هذا الأمر:
مسألة: للشيخ-رحمه اللّه-قولان في الحكم في المساجد، قال في الخلاف: لا بأس به وهو اختيار ابن إدريس وكرهه في النهاية والأقرب الأوّل.لنا: انّ أمير المؤمنين عليه السلام حكم في جامع الكوفة وقضى فيه بين الناس ودكّة القضاء مشهورة إلى الآن) (مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، ج٣، ص ٩).
على هذا يجب القول في هذه القضية بأنه بما ان سيرة أهل البيت عليهم السلام المتواصلة تدل على اصطحابهم الأطفال إلى المسجد أو تأييدهم هذا العمل، فيمكن غض الطرف عن الحكم بكراهية الأمر أساسا أو حتى يمكن الإفتاء باستحباب الأمر نظرا إلى الروايات الأخرى.
يتطلب التطرق إلى روايات السيرة والإتيان بها التي تتحدث عن هذه القضية مجالا آخرا. لكن يمكن القول بإجمال بان النظر في السيرة يدل على ان: أولا كان لم ينه النبي صلى الله عليه واله وسلم عن اصطحاب الأطفال إلى المسجد وانه أنهى الصلاة أسرع من المألوف لبكاء الطفل.
ثانيا ان تواجد الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام باستمرار إذ كانا اقل من الـ 8 وفقا لروايات كثيرة من الشيعة والسنة؛ يدل على ان النبي لم ينه عن اصطحاب الأطفال فحسب بل انه كان رائدا في هذا العمل.
ان الرواية لا تريد بيان حدود الحكم ومصاديقه
ان هذه الرواية تعبر عن حكم كلي وشامل ولم تتطرق إلى التفاصيل والقيود وإطار الأمر. أما الشاهد على قولنا هذا هو عدم وجود شروط في أجزاء أخرى من الرواية. على سبيل المثال ورد في الرواية "رفع الصوت" وهو يعني الصياح والصراخ. بينما رفع الصوت عند الأذان لم يكن مكروها بل يعد من المستحب رفع الأذان بصوت عال: «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْأَذَانِ فَقَالَ اجْهَرْ بِهِ وَ ارْفَعْ بِهِ صَوْتَكَ» (وسائل الشيعة، ج٥، ص٤١٠).
كما ورد حول التكبير والصلاة على النبي ورد في الرواية: ارفعوا أصواتكم.
على هذا ان الرواية جاءت بحكم موجز وشامل إذ يجب النظر في الروايات الأخرى لمعرفة إطار الأمر ومصاديقه. بعبارة أخرى لا يمكن الخروج بحكم الشارع حول اصطحاب الأطفال إلى المسجد من هذه الرواية ويجب طلب المساعدة من الروايات الأخرى.
التعارض مع التعاليم الدينية الأخرى
يجب النظر إلى التعاليم الدينية ذات الصلة بأمر ما إذا ما أردنا الخروج بالحكم الشرعي في المسالة ما. هناك آيات وروايات كثيرة حول واجبات الوالدين فيما يتعلق بتنشئة الأطفال وعبادتهم، وأنها تدل على نقاط وقضايا كثيرة إذ لا يجب التغافل عن هذا الأمر. يستنبط من هذه الروايات بان الإسلام العزيز اوجب على الآباء ان يعلموا أولادهم الدين ومعرفة الله تعالى والتعاليم الدينية. إذ قال الله سبحانه وتعالى حول واجب الوالدين الكبير إمام الأسرة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (التحريم آية 6).
عندما نزلت هذه الآية: قال الناس: يا رسول الله كيف نقي أنفسنا وأهلينا؟ قال اعملوا الخير، وذكّروا به أهليكم، فأدبوهم على طاعة الله.
ثم قال عليه السلام: ألا ترى ان الله يقول لنبيه: «وَ ْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها». (سورة طه /132).
ثم يأتي الإمام الصادق عليه السلام بآيات أخرى من القرآن كدليل على هذا الواجب الكبير الملقاة على عاتق الإباء وقال تعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَ كانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا». (سورة مريم /54-55).
ان الآيات والروايات الكثيرة في هذا المجال تدل على واجب الآباء الكبير تجاه ديانة أبنائهم. من جهة أخرى ان الشارع المقدس لم يعرف لنا مكان وبيئة لتنشئة الناس أفضل من المسجد. ولا يمكن تربية الإنسان أساسا من دون توفير المكان والبيئة المناسبة. على هذا وبالنظر إلى تلك النصوص إذا لم نذهب إلى وجوب اصطحاب أبناءنا إلى المساجد فيجب الحكم باستحباب الأمر.
من جهة أخرى هناك روايات كثيرة تأمر الوالدين بان يمرنوا الأطفال على الصلاة والعبادة.
عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال: «فيما بين سبع سنين وستّ سنين...» (التهذيب ج 2 ص 381).
خصص الشيخ الحر العاملي في كتاب وسائل الشيعية بابا بعنوان بَابُ اسْتِحْبَابِ أَمْرِ الصِّبْيَانِ بِالصَّلَاةِ .... إذ يوجد في هذا الباب 9 روايات. من الواضح بان تمرين العبادة يجب ان يتم بكافة جوانبه ومن أهم تلك الجوانب هو إقامة العبادة جماعيا في أهم قاعدة إسلامية وهي المسجد.
ملخص الكلام هو من خلال النصوص الكثيرة المذكورة في هذا المجال، يظهر بأنه أما هناك تعارض بين الروايتين المذكورتين في مجال كراهية اصطحاب الأطفال إلى المسجد وأما تزاحم. من الواضح ان التزاحم هو الجزء الوسط بين الصنفين من الروايات؛ يمكن البحث عن حل بواسطة الحلول التي قدمها الكبار فيما يتعلق باختصاص الكراهية بالطفل غير المميز.
لكن يجب القول بأنه لو اعتبرنا ان تعارض بين الصنفين من الروايات كبير إلى درجة يلزم اختيار واحد من الاثنين (التعارض) فمن المؤكد ان تكون النصوص الأولى هي الرائدة في هذا المجال.
تتعلق حدود الكراهية بأي أطفال؟
نظرا إلى ما قلنا في السطور السالفة بان اصطحاب الكثير من الأطفال إلى المسجد قد يكون مستحبا أو واجبا أحيانا، ذلك لأنه لو لم يعرف الطفل أجواء المسجد وبيئة العبادة، فانه لا يتعلم تمرين العبادة ويسقط في شراك الشبهات والأمراض العقائدية.
مع هذا ولكي نجد وسط الصنفين من الروايات القاسم المشترك فيجب ان نتجه نحو رواية الكراهية كي يتحدد معها القصد من "الصبيان" وما الفئة التي يطلق عليها الصبيان. ان الإمعان في الروايتين يدل على ان الحكم باجتناب الأمر يضرب بجذوره في عدة قضايا وأشار إليها العلماء.
ان القاسم المشترك بين كافة تلك الحالات التي وردت في الروايتين هو التغافل عن العبادة وإبعاد المصلين من أجواء العبادة. فان البيع والشراء وتنفيذ الأحكام أو رفع الصوت يشتت أذهان المؤمنين من العبادة بشكل أو بآخر على هذا ان اصطحاب الأطفال الذي يسببون في إثارة المشاكل للعبادة يمكن ان يشكل السبب الرئيس لهذه الرواية.
من الأدلة التي ذهب بموجبها بعض الكبار إلى ان الكراهية في هذه الرواية تختص بالأطفال غير المميزين، تتجلى في النقطة السالفة. (للمحافظة على التنزه من النجاسات وأداء الصلوات) من الواضح ان دخول المسجد يهدف إلى العبادة ويجب الابتعاد نهائيا عن أي عمل يناقض هذا الأمر. شريطة ان لا يكون هناك مصلحة كبرى كتنشئة الجيل الجديد أو تمرينهم على العبادة.
ان مفردة المجانين الواردة إلى جانب الصبيان تجعلنا نذهب إلى ان قصد الرواية هو الأطفال غير المميزين الذين لا يمكن التنبؤ بسلوكهم ولا يمكن الوثوق بهم (ربما يقيد الصبي بمن لا يوثق به) أي الصبي الذي لا يميز بين الشر والخير ولم يبلغ الرشد كاملا.
كما ورد في جزء أحاديث العلماء السابقين فان بعض علماء ذهبوا إلى ان الحديث يختص بالأطفال غير المميزين ويرون ان اصطحاب الأطفال إلى المسجد، أكثر استحبابا. هذا ويمكن ان يكون عدم اصطحاب الأطفال غير المميزين إلى المسجد لسببين:
السبب الأول كما ذكر في الفرض السابق أي إحداث المشاكل لعبادة المصلين.
والسبب الثاني قد يتجلى في المحافظة على طهارة المسجد على هذا يمكن ان تأتي كراهية اصطحاب الطفل غير المميز بسبب إمكانية تسبب الطفل في نجاسة المسجد. كما يستنبط الشيخ الطوسي من هذا الحديث (الخلاف ج 1 ص 487) كما ذهب الكثير من الفقهاء الكبار إلى هذا الرأي واعتبروا ان الروايات تختص بالأطفال الذين قد يسببون النجاسة في المسجد (الذين لا يؤمن من تلويثهم و لعبهم و أذيّة المصلّين و إلّا فيستحبّ تمرينهم على إتيانها أو تعليمهم القرآن و العلوم فيها).